مُخلَّفات الحرب معضلة يصعب التخلص منها

تحديات إزالة الألغام في الشرق الأوسط

صورة

تمثل الألغام والعبوات الناسفة والذخائر غير المتفجرة المضادة للأفراد والمركبات، أو البحرية، محلية الصنع أو المستوردة، خصوصاً ذات الأوزان الصغيرة، أحد مصادر التهديد «غير المرئية» التي تواجه أمن الدول واستقرار المجتمعات في الشرق الأوسط، وبصفة خاصة في بؤر الصراعات المسلحة العربية، وهو ما تزامن مع الاحتفال باليوم الدولي للتوعية بمخاطر الألغام في الرابع من أبريل، الذي حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الثامن من ديسمبر 2005 للمساعدة في الأعمال المتعلقة بالألغام.

ويتمثل أبرز المعوقات التي تواجه الجهود المحلية والإقليمية والدولية لإزالة الألغام في الإقليم في سيطرة الميليشيات المسلحة على مناطق واسعة من الدول، واستمرار عمليات تهريب تكنولوجيا تصنيع الألغام، وغياب المعرفة الدقيقة بخرائط الألغام المنتشرة في ربوع البلاد، وتعدد مصادر الألغام في الدول مترامية الأطراف، وتعقيدات قضايا الانتقال في مراحل ما بعد الصراعات والحروب، وانتشار فيروس «كوفيد-19» وغياب المخصصات المالية لإزالة الألغام من مناطق داخل الدولة باعتبارها الأكثر تضرراً.

وعلى الرغم من أن الألغام مصدر تهديد حاد لأمن بعض دول الشرق الأوسط في فترات زمنية مختلفة، فإنها تزايدت خلال العقد الأخير. ويمكن القول إن هناك مجموعة من التحديات التي تواجه جهود إزالة الألغام في دول الشرق الأوسط، وتحديداً في اليمن والسودان وليبيا ولبنان وسورية والعراق، وذلك على النحو التالي:

تكتيك الميليشيا

1- سيطرة الميليشيات المسلحة على مناطق واسعة من الدول

وهو ما ينطبق على جماعة الحوثيين في اليمن التي قامت بزراعة ألغام في مناطق مختلفة بالبلاد، خلال مدى زمني يتجاوز ستة أعوام، إذ كشف تقرير حديث صادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في اليمن بالاشتراك مع البعثة الأممية العاملة في الحديدة عن مقتل 348 يمنياً بألغام الميليشيا الحوثية خلال عام 2020، دون أن يتهم الميليشيا بشكل صريح لاسيما أن بعض وكالات الأمم المتحدة قدمت مساعدات للحوثيين في برامج نزع الألغام وليس زرعها.

فقد قامت الميليشيا بزراعة تلك الألغام في الساحل الغربي وخطوط التماس الأخرى مع القوات الداعمة للحكومة الشرعية. ولعل ذلك يتفق مع تأكيد المشروع السعودي لنزع الألغام «مسام» في الخامس من أبريل الجاري أنه نزع خلال الأسبوع الأخير من مارس الماضي 2277 لغماً وذخيرة غير منفجرة وعبوة ناسفة، موضحاً أنه تمكن منذ بدء المشروع من نزع 230592 لغماً وعبوة ناسفة وذخيرة غير منفجرة.

الألغام البحرية

2- استمرار عمليات تهريب تكنولوجيا تصنيع الألغام

لم يقتصر تهديد الألغام على تلك الأرضية، بل امتد ليشمل الألغام البحرية، وفي هذا السياق، قال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني في 13 مارس الماضي: «إن ميليشيا الحوثي عرضت، ضمن ما أسمته الصناعات العسكرية، نماذج من الألغام البحرية المصنعة في إيران، استخدمت في هجمات إرهابية طالت ناقلات نفط وسفناً تجارية في البحر الأحمر أخيراً»، مؤكداً أن «هذه الألغام تؤكد استمرار الحرس الثوري الإيراني في تهريب الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية والخبراء لميليشيا الحوثي، واتخاذه الأراضي اليمنية منطلقاً لتهديد الملاحة التجارية والتحكم بالممرات الدولية».

الزرع العشوائي

3- غياب المعرفة الدقيقة بخرائط الألغام

يتمثل أحد التحديات التي تواجه محاولات نزع الألغام في عدم قدرة الجهات المعنية بالمواجهة في دولة ما على معرفة كل أماكن الألغام، لأنه في بعض الأحيان يتم زرع الألغام بشكل عشوائي، وهو ما يظهر جلياً في بؤر الصراعات المسلحة مثل اليمن وسورية وليبيا، الأمر الذي يجعل عملية نزعها أو الوصول إليها صعبة للغاية، فضلاً عن قيام بعض أطراف الصراع باستيراد أو تصنيع الألغام بشكل مستمر، لإلحاق خسائر بشرية ومادية تؤلم الخصوم، فعلى الرغم من مرور أعوام على دحر تنظيم «داعش» في مدن ليبية عدة، مازالت مُخلَّفاته من قذائف وألغام تمثل خطراً.

وفي هذا السياق، حذرت منظمة «اليونيسيف» من أن أكثر من نصف مليون شخص مُعرَّضون للخطر بسبب مُخلَّفات الحرب في ليبيا، وقدّرت أن من بين هؤلاء المُعرَّضون للخطر 63 ألف نازح و123 ألف عائد للمناطق التي نزحوا منها، و145 ألف مواطن مقيم، و175 ألف مهاجر.

أنماط متنوعة

4- تعدد مصادر الألغام في الدول المترامية الأطراف

وهو ما ينطبق على الحالة العراقية، إذ إن ما يزيد التهديد هو الكميات الضخمة التي لا يمكن حصرها من الألغام، فلاتزال الملايين من الألغام الأرضية من مُخلَّفات الحرب العراقية - الإيرانية (1980-1988) تمثل تهديداً لسكان عشرات القرى الحدودية في محافظة السليمانية شمال العراق، فضلاً عن الألغام التي تركها مقاتلو تنظيم «داعش» في عدد من المدن مثل البصرة والموصل، مع الأخذ في الاعتبار الجهود التي تبذل لنزع الألغام، وأبرزها ما أعلنته وزارة البيئة العراقية في 26 مارس الماضي، بشأن تطهير 32 مليون متر مربع من الألغام والمُخلَّفات الحربية في البصرة والموصل.

خطاب المظلومية

5- استمرار استدعاء خطاب المظلومية

ولعل ذلك يفسر محاولة توظيف طهران وجود ألغام داخل أراضيها من بقايا مُخلَّفات الحرب مع العراق، على الرغم من سلوكها الداعم للفوضى في الشرق الأوسط، والذي قد يؤدي إلى تراجع الدعم الإقليمي والدولي لها لنزع الألغام. إذ قال وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي في الخامس من أبريل الجاري إن «إيران تحولت إلى أكبر ضحية لمخاطر الألغام»، لافتاً إلى أن «42 ألف كيلومتر مربع من مساحة إيران قد تلوثت خلال سنوات الحرب المفروضة (1980- 1988) بـ20 مليون نوع من الألغام والمتفجرات المصنوعة في دول تتشدق بحقوق الإنسان».

وأضاف حاتمي: «إن الدول التي ساعدت الحكومة العراقية في جميع المجالات، بما في ذلك الألغام المختلفة خلال سنوات الحرب ضد إيران، وما بعدها، رفضت مساعدة بلادنا في حل هذه المشكلة وامتنعت عن تقديم الدعم التكنولوجي لشعب إيران المحب للسلام».

متاهة الانتقال

6- تعقيدات قضايا الانتقال ما بعد الصراعات والحروب

ربما ذلك ينطبق بدرجة كبيرة على حالة السودان، إذ ثمّن رئيس المجلس الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان التقدم الذي أحرزه السودان في برنامج مكافحة الألغام، موضحاً أن هذا الأمر سيسهم في دفع مسيرة التنمية وإعادة الإعمار في المناطق التي تذخر بالموارد الطبيعية والثروات المتعددة، وهو ما جاء على هامش تصريحاته بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام.

تأثير كورونا

7- تفشي «كوفيد-19»

أصدر مدير عام دائرة شؤون الألغام بالعراق خالد رشاد في الخامس من يونيو 2020 أوامر لدائرته والمنظمات الإنسانية المساندة بالتوقف عن مسح المناطق في المحافظات المحررة حتى انتهاء جائحة «كوفيد-19»، وبصفة خاصة في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وكركوك وديالى التي تنتشر بها الألغام «المرتجلة»، وهى نوع خاص من الألغام قام مقاتلو «داعش» بتصنيعها في البيوت والمدارس والأبنية الخدمية (خصوصاً الماء والكهرباء)، وتتصف تركيبتها بالتعقيد، ما يصعب من عملية تفكيكها.

مخصصات غائبة

8- غياب المخصصات المالية لإزالة الألغام

يظل العامل المالي أحد المعوقات الرئيسة التي تواجه الجهود الوطنية والإقليمية والدولية لإزالة الألغام من بعض المناطق، وهو ما تعانيه محافظة البصرة في العراق، إذ لم تخصص لها مبالغ مالية إضافية بحكم أنها الأكثر تضرراً من الألغام مقارنة بغيرها من المحافظات، مع الأخذ في الاعتبار أن العراق يعد من أكثر دول العالم تلوثاً بالألغام والمُخلَّفات الحربية.

وفي هذا السياق، قال كبير مديري برنامج الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بإزالة الألغام بيير لودهامر، في تصريحات أوردتها وسائل إعلام حكومية عراقية في 12 أكتوبر 2020، إن «المساحة الملوثة بالألغام والمُخلَّفات الحربية في العراق تبلغ مليارين و987 مليوناً و275 ألفاً و90 متراً مربعاً، من ضمنها 257 مليوناً و378 ألفاً و865 متراً مربعاً في إقليم كردستان العراق، حسب الأرقام المقدمة من قبل الحكومة».

عوائق عدة

على الرغم من انضمام معظم دول الشرق الأوسط لاتفاقية أوتاوا المتعلقة بحظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام، وتوسيع وجود المنظمات غير الحكومية الدولية المتعلقة بمكافحة الألغام، واستخدام مداخل غير تقليدية لاكتشاف ونزع الألغام مثل الطائرات المسيرة، لاتزال الألغام تمثل خطراً على الأمن والاستقرار في الإقليم من حيث وفاة وإصابة العناصر المدنية، خصوصاً النساء والأطفال، وتضرر كلي وجزئي للمنشآت العامة والخاصة، سواء كانت سكنية أو تجارية أو تعليمية أو صحية أو معالم أثرية أو خزانات مياه أو طرق رئيسة أو جسور.

وتظل هناك مجموعة من التحديات التي تعوق الوصول إلى الألغام وتفكيكها، أبرزها ارتفاع الكلفة المالية لإزالة الألغام في ظل الأزمات المالية والاقتصادية التي تواجه الدول المتضررة من بقائها، وصعوبة تحديد الأماكن المليئة بالألغام وبقايا مُخلَّفات الحروب وبصفة خاصة في المناطق الحدودية التي قد لا تلقى اهتماماً من الحكومات لأسباب مختلفة.

• تحاول طهران توظيف وجود ألغام داخل أراضيها من بقايا مُخلَّفات الحرب مع العراق، على الرغم من سلوكها الداعم للفوضى في الشرق الأوسط، والذي قد يؤدي إلى تراجع الدعم الإقليمي والدولي لها لنزع الألغام.

• يتمثل أحد التحديات التي تواجه محاولات نزع الألغام في عدم قدرة الجهات المعنية بالمواجهة في دولة ما على معرفة كل أماكن الألغام، لأنه في بعض الأحيان يتم زرع الألغام بشكل عشوائي، وهو ما يظهر جلياً في بؤر الصراعات المسلحة مثل اليمن وسورية وليبيا.

تويتر