بعد أن كانت تحتجزهم في الجزر لسنوات عدة
أستراليا تحتجز طالبي اللجوء لأكثر من عام في فنادق وتمنع عنهم الشمس
لم يكن لدى طالبي اللجوء المحتجزين في الفنادق الأسترالية، والمحرومين من أشعة الشمس وأحياناً الهواء النقي، أي فكرة عن المدة التي ستستغرقها محنتهم، عندما احتجزت السلطات الأسترالية، رامزيار ساباناياغام، في فندق بمنطقة مانترا بيل سيتي بريستون، بضواحي ملبورن، في نوفمبر 2019، اعتقد أنه سيكون هناك لبضعة أسابيع فقط، وبدلاً من ذلك أمضى ساباناياغام، وهو لاجئ من سريلانكا، الـ14 شهراً التالية محبوساً داخل غرفته، من دون أي إشارة تلوح في الأفق بشأن انتهاء محنته.
وصدرت إليه أوامر، وللاجئين الآخرين المحتجزين في الفندق، بإبقاء نوافذهم مغلقة، وبعد أن احتجوا على ذلك سُمح لهم بفتحها، لكن ليس لأكثر من أربع بوصات، كان الحراس يتفقدونهم ليلاً ونهاراً، وأحياناً يسلطون مصابيح يدوية على وجوههم أثناء نومهم، يشاهدون ضيوف الفندق قادمين ومغادرين، ويشاهدونهم يتجمعون مع أصدقائهم وأحبائهم في قاعة الطعام أدناه، لكن لم يكن لديهم أمل في الانضمام إليهم.
قال ساباناياغام، وهو أحد أفراد أقلية التاميل في سريلانكا، وفرّ من العنف في وطنه: «هذه الفنادق عبارة عن سجون»، ويسترسل: «نقضي 23 ساعة يومياً في غرفنا ونمضي ساعة واحدة في الممر، حيث لا توجد أشعة شمس ولا هواء نقي».
ظروف خانقة
وعلى مدار ما يقرب من عام من انتشار وباء «كورونا»، أصبح ناس كُثر مدركين تماماً ما يعنيه لهم البقاء في منازلهم، لكن بالنسبة لساباناياغام، وعشرات من طالبي اللجوء الآخرين الذين تم احتجازهم في فنادق أسترالية، فقد امتدت هذه الظروف الخانقة لأشهر وأشهر، ودفعت البعض إلى نقطة الانهيار، حيث حاول اثنان من هؤلاء الانتحار.
وكان جميع هؤلاء اللاجئين محتجزين من قبل في إحدى الجزر لسنوات عدة، بموجب قوانين الهجرة الأسترالية الصارمة، قبل نقلهم إلى البر الرئيس لتلقي العلاج الطبي، ويقولون إن سجون الجزيرة كانت أفضل، لأنهم كان باستطاعتهم على الأقل الخروج منها والعودة إليها متى شاؤوا.
قبل أيام، واجهت السلطات الأسترالية انتقادات متزايدة، وبدأت بهدوء في إطلاق سراح العشرات منهم، بمن فيهم ساباناياغام، وبدت الدهشة على معظمهم بعد نيلهم حريتهم فجأة في بلد منحهم لسنوات انطباعاً واضحاً بأنهم غير مرحب بهم، كانت شروط الإفراج عنهم بموجب تأشيرات مؤقتة غير واضحة في كثير من الحالات، ما تركهم غير متأكدين ما إذا كان يحق لهم تجديد تأشيراتهم عند انتهاء صلاحيتها، أو الحصول على حياة جديدة في أستراليا.
يقول عماد مرادي، وهو لاجئ كردي غادر إيران، عام 2013، على متن قارب، في الساعات التي تلت إطلاق سراحه: «أنا سعيد، لكن الأمر مخيف بعض الشيء»، وشعر هو واللاجئون الآخرون بالدموع تنهمر من أعينهم بعد أن تنسموا عبير الحرية بعد سنوات في ما يشبه السجن.
كان إطلاق سراح هذه المجموعة من اللاجئين أحد أكبر التنازلات التي قدمتها الحكومة الأسترالية لحركة حقوق اللاجئين في البلاد، خلال السنوات الأخيرة. لكن أكثر من 60 لاجئاً، أو نحو ذلك، لايزالون محتجزين في فندق مانترا، ويقول البعض إنهم لم يتلقوا أي أخبار عن وضع التأشيرة أو متى قد يطلق سراحهم.
ويقول المدافعون عن اللاجئين إن ما لا يقل عن 100 شخص آخر لايزالون في فندق وشقق كانجارو بوينت سنترال في بريزبين، في حين أن آخرين غيرهم، من بينهم عوائل، محتجزون في موتيلات وشقق أخرى أو في مرافق دائمة.
ويقول محمد جوي مياه، الذي سافر على متن قارب إلى أستراليا من بنغلاديش، في عام 2013، ويتم احتجازه في الفندق هو وآخرين منذ نحو عام: «لقد انهرت تماماً اليوم»، مضيفاً أنه وزملاءه المحتجزين يغالبون مشاعرهم بعد إطلاق سراح زملائهم في السكن وأصدقائهم.
ويقول حميد رضا يوسفي، طالب لجوء آخر، إنه شعر بالصدمة لأن الحكومة الأسترالية استمرت في احتجازه حتى بعد أن عُرضت عليه إعادة توطين مشروطة في الولايات المتحدة، بموجب اتفاق تم التوصل إليه مع السلطات الأميركية، خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، ويقول للأستراليين «إذا كنتم لا تحبونني، أرسلوني إلى أميركا».
محاولة انتحار
ويقول نشطاء إن اثنين من المعتقلين حاولا الانتحار، أحدهما ثانوش سيلفاراسا (31 عاماً)، الذي وصل إلى أستراليا بقارب، عام 2013، بعد فراره من سريلانكا، ويقول إنه بعد حرمانه من الحياة الطبيعية لسنوات عدة، فقد ببساطة الأمل في الحياة، ويقول سيلفاراسا، الذي نُقل إلى منشأة دائمة بعد محاولته الانتحار ومازال محتجزاً: «من الصعب جداً أن يكون المرء محتجزاً إلى أجل غير مسمى، حلمي الوحيد هو الحرية».
بموجب سياسة الهجرة الأسترالية المتشددة، ترفض الحكومة تسوية وضع أي شخص يصل بالقوارب، حتى طالبي اللجوء الشرعيين. وتقول جماعات حقوق الإنسان إن السياسة تنتهك القانون الدولي. ويُنقل هؤلاء الوافدون إلى مراكز احتجاز خارجية بجزيرة مانوس في بابوا غينيا الجديدة، وفي ناورو وهي نقطة نائية في المحيط الهادئ. ولا يرى الكثير منهم أي مؤشر إلى تغيير وضعه مستقبلاً، وتسبّب اليأس بينهم في سلسلة من حالات الانتحار وإيذاء النفس في السنوات الأخيرة.
طالبو اللجوء المحتجزون في الفنادق - التي تشير إليها الحكومة الأسترالية على أنها «أماكن احتجاز بديلة» - مُنحوا تصريحاً بموجب قانون تم إلغاؤه الآن، يسمح بنقلهم من سجون الجزيرة لتلقي العلاج الطبي في أستراليا، وبموجب هذا القانون يتم نقلهم إلى ملبورن أو بريزبين لتلقي الرعاية الطبية، ثم إعادتهم إلى مركز احتجازهم في الخارج، لكنّ الكثيرين منهم قالوا إنهم لم يتلقوا رعاية تذكر، إن وجدت، بعد نقلهم.
ساباناياغام، الذي استقرت شظية في جسده منذ تعرضه هو وعائلته للهجوم في سريلانكا، قال إن الألم كان في بعض الأحيان شديداً لدرجة أنه لا يستطيع المشي، وقال إنه أبلغ الأطباء بذلك قبل مغادرته جزيرة مانوس، لكن عندما قابل أخيراً طبيباً في أستراليا، وهو في حراسة اثنين من الأمن، كل ما قاله له الطبيب أنه مصاب بشظية في جسده.
ويقول كبير المسؤولين الطبيين في ناورو المسؤول عن تحديد طالبي اللجوء الذين يحتاجون إلى رعاية طبية في أستراليا بين 2016 إلى 2017، نيك مارتن، إن الحكومة تحتجز اللاجئين في الفنادق ليكونوا عبرة لغيرهم، ويضيف مارتن: «لم يتلقّ الكثير منهم حتى الآن العلاج الطبي المناسب، والحكومة تبعث برسالة بأنها بذلت جهداً كبيراً في التعامل مع اللاجئين وطالبي اللجوء»، ويمضي قائلاً: «سيعاني الكثير منهم مشكلات الصحة العقلية الحادة بعد إبقائهم في الخارج لمدة تصل إلى ثماني سنوات، ثم احتجازهم في هذه الفنادق».
سياسة غير فعالة
ويقول منتقدو سياسة الاعتقال في الخارج بأستراليا إنها ليست غير إنسانية فحسب، بل غير فعالة كرادع، ويعتقد المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق المهاجرين، فرانسوا كريبو، أن «ما منع القوارب من الوصول إلى الشواطئ الأسترالية ليس معاملة طالبي اللجوء في الأراضي الأسترالية، بل البحرية الأسترالية التي تقوم بدوريات في المياه قبالة إندونيسيا، وتوقف السفن التي تحمل المهاجرين».
وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، يوم الخميس الماضي، قال متحدث باسم وزارة الشؤون الداخلية الأسترالية إن سياسة الحكومة واضحة، وهي أنه «لن يتم توطين أي شخص يحاول السفر بالقوارب بشكل غير قانوني إلى أستراليا»، وأضاف المتحدث: «تم نقل الأفراد المقيمين في أماكن احتجاز بديلة إلى أستراليا مؤقتاً لتلقي العلاج الطبي»، ويسترسل: «يتم تشجيعهم على إنهاء علاجهم الطبي حتى يتمكنوا من الاستمرار في طريق إعادة توطينهم في الولايات المتحدة، أو العودة إلى ناورو، أو بي إن جي، أو العودة إلى وطنهم». ويعتقد النشطاء أن قرار السماح للاجئين بمغادرة أماكن احتجازهم في الفنادق، جاء نتيجة زيادة الضغط العام والقانوني على الحكومة والفنادق.
في ديسمبر، وقّع أكثر من 250 ناشطاً ومحامياً في مجال حقوق الإنسان، وسياسيون، ونقابات عمالية، رسالة قدموها إلى الرئيس التنفيذي لشركة أكور، التي تمتلك فندق مانترا، يطالبون فيها الشركة بإنهاء عقدها مع الحكومة.
في منتصف ديسمبر، تم نقل اللاجئين في فندق مانترا إلى فندق مالبورن بارك، حيث أصبحت سمعة فندق مانترا سيئة للغاية، العام الماضي، لأن إدارته فشلت في تدابير الحجر الصحي للاجئين.
وتجمع المتظاهرون، مساء الأربعاء، خارج فندق بارك، حيث كانوا يأملون إنهاء معاناة اللاجئين. كان في الطابق الخامس اللاجئ الموسيقي الكردي، مصطفى عظيمتابار، مستخدماً ضوء هاتفه الخلوي لاختراق النوافذ المظلمة، ويقول هو ولاجئون آخرون إنهم شعروا ببصيص من الأمل لأول مرة منذ سنوات عدة، ويقول عظيمتابار: «أود أن أمشي مثل الإنسان، أريد أن أعمل، أريد أن أركض، أريد أن أتنفس». فر عظيمتابار إلى أستراليا منذ ما يقرب من عقد من الزمان، وأُطلق سراحه يوم الخميس.
• بموجب سياسة الهجرة الأسترالية المتشددة، ترفض الحكومة تسوية وضع أي شخص يصل بالقوارب، حتى طالبي اللجوء الشرعيين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news