أوروبا تمتلك أوراقاً أقوى للضغط على الصين
تتزايد المؤشرات إلى نشوب مواجهة جيوسياسية بين الغرب والصين، فالأميركيون والأوروبيون يرفعون أصابع التحذير في وجه الصينيين بسبب انتهاكاتهم لحقوق الإنسان في مقاطعة شينغيانغ، ومحاصرة الديمقراطية في هونغ كونغ، وضمان السلام في مضيق تايوان، وما إلى ذلك. في المقابل، يطالب الصينيون الغرب بالاهتمام بشؤونهم الخاصة، والتوقف عن ممارسة النفاق السياسي.
محاربو الذئاب
ويقول المحلل الاقتصادي الألماني، أندرياس كلوته، في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، أن هذه المواجهة تمضي واحدة بواحدة، فعندما يشعر الدبلوماسيون الصينيون بالإهانة، فإنهم يتصرفون مثل «محاربي الذئاب»، الذين يعتقدون أن رئيسهم، شي جين بينغ، يريدهم أن يكونوا كذلك. وتعبير «محاربي الذئاب» مقتبس من فيلمين من أفلام الحركة الصينية، يدوران حول مجموعة من الصينيين يواجهون أشخاصاً أشراراً. والخلاصة هي أن الصين تريد توجيه رسالة إلى الغرب، تقول: لا يمكنك العبث معنا بعد الآن.
والدليل على ذلك هو مجموعة العقوبات المتبادلة بين الاتحاد الأوروبي والصين، خلال الشهر الجاري. ففي البداية، أعلن الاتحاد الأوروبي فرض حظر السفر، وقيوداً أخرى على أربعة أفراد ومؤسسة صينية. كما فرض الأميركيون والكنديون والبريطانيون إجراءات مماثلة على الجانب الصيني.
وفي المباراة الافتتاحية للغرب، استهدف الاتحاد الأوروبي أربعة صينيين، وكياناً واحداً، بحظر السفر وقيود أخرى. وفرض الأميركيون والكنديون والبريطانيون إجراءات مماثلة. ودون أن يهتز لهم جفن، رد الصينيون بعقوبات أقوى على الغرب، استهدفت العديد من مراكز الأبحاث والأكاديميين وحتى أعضاء في البرلمان الأوروبي.
ويرى كلوته أن الصينيين يهدفون في هذا الصراع إلى إظهار استعدادهم الدائم للتصعيد، بل وبصورة أسرع وأكثر شراسة من الغرب. في المقابل، يدرك الأميركيون والأوروبيون أن العقوبات ليست أكثر من مجرد لفتة رمزية، لكنهم يعتقدون أنها تظل أفضل من عدم وجود لفتة على الإطلاق.
ومع ذلك، هناك ورقة أخرى مهمة يمكن أن يرفعها الاتحاد الأوروبي ضد الصين، هي ورقة الاتفاقية الشاملة للاستثمار بين الجانبين. وقد تم التوصل إلى هذه الاتفاقية في ديسمبر الماضي. ولم يصادق عليها البرلمان الأوروبي بعد، في حين فرضت الصين للتو عقوبات على أعضائه، لذلك يمكن للبرلمان الأوروبي أخذ هذه الاتفاقية رهينة لديه، ولا يصدق عليها رداً على الموقف الصيني.
ويقول كلوته، رئيس التحرير السابق لصحيفة هاندلسبلات الألمانية، إنه كان دائماً ضد الاتفاقية الشاملة للاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي، وإنه شعر بأن المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي ألقت بثقلها وراء الاتفاقية بعد سنوات من المفاوضات المتوقفة، كانت في الواقع تتجاهل جو بايدن، بينما كان يستعد لرئاسة الولايات المتحدة، ويسعى إلى تجديد تحالفات الغرب، وليس أقلها اتخاذ موقف موحد ضد الصين. لذلك لم يشعر بايدن بالارتياح لقرار الأوروبيين المضي قدماً في توقيع اتفاقية كبيرة مع الصين، بدلاً من انتظار توليه السلطة لإحياء التحالفات الغربية بشكل عام، ومواجهة تنامي الخطر الصيني بشكل خاص.
المصادقة على أساس تجاري
ولكن هل تستحق الاتفاقية الشاملة للاستثمار المصادقة على أساس تجاري بحت؟ من الصعب قول ذلك، بحسب المحلل الألماني، الذي يقول إن الاتفاقية تهدف إلى خلق مجال متكافئ بين الشركات الصينية والأوروبية، التي تتعامل مع بعضها بعضاً. وقد تنازلت الصين بالفعل أكثر من الاتحاد الأوروبي، وذلك لأن اقتصاد أوروبا كان بالفعل منفتحاً تماماً أمام الشركات الصينية، في حين كانت بكين تعرقل بشكل صارخ الشركات الغربية في الصين.
وتعالج الاتفاقية بعض هذه المشكلات، ففي العديد من القطاعات، تحظر الاتفاقية إلزام الشركات الغربية في الصين بالدخول في مشروعات مشتركة مع الشركات المحلية للعمل في الصين، وهي الترتيبات التي استخدمها الصينيون في كثير من الأحيان للحصول على التقنيات والأسرار التجارية، من الشركات الأوروبية. كما ستلغي بكين الحدود القصوى المفروضة على إنتاج الشركات الأجنبية المصنعة للسيارات الكهربائية، وبعض السلع الأخرى. في المقابل، كانت التعهدات الصينية أكثر غموضاً في المجالات الأخرى المثيرة للجدل، لاسيما في ما يتعلق بالدعم الكبير الذي تقدمه للشركات الصينية العملاقة.
الجزء الأضعف
ومع ذلك، فإن الجزء الأضعف من الاتفاقية هو التزام غامض من جانب الصين بالتحرك - ربما يوماً ما - نحو التصديق على اتفاقيات منظمة العمل الدولية، التي تحظر العمل القسري. والسؤال: لماذا لا تصدق على هذه الاتفاقية؟ القضية هنا هي مقاطعة شينغيانغ، حيث تضطهد بكين بوحشية عدداً كبيراً من الأويغور، ومعظمهم من المسلمين. وكانت المراوغة الصينية بشأن هذه النقطة بمثابة تحطيم للاتفاقية، بالنسبة للعديد من أعضاء البرلمان الأوروبي حتى قبل العقوبات الصينية الأخيرة ضدهم.
كما هي الحال دائماً، تكمن المشكلة في الاتحاد الأوروبي في أن الدول الأعضاء لها مصالح متباينة. وتهتم ألمانيا، على وجه الخصوص، كثيراً بروابطها التجارية والاقتصادية مع الصين التي أصبحت أكبر شريك تجاري لألمانيا على مدى السنوات الخمس الماضية، متفوقة على الولايات المتحدة، رغم أن الأخيرة مازالت أكبر دولة مستوردة للمنتجات الألمانية.
وتقول ميركل إنها تريد تجنب الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، خشية أن يعود العالم إلى التكتلات الجامدة كما كانت موجودة خلال الحرب الباردة. وبهذا الصدد، تتوافق أهدافها مع أهداف الرئيس شي جين بينغ، الذي يستهدف منع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من التحالف ضد الصين. لذا فقد قدم القليل من التنازلات، للحصول على اتفاقية استثمار يعتبرها بمثابة بوابة لاتفاقيات أخرى مع الاتحاد الأوروبي. وهذا يعني أيضاً أن الصين ستخسر أكثر من الاتحاد الأوروبي في حالة فشل الاتفاقية، وهو ما يمثل ورقة يمكن أن تستخدمها أوروبا مع بكين.
ويرى كلوته، الكاتب في مجلة إيكونوميست البريطانية، في ختام تحليله أنه على ألمانيا، وبقية دول أوروبا إدراك أن الصراع بين القيم الغربية لسيادة القانون والمجتمع المفتوح رغم مثاليتها في الممارسة العملية، وبين النموذج الصيني للاستبداد السافر، وبالتالي لا يمكن أن تقف أوروبا على الحياد.
تقول ميركل إنها تريد تجنب الاختيار بين الولايات المتحدة والصين، خشية أن يعود العالم إلى التكتلات الجامدة كما كانت موجودة خلال الحرب الباردة. وبهذا الصدد، تتوافق أهدافها مع أهداف الرئيس شي جين بينغ، الذي يستهدف منع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من التحالف ضد الصين.
في المباراة الافتتاحية للغرب، استهدف الاتحاد الأوروبي أربعة صينيين، وكياناً واحداً بحظر السفر وقيود أخرى. وفرض الأميركيون والكنديون والبريطانيون إجراءات مماثلة. ودون أن يهتز لهم جفن، رد الصينيون بعقوبات أقوى على الغرب، استهدفت العديد من مراكز الأبحاث والأكاديميين، وحتى أعضاء في البرلمان الأوروبي.