10 ملفات لصراعات ساخنة في العالم تنتظر الإدارة الأميركية الجديدة
يُرجح أن يعاني العام الجديد موروثات قديمة، لم يتم حلها خلال فترة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، مثل مشكلة «كوفيد-19»، والركود الاقتصادي، والسياسات الأميركية المتقلبة، والحروب المدمرة التي لم توقفها الدبلوماسية، فقد كان عاماً حافلاً بالأحداث، بدءاً من جائحة الفيروس التاجي، مروراً بالتأثير المتزايد لتغير المناخ، ووصولاً إلى سياسات الأرض المحروقة التي انتهجتها إدارة ترامب، بعد فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة، والحرب بين أذربيجان وأرمينيا حول ناغورني قرة باغ، والصراع الدامي في منطقة تيغراي الإثيوبية، والصراع في اليمن، وفي عام 2021 سيكون العالم مشغولاً بالتعامل مع تداعيات هذه الأحداث، وإزالة الركام عن المسرح. وفي الحلقة الاولى نستعرض بالشرح والتحليل لاول خمس صراعات على ان نستكمل الخمسة المتقية في الحلقة المقبلة.
أفغانستان
على الرغم من التقدم الضئيل والمهم في محادثات السلام، فقد تسوء أمور كثيرة في أفغانستان خلال عام 2021، فبعد ما يقرب من عقدين من القتال، وقّعت الحكومة الأميركية اتفاقاً مع مقاتلي حركة «طالبان»، وتعهدت بسحب قواتها، مقابل تعهدات الحركة بدخول محادثات مع الحكومة الأفغانية، ومنع الإرهابيين من استخدام البلاد مسرحاً للعمليات.
واستغرقت محادثات السلام الأفغانية بعضاً من الوقت، ومدّدت الحكومة عملية تبادل الأسرى لستة أشهر، وهو الوعد الذي قطعته الولايات المتحدة لـ«طالبان» - إطلاق سراح 1000 من القوات الحكومية أو المسؤولين الذين احتجزتهم «طالبان»، مقابل 5000 مقاتل من «طالبان» - وهو ما اعتبرته كابول اتفاقاً غير متوازن، وردّت حركة «طالبان»، التي قللت في البداية من معدل التفجيرات الانتحارية، والاعتداءات على المدن والبلدات، على التأخير بتصعيد الهجمات والاغتيالات.
واستمرت المفاوضات بالدوحة، في منتصف سبتمبر الماضي، لكنّ الجانبين لم يتفقا على القواعد الإجرائية حتى ديسمبر، ولم يُظهر أيٌّ منهما رغبة كبيرة في التسوية، وتصاعدت إراقة الدماء، ويبدو أن «طالبان» تخلت عن أي ضبط مبدئي للنفس، وشهدت الأشهر الأخيرة تصعيداً في التفجيرات الانتحارية وهجمات أكبر في المدن.
إثيوبيا
في الرابع من نوفمبر، بدأت القوات الفيدرالية الإثيوبية هجوماً على منطقة تيغراي، بعد الهجوم الذي شنته جبهة تحرير تيغراي على الوحدات العسكرية الفيدرالية في المنطقة، وبحلول نهاية نوفمبر، دخل الجيش الفيدرالي إلى ميكيلي عاصمة تيغراي، وأخلى قادة جبهة تحرير شعب تيغراي المدينة، زاعمين أنهم يريدون تجنيب المدنيين القصف والدمار، ونزح أكثر من مليون داخلياً، وفر نحو 50 ألفاً إلى السودان.
وتعود جذور أزمة تيغراي لسنوات عدة، فقد جاء رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى السلطة في 2018، بعد احتجاجات مستمرة منذ فترة طويلة على الائتلاف الحاكم، في ذلك الوقت، الذي كان في السلطة منذ عام 1991، والذي كانت تهيمن عليه جبهة تحرير تيغراي، وتميزت فترة آبي بفقدان قادة تيغراي نفوذهم، واشتكوا من أنهم أصبحوا كبش فداء بسبب الانتهاكات السابقة، وينظرون بحذر إلى تقارب آبي مع عدوهم القديم، الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، ويتهم حلفاء آبي نخب حركة جبهة تحرير تيغراي بالسعي للاحتفاظ بنصيب غير متكافئ من السلطة، وعرقلة الإصلاح وإذكاء المشكلات من خلال العنف.
وإذا استثمرت الحكومة الفيدرالية بكثافة في تيغراي، وتركت الخدمة المدنية المحلية كما هي، بدلاً من إفراغها من كوادر جبهة تحرير تيغراي، وأوقفت مضايقات تيغراي في أماكن أخرى، وأدارت المناطق المتنازع عليها بدلاً من تركها لمسؤولي الأمهرة، فقد يكون هناك بعض الأمل في السلام، وسيكون من المهم التحرك نحو حوار وطني لمعالجة الانقسامات العميقة بالبلاد، في تيغراي وخارجها، وفي غياب ذلك فإن التوقعات ستظل قاتمة بالنسبة لعملية انتقال السلطة، التي ألهمت الكثير من الأمل قبل عام واحد فقط.
منطقة الساحل
تتفاقم الأزمة التي تجتاح منطقة الساحل بشمال إفريقيا، مع تزايد العنف العرقي وأعداد المتشددين، وكان عام 2020 هو العام الأكثر دموية منذ بدء الأزمة عام 2012، عندما اجتاح متشددون شمال مالي، ما دفع المنطقة إلى حالة من عدم الاستقرار وطال أمدها، ويسيطر المتشددون على مساحات واسعة من المناطق الريفية في مالي وبوركينا فاسو، ويقومون بغزو جنوب غرب النيجر.
ووجهت العمليات الفرنسية المكثفة لمكافحة الإرهاب، عام 2020، بعض الضربات للمسلحين، ويبدو أن الاقتتال الداخلي بين المتشددين أسهم في تراجع هجماتهم ضد قوات الأمن، لكن الضربات العسكرية وقتل القادة لم تعطل هياكل القيادة أو أنشطتهم التجنيدية.
وفي الواقع، كلما زاد عدد الجيوش الأجنبية أصبحت المنطقة أكثر دموية، ولم تتمكن السلطات الحكومية من استعادة المناطق الريفية التي فقدها المسلحون، حتى عندما يشتد الضغط العسكري على المسلحين فإنهم يعودون من حيث فروا عندما تهدأ العمليات.
ونتيجة لذلك، انهارت علاقات الدول مع العديد من مواطنيها الريفيين، وحدث الشيء نفسه مع أنظمة إدارة الصراع التقليدية، ولم تستطع الدولة ولا السلطات العرفية تهدئة الاحتكاك المتزايد بين المجتمعات، التي تحدث غالباً حول الموارد، وتثير انتهاكات قوات الأمن المزيد من الاستياء، وكل هذا يصبّ في مصلحة المسلحين، الذين يوفرون الحماية للسكان المحليين، ويتدخلون لحل النزاعات، ويبدو أن الميليشيات العرقية التي حشدتها سلطات مالي وبوركينا فاسو لمحاربة المتطرفين تغذي العنف الطائفي.
حتى خارج المناطق الريفية يزداد غضب المواطنين من حكوماتهم، ويمثل انقلاب مالي، في أغسطس - الذي جاء بعد احتجاجات أثارتها انتخابات متنازع عليها - أوضح دليل على الغضب الأوسع نطاقاً من الفساد والحكم غير الكفء، وتسود حالة مماثلة أيضاً في النيجر وبوركينا فاسو.
ومن دون بذل المزيد من الجهود لمعالجة أزمة الحكم الريفي في منطقة الساحل، لا تستطيع المنطقة الإفلات من الاضطرابات الحالية، وبشكل عام ستتطلب هذه الجهود من الجهات الفاعلة الحكومية وغيرها التركيز، أولاً وقبل كل شيء، على التوسط في النزاعات المحلية، والتحدث مع المسلحين عند الضرورة، واستخدام الاتفاقات الناتجة كأساس لعودة سلطة الدولة إلى الريف، وتعد الاستعانة بالعمليات العسكرية الأجنبية مهمة للغاية، لكن على الأطراف الدولية أن تؤكد صنع السلام المحلي والضغط من أجل إصلاح الحكم، وهناك قليل من الناس يرون أن النهج العسكري سيعمل على استقرار منطقة الساحل، ويبدو على مدار السنوات الأخيرة أنه أسهم في تصاعد إراقة الدماء بين العرقيات المختلفة.
الصومال
يقترب موعد الانتخابات في الصومال وسط خلافات مريرة بين الرئيس محمد عبدالله محمد وخصومه، كما دخلت الحرب ضد «حركة الشباب» عامها الـ15، بلا نهاية تلوح في الأفق، بينما يزداد استياء المانحين من دفع أموال لقوات الاتحاد الإفريقي للمساعدة في كسر شوكة المسلحين.
وكان من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية في منتصف ديسمبر، لكنها تأجلت، كما أن الاستعدادات للتصويت الرئاسي المقرر إجراؤه في فبراير 2021، يتباطأ وتحفّه المخاطر. فالعلاقات بين مقديشو وبعض مناطق الصومال - لاسيما بونتلاند وجوبا لاند، اللتين كان قادتهما منافسين لمحمد منذ فترة طويلة، وتخشيان إعادة انتخابه - متوترة، ويرجع ذلك إلى الخلافات حول توزيع السلطة والموارد بين المركز والأطراف، ما قد يؤلب المجتمعات الصومالية على بعضها بعضاً.
ولاتزال «حركة الشباب» قوية، وتسيطر على أجزاء كبيرة من جنوب ووسط الصومال، وتهاجم بانتظام العاصمة الصومالية، وفي حين أن القادة الصوماليين وشركاءهم الدوليين جميعاً يعترفون بأن التحدي الذي تمثله «حركة الشباب» لا تمكن معالجته بالقوة وحدها، إلا أن القليل منهم يرى أن المحادثات مع المسلحين خيار.
إيران
في يناير 2020، أدى مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، إلى ارتفاع التوترات الأميركية الإيرانية لنقطة الغليان، وفي النهاية كان رد فعل إيران محدوداً نسبياً، ولم يختر أيٌّ من الجانبين التصعيد، على الرغم من أن درجة الحرارة ظلت مرتفعة بشكل خطير، ويمكن للإدارة الأميركية الجديدة تهدئة واحدة من أخطر المواجهات في العالم، لاسيما من خلال العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، أو ما يطلق عليه خطة العمل الشاملة المشتركة، لكن القيام بذلك بسرعة مع إدارة العلاقات مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وكلتاهما معارضتان بشدة لإيران، ثم الانتقال إلى محادثات حول قضايا إقليمية أوسع، لن يكونا عملاً عادياً.
وتضمنت سياسة إدارة ترامب تجاه إيران ما يمكن تسميته الضغوط القصوى، وتطلب هذا خروجها من الاتفاقية، وفرض عقوبات قاسية من جانب واحد على إيران، على أمل الحصول على تنازلات أكبر بشأن برنامجها النووي، وتخفيف نفوذها الإقليمي، وربما إطاحة الحكومة في طهران.
ودمرت العقوبات الاقتصاد الإيراني، لكنها لم تحقق شيئاً، وطوال فترة رئاسة ترامب نما البرنامج النووي الإيراني بشكل متزايد، ولم يتقيد بالاتفاقية، وتمتلك طهران صواريخ باليستية أكثر دقة، وأصبحت الصورة الإقليمية مكتظة بالحوادث، من مقتل سليماني على الأراضي العراقية، إلى الهجمات على أهداف صناعة الطاقة السعودية المنسوبة على نطاق واسع إلى طهران، ما أدى إلى تهديدات بنشوب حرب مفتوحة، ولا شيء يوحي بأن الحكومة الإيرانية، على الرغم من انفجارات دورية من السخط الشعبي، في طريقها للانهيار.
حتى في أيام احتضارها، كانت إدارة ترامب تضاعف من عدائها لإيران، وشهدت الأسابيع الأخيرة من ولايتها فرض المزيد من العقوبات، وأدى مقتل عالم نووي إيراني كبير، نُسب مقتله لإسرائيل، إلى زيادة التوترات، ودفع إيران إلى التهديد بتوسيع برنامجها النووي بشكل أكبر، وتبدو واشنطن وبعض الحلفاء مصممين على إلحاق أقصى قدر من الألم بإيران وتقييد مجال المناورة لإدارة بايدن المقبلة، ولاتزال مخاطر المواجهة قائمة، حيث تستهدف الميليشيات الشيعية الموالية لإيران الأميركيين في العراق.
وأشار بايدن إلى أنه سيغير المسار، ويوافق على الانضمام إلى الاتفاقية إذا امتثلت إيران، ثم يسعى للتفاوض على صفقة معالجة الصواريخ الباليستية والسياسة الإقليمية، وأشارت طهران إلى أنها أيضاً مستعدة للالتزام المتبادل بالاتفاق النووي القائم. ويبدو أن هذا هو الرهان الأكثر أماناً والأسرع، على الرغم من أن العوائق ستتزايد، وستحتاج الحكومتان الأميركية والإيرانية إلى الاتفاق على تسلسل الخطوات بين تخفيف العقوبات والقيود النووية، وأيضاً بشأن العقوبات التي يجب رفعها.
لكن إذا عادت أميركا إلى الاتفاقية، فسيتمثل التحدي الأكبر في معالجة التوترات الإقليمية، والاستقطاب الذي سيتواصل وقد يعرض الصفقة للخطر، ويمكن أن يؤدي إلى نشوب صراع، وتستكشف الحكومات الأوروبية إمكانية حث إيران ودول الخليج العربية على الدخول في حوار لتقليل التوترات الإقليمية ومنع اندلاع حرب غير مقصودة، ويمكن لإدارة بايدن أن تضع ثقلها الدبلوماسي الكامل وراء مثل هذا الجهد.
• على الرغم من التقدم الضئيل والمهم في محادثات السلام، فقد تسوء أمور كثيرة في أفغانستان، خلال عام 2021.
• القادة الصوماليون وشركاؤهم الدوليون جميعاً يعترفون، من حيث المبدأ، بأن التحدي الذي تمثله «حركة الشباب»، لا يمكن معالجته بالقوة وحدها، إلا أن القليل منهم يرى أن هناك بدائل واضحة.