بدلاً من استعدائه

إدارة بايدن مطالبة باستمالة بوتين لمعالجة قضايا السياسة الخارجية

صورة

مع رحيل الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، من البيت الأبيض، يستطيع مراقبو الصراع المعقّد بين أميركا وروسيا أن يتنفسوا الصعداء، فمنذ اللحظة التي وصف فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ترامب بالمرشح الرئاسي للحزب الجمهوري لعام 2016، أصبح من المؤكد أن موسكو تنظر إلى واشنطن من خلال منظار السياسة والفضيحة. وهذا لا يعني أن الرئيس جو بايدن قد لا يسمح لروسيا بأن تلعب اللعبة نفسها مرة أخرى. قد تأتي الإدارات وتذهب، لكن التحدي الجيوسياسي الذي يواجه الولايات المتحدة من زعيم الكرملين، يظل ثابتاً على ما يبدو.

العلاقة في أدنى مستوياتها

لنبدأ بما هو واضح، فالعلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة، ولاتزال الوكالات الأميركية تبحث في تداعيات الاختراق الإلكتروني الهائل الذي ألقت باللوم فيه على موسكو. وتطالب الحكومات الغربية الكرملين بردود على تسميم زعيم المعارض الروسي أليكسي نافالني. وصعّدت الولايات المتحدة بثبات العقوبات على روسيا، بسبب الحرب في أوكرانيا، وتدخلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. وكواحدة من أولى خطواته، أمر بايدن بإجراء مراجعة استخباراتية شاملة لما يُشتبه في الضرر الذي سببته روسيا، بدءاً من المكافآت المزعومة التي قدمتها لحركة «طالبان» لقتل القوات الأميركية في أفغانستان، وصولاً إلى التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2020. وستتولى مديرة الاستخبارات الوطنية في إدارة بايدن، أفريل هينز، قيادة هذه الجهود. ويبدو أن التوفيق قد حالف بايدن في اختياره للدبلوماسي المخضرم والخبير في الشؤون الروسية، ويليام بيرنز، مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية.

لكن روسيا - الدولة التي لديها ترسانة نووية تنافس الولايات المتحدة - لا يمكن وضعها ببساطة في منطقة الجزاء. ويتفق خبراء السياسة بشكل عام على أن الحكومة الروسية يجب أن تلعب دوراً في الاستجابة للأزمات العالمية الكبرى، من كبح جماح طموحات إيران النووية، إلى وقف الحرب القصيرة والدموية بين أرمينيا وأذربيجان، وهذا يعني أن إدارة بايدن يجب أن تتعامل مع بوتين من أجل معالجة مجموعة من قضايا السياسة الخارجية، لاسيما العودة المقترحة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وروسيا طرف في الاتفاق الذي تخلى عنه ترامب في 2018، حتى بعض أكثر منتقدي بوتين صراحةً في الولايات المتحدة، مثل سفير الولايات المتحدة السابق لدى روسيا، مايكل ماكفول، يقرون بأن على الولايات المتحدة إشراك روسيا بشكل انتقائي في القضايا العالمية المُلحة، مثل الاستجابة للوباء، وتغير المناخ، لكن ليس من المتوقع أن توصف سياسة بايدن بأنها «إعادة ضبط»، فهذه كلمة غير مناسبة في واشنطن عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع سياسة روسيا. ففي عام 2009، قدمت وزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون زر «إعادة ضبط» أحمر لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في جنيف، كبادرة رمزية أميركية لإعادة تنشيط العلاقات مع روسيا، إلا أن تلك الهدية استقطبت الابتسامات الخبيثة والتهكم، حيث تمت ترجمة «إعادة ضبط» للغة الروسية بـ«حمل زائد».

الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ

سارت الأمور من سيئ إلى أسوأ، فبعد أن شابت الانتخابات البرلمانية الروسية في عام 2011 مزاعم بحدوث تزوير واسع النطاق، ألقى بوتين باللوم على كلينتون في الترويج لـ«التدخل الأجنبي» في روسيا، عندما خرج المحتجون إلى الشوارع. وفي عام 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، ودعمت الصراع الانفصالي في شرق أوكرانيا، ما أدى إلى تصعيد المواجهة مع الغرب. ثم كان ذلك التصرف المحرج لترامب في اجتماع قمة 2018 مع بوتين في هلسنكي، حيث وقف الرئيس الأميركي آنذاك إلى جانب زعيم الكرملين، قائلاً إنه «لا يرى أي سبب يجعل» روسيا مسؤولة عن التدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. ويبدو أن هناك إجماعاً على مضض في واشنطن على أن التعاون الحالي مع روسيا لن ينجح.

لكن بالعودة إلى أغسطس الماضي، فقد وقعت مجموعة خبراء السياسة الخارجية للولايات المتحدة على رسالة مفتوحة تدعو إلى «إعادة التفكير» في سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا. وجاء في الرسالة التي وقعتها (من بين آخرين) مستشارة ترامب السابقة في الشؤون الروسية، فيونا هيل، وسفيره السابق في موسكو، جون هانتسمان، أنه «ليس من المنطقي أن تقوم دولتان بتدمير بعضهما بعضاً، في غضون 30 دقيقة، لتنتهي الحضارة بسبب افتقارهما إلى علاقات دبلوماسية تعمل بكامل طاقتها».

إعادة ضبط

أثارت هذه الرسالة المفتوحة رداً من مجموعة أكثر تشدداً من الدبلوماسيين السابقين، والمتخصصين في الجيش والاستخبارات، وغيرهم من الخبراء الذين جادلوا بضرورة تقييد نظام حكم بوتين الفاسد بشدة. ورد الموقعون على الرسالة الأولى بأنهم لا يسعون إلى «إعادة ضبط» مع روسيا، بل مجرد تقييم «واضح» لسياسة روسيا.

ومع ذلك، تتفق المجموعتان على أن الولايات المتحدة بحاجة إلى العمل مع روسيا بشأن الحد من التسلح. وإحدى القضايا الأولى التي ستواجهها رئاسة بايدن هي انتهاء صلاحية المعاهدة الجديدة لخفض الأسلحة الاستراتيجية لعام 2010 في الخامس من فبراير، وهي المعاهدة الأخيرة التي تحد من الترسانات النووية الأميركية والروسية. وصرّح السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، جين بساكي، للصحافيين، يوم الخميس الماضي، بأن الإدارة الجديدة مستعدة للعمل مع روسيا على تمديد المعاهدة.

الحد من التسلح عمل تقني وغير مثير، ويتطلب قدراً كبيراً من الصبر والدبلوماسية، لكنه ضروري للغاية، فقد تبخرت الثقة بين الولايات المتحدة وروسيا، وتخلى البلدان عن الاتفاقات التي تهدف إلى الحد من مخاطر الحسابات العسكرية الخاطئة التي تدمر العالم، لكن القضية التي يرتكز عليها النقاش بشأن العلاقات الأميركية الروسية هي قضية السياسة الداخلية الروسية. فقد أدى تسميم زعيم المعارضة أليكسي نافالني في أغسطس إلى إثارة الجدل حول كيفية التعامل مع روسيا، وامتد الجدل إلى التحقيق في التدخل الروسي في انتخابات عام 2016. وزاد نافالني المزيد من اللغط أخيراً مع عودته الدرامية إلى روسيا، وبعد يومين من اعتقاله، أطلق فريق التحقيق التابع له تحقيقاً مكثفاً عبر الإنترنت بشأن ثروة بوتين الشخصية المزعومة.

ودعا مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، إلى إطلاق سراح نافالني، بعد اعتقاله لدى وصوله إلى موسكو. وقال سوليفان على «تويتر»: «يجب إطلاق سراح نافالني على الفور، ويجب محاسبة مرتكبي الهجوم الشنيع على حياته»، ويضيف «إن هجمات الكرملين على نافالني ليست مجرد انتهاك لحقوق الإنسان، بل إهانة للشعب الروسي الذي يريد أن تُسمع أصواته».

السيطرة على موارد الدولة

ويسيطر بوتين على كل موارد الدولة، ويقع تحت إمرته جهاز أمني هائل، يمكنه خنق المعارضة السياسية الداخلية. لكن يبدو أن نافالني يراهن على أن «البوتينية»، في إشارة إلى عهد بوتين، تدنو من مرحلة الشيخوخة، فقد أصبح بوتين زعيماً مسناً ومعزولاً، وبعيداً عن الناس. ويبدو من غير المحتمل أن تطيح احتجاجات الشوارع ببوتين، لكن يبدو أن المعارضة السياسية المحلية تلقت دفعة كبيرة من استعداد نافالني العودة من الخارج ورمي النرد. لا ينبغي أن نعتقد أن نافالني ليبرالي غربي تقليدي، فهذا الناشط المناهض للفساد لديه نزعة من الشعبوية والقومية الروسية في سياساته، وقد أظهر استعداداً عملياً للتحالف مع أحزاب أكثر مرونة وموالية للحكومة بشكل عام لتحدي حكم بوتين، مثل حزب روسيا الموحدة في الانتخابات المحلية. حتى إنه انتقد قرار «تويتر» بحظر ترامب، واصفاً إياه بأنه «عمل رقابي غير مقبول». وكما تعكس تحركات نافالني، فإن تحديد من يفوز أو يخسر في روسيا هو أمر يقرره الروس أنفسهم.


- وقّعت مجموعة خبراء السياسة الخارجية للولايات المتحدة في أغسطس الماضي

على رسالة مفتوحة، تدعو إلى «إعادة التفكير» في سياسة الولايات المتحدة

تجاه روسيا. وجاء في الرسالة أنه «ليس من المنطقي أن تقوم دولتان بتدمير

بعضهما بعضاً، في غضون 30 دقيقة، لتنتهي الحضارة بسبب افتقارهما إلى علاقات دبلوماسية تعمل بكامل طاقتها».

- العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا في أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة.

- روسيا - الدولة  التي لديها ترسانة

نووية تنافس الولايات المتحدة - لا يمكن وضعها ببساطة

في منطقة الجزاء. ويتفق خبراء السياسة بشكل عام على

أن الحكومة الروسية يجب أن تلعب دوراً في الاستجابة للأزمات العالمية الكبرى، من كبح جماح طموحات إيران النووية، إلى وقف الحرب القصيرة والدموية بين أرمينيا وأذربيجان.

تويتر