بايدن يمكنه جمع خسائر أفغانســــتان وإضافتها إلى سجل بوش الابن
في نشرته الأخيرة لمجلة «فورين أفيرز»، عرّف رئيس تحرير هذه المجلة، جدعون روز، «العبقرية» الكامنة خلف بقاء الولايات المتحدة كقوة عالمية، بأنها «القدرة على تقليص الخسائر»، لكن حتى أولئك الذين يشاطرون روز إعجابه للبراغماتية الباردة في السياسة الخارجية، يجب أن يعترفوا بأن هذه العبقرية ليست دائماً مدعاة للسرور عند النظر إليها.
وأفغانستان هي الحالة المقصودة في هذا الموضوع، فبعد نحو عقدين من الزمن في محاولات الولايات المتحدة تحديث وتطوير هذه الدولة، المعروفة بصعوبة التعامل مع كل شيء يتعلق بها، تعود حركة «طالبان» للسيطرة على المناطق الريفية فيها مرة أخرى، ويبدو أنهم سعداء بالقيام بهجوم نهائي، هذا الربيع، ضد الأجزاء الأخرى من المدن الأفغانية، التي لاتزال تحت سيطرة الحكومة، ويحضّرون لهذا الهجوم بمثابرة وإصرار.
ويواجه الرئيس الأميركي، جو بايدن، خياراً، لكنه في واقع الأمر ليس خياراً، فهو ربما يواصل العملية التي بدأت خلال إدارة الرئيس، باراك أوباما، وجرى تسريعها في إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، من أجل «خفض الخسارات» والخروج من أفغانستان، أو أن بايدن يمكن أن يضع خطة بديلة، تواصل وفقها القوات الجوية والقوات الخاصة القتال في حرب بلا نهاية لا يوجد فيها احتمال للنصر.
التوقيت
وبالطبع فإن الكثير من التاريخ يتوقف على قضية التوقيت، فقد تم تنقل أفغانستان مثل البطاطا الساخنة من رئيس إلى آخر، منذ عهد الرئيس، جورج بوش الابن، الذي دمر نظام «طالبان» وكانت تؤوي لديها تنظيم «القاعدة» الذي نفذ هجوم 11سبتمبر، وبالطبع لا أحد يقبل على نفسه أن يكون الشخص الذي يقدم مفاتيح البلاد للعدو المخلوع، من أجل استئناف الإعدامات الجماعية في ملاعب كرة القدم، إضافة إلى القمع الوحشي للنساء، ومنعهن من القيام بأي نشاط في الحياة العامة.
ويظل أفضل خيار لبايدن، في الواقع، هو الخيار المتاح له، وهو إكمال الاتفاق الذي وقّعه الرئيس ترامب مع حركة «طالبان» للانسحاب من أفغانستان، بحلول مايو المقبل، ويأمل أن يتم تأجيل «طالبان» لهجومها المزمع في الربيع المقبل، إلى فترة ما بعد انسحاب القوات الغربية من أفغانستان. وعلينا ألا نبخل في حماية اللاجئين الذين سيفرون من الوضع الذي سينجم عن انسحاب هذه القوات من أفغانستان، ويبدو أنه ليس هناك أي خيار آخر.
حصاد مرير
ولا يمكن إلقاء اللوم على بايدن ولا حتى توجيه الانتقاد لترامب، على هذا الاتفاق المحرج، لأن هذا الحصاد المرير جرى زرعه منذ أمد طويل، عندما قام مجلس الرئيس بوش الحربي، الذي كان يقوده مجموعة من الطائشين المغرورين، أمثال نائب الرئيس في حينه، ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، باجتياح اثنتين من أكثر دول العالم تعقيداً، وصعوبة في التعامل معها، من دون التفكير للحظة واحدة في كيفية تحقيق السلام الشامل بهما. وهذا ليس تقييماً لأحد كتاب الأعمدة الصحافية، وإنما وجهة نظر الجنرال، دوغلاس لوت، الذي ظل عالقاً في هذه الورطة لسنوات عدة. وقال الجنرال لوت للحكومة الأميركية في مقابلة: «كنا خالين تماماً من الفهم الأساسي لأفغانستان»، مضيفا: «لم نكن نعرف ما الذي نفعله».
وعلى الرغم من أن التفكير في تحقيق النصر بالعراق وأفغانستان كان يجري في البداية، إلا أنه بالنظر لعدم وجود خطة قابلة للتطبيق لإيجاد حكومة مستقرة في كلتا الدولتين، تأكد فريق بوش في النهاية من الهزيمة، ويوجد في لعبة البيسبول قانون يسمح بتحميل الخسارة للرامي، حتى بعد أن يغادر مكان الرمي، ويجب على السياسيين اتباع هذا المثال، وإضافة هذه الخسائر إلى سجل الرئيس بوش الابن.
ويعد الصحافي الأميركي، ديكستر فيلكنس، أعظم المراسلين لهذه الحرب الطويلة جداً، وهو الذي يتحدث عن آخر الأخبار في أفغانستان، في عدد الثامن من مارس الجاري، بصحيفة «نيويوركر». وزار فيلكنس أماكن عدة في شتى أنحاء أفغانستان، حيث تعمل قوات «طالبان» بكل حريتها وقوتها. وأجرى مقابلات مع قادة «طالبان»، ومن بينهم سجناء سابقون في سجن غوانتانامو، الذين يقولون إن نصرهم على الولايات المتحدة واستيلاءهم على السلطة أمر واقع. ويعرض فيلكنس صورة الرئيس الأفغاني، أشرف غني، وهو في عبوس وانعزال. وعرض لنا صور النساء الأفغانيات القويات، اللواتي وثقن بوعود الحرية في العقدين الماضيين، وكن يتصرفن على أساسها. ويمكن أن تتخيل هؤلاء النسوة ما تخبئه لهن حركة «طالبان»، وقال أحد الجنرالات الأفغان لفيلكنس: «ستكون حرباً أهلية، لكن أكثر سوءاً من الماضية»
التطوع
ولكن لا يستطيع المرء أن يمنع نفسه من التفكير في الشبان والشابات اللواتي انطلقن للتطوع في القوات المسلحة، عندما تعرضت بلادهم لاعتداء 11 سبتمبر، حيث تم إرسالهم إلى أفغانستان، ومن ثم إلى العراق، ومع استثناءات قليلة جداً، فقد أدوا الخدمة بشجاعة ومهارة، وقضى الآلاف منهم نحبه، وفقد الآلاف منهم أطرافه أو أعضاءه، أو أصيب بالهلوسة. وترعرع الأطفال في ظل غياب الوالدين عن المنزل لفترات طويلة وخطرة، وللأسف فإن النتائج الناجمة عن هذه الحرب لم تكن مساوية لبسالتهم وتضحياتهم، لكن كما قال ذلك الجنرال، نحن لم نكن نعرف ما الذي نقوم به. والمحفز لا يعادل الاستراتيجية.
وبخلاف المخططين الذين أرسلوا هؤلاء الرجال والنساء إلى طريق الضرر والقتل، فإن جنودنا فعلوا ما بوسعهم لتنفيذ كل ما طلب منهم، وزيادة. والآن يبقى الطريق الوحيد لاحترام خدماتهم، ألا نطلب منهم فعل المزيد في هذه الحرب، والخسائر التي يجب خفضها ليست الخسائر الأفغانية، التي للأسف ستتواصل حالما تنسحب القوات الغربية من أفغانستان. ويتعين على بايدن إيقاف خسائر الولايات المتحدة، وقوات الائتلاف في حرب لم يبقَ فيها أي مجال معقول نحو النصر، ومع كل الاحترام لجدعون روز، فإن ما يجري لا يمكن اعتباره عبقرياً.
• لا يمكن إلقاء اللوم على بايدن، ولا حتى توجيه الانتقاد لترامب على هذا الاتفاق المحرج، لأن هذا الحصاد المرير جرى زرعه منذ أمد طويل، عندما قام مجلس الرئيس بوش الحربي، الذي كان يقوده مجموعة من الطائشين المغرورين، أمثال نائب الرئيس، في حينه، ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، باجتياح اثنتين من أكثر دول العالم تعقيداً وصعوبة في التعامل معها، من دون التفكير للحظة واحدة في كيفية تحقيق السلام الشامل بهما.
• يتعين على بايدن إيقاف خسائر الولايات المتحدة، وقوات الائتلاف في حرب لم يبقَ فيها أي مجال معقول نحو النصر.
ديفيد فون دريل - صحافي وكاتب أميركي