تكريس استراتيجية الحلف.. ليس إزاء أوكرانيا وجورجيا وإنما معهما
قبل 13 عاماً، قرر قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في قمتهم التي عقدت في بوخاريست، العاصمة الرومانية، أن أوكرانيا وجورجيا يجب أن تصبحا مستقبلاً عضوين في حلف الناتو. وكانت هذه المرة الأولى التي يعترف فيها الحلف رسمياً بعضوية مستقبلية للدولتين اللتين كانتا تابعتين للاتحاد السوفييتي سابقاً، واللتين أظهرتا استعدادهما لتسلم مسؤوليات حلف الناتو. وكانت قمة بوخاريست حدثاً تاريخياً بلا شك، ولكن الحلفاء تراجعوا عن منح خطط عمل العضوية لكل من أوكرانيا وجورجيا، التي كانت تستخدم سابقاً في توسيع الحلف في دول أوروبا الشرقية والوسطى.
وتمثل خطط عمل عضوية حلف الناتو التزاماً من الدول المدعوة للانضمام إلى الحلف، كي تجري إصلاحات شاملة لديها. وهي تعكس وعد الحلف بأن هذه الإصلاحات ستفتح الباب في واقع الأمر من أجل الانضمام إلى الحلف، ولكن المخاوف من العداء مع موسكو، التي يمكن أن تعمل على زعزعة استقرار المنطقة، منعت دول الحلف من تشكيل طريقة رسمية لحصول أوكرانيا وجورجيا على العضوية في بوخاريست. وخلال هذه المناقشات الساخنة، شكك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للمرة الأولى، في مدى استقلالية أوكرانيا كدولة، وهو التحذير الذي قللت دول حلف الناتو من شأنه، ولكن بعد أشهر عدة على تحذير بوتين، بدأت موسكو الحرب على جورجيا، وهو سيناريو تم تكراره على أوكرانيا في عام 2014.
ويتناقش المحللون حول ما كان يمكن أن يحدث، لو أن دول «الناتو» اتخذت طريقاً مختلفاً في بوخاريست لضم الدولتين إلى «الناتو»، ولكن في السنوات التي تلت ذلك تغيرت الحقائق الجيوسياسية، إذ إن احتمال ظهور «نظام دولي ما بعد العالم الغربي» قد ميز النقاش العالمي، كما أن اللاعبين الدوليين الذين يحملون قيماً مختلفة ازدادوا قوة. وفي مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي، تعزز الصراع بين نظامين للقيم، هما الديمقراطي والشمولي، في جميع مناطق العالم، وستكون نتائج هذا الصراع أساساً مكرّسة لصياغة الأمن الدولي.
احتمالات الهجوم
وتعمل روسيا الآن على تعزيز وجودها العسكري بالقرب من الحدود الأوكرانية، بوتيرة أجبرت أوكرانيا والمراقبين الدوليين على التفكير في إمكانية قيام روسيا بهجوم آخر. وألقت الدول الأساسية في العالم تصريحات قوية لدعم أوكرانيا، ودعت الكرملين لوقف عدوانه، ولكن التصريحات ليست كافية، إذ إن أوكرانيا بحاجة إلى تحرك حاسم من الدول التي التزمت بالمبادئ الديمقراطية وحكم القانون.
وقد تمثل الجهود المنسقة للأنظمة الديمقراطية الطريقة الوحيدة بالنسبة لها للسيطرة على سياسة العدوان. وبصفتي نائب رئيس الحكومة الأوكرانية للشؤون الأوروبية والتكامل الأورو-أطلسي، فإنني أرحّب بمبادرة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لعقد قمة للدول الديمقراطية، إضافة إلى التزامه بالمحافظة وتعزيز التعاون عبر الأطلسي. والآن حانت اللحظة التي تستطيع فيها الدول الديمقراطية تحديد مسار المستقبل، تماماً كما كان الحال في قمة بوخاريست في عام 2008.
ولتجنب أخطاء الماضي، يجب على حلف الناتو أن يغير قواعده الجيوسياسية، ويجب على حلف الناتو أن يرسم استراتيجيته إزاء روسيا، وليس إزاء أوكرانيا وجورجيا، وإنما معهما. وبصورة مماثلة، يجب على كييف العاصمة الأوكرانية أن تكون على الطاولة عندما يقوم حلف الناتو بتحديث رؤيته المتعلقة بالتعاون الأورو-أطلسي في العقد المقبل، ويجب أن يكون تسريع انضمام أوكرانيا إلى الحلف أحد العناصر الأساسية لهذه الاستراتيجية المتجددة، التي من شانها تسريع نصر النظام الديمقراطي الغربي في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي.
ولكن نهج حلف الناتو إزاء أوكرانيا، الذي يستند إلى تكامل أعمق مقابل مزيد من الإصلاحات غير كامل، لأنه يتجاهل قوة جاذبية الكرملين. وثمة تساؤل حاسم يتعلق بكيفية رؤية أعضاء حلف الناتو لجوارهم المستقبلي في الشرق، قبل موضوع التحالف. وتمتلك موسكو خطتها الجيوسياسية الرئيسة للمنطقة، وما هو أبعد من ذلك، وهي تقوم بتنفيذها بصورة منهجية منذ عام 1991.
لا شكوك
من جانبنا، فإن أوكرانيا لا تساورها الشكوك بشأن المستقبل. وفي عام 2008، تردد قادة «الناتو» حول الاتفاق على خطة عمل العضوية، لأن المواطنين الأوكرانيين كانوا من ناحية يمتلكون مشاعر متناقضة إزاء هذه الخطوة. وفي تلك الفترة، فإن التحامل الذي قام النظام السوفييتي بتغذيته، وعملت على تطويره روسيا، ظل موجوداً دائماً، ولكن العدوان الروسي في تلك السنوات أجبر الأوكرانيين على إعادة التفكير في مبادئ الأمن الجماعي. وفي هذه الأيام، يؤيد معظم الأوكرانيين التكامل مع حلف الناتو، وستعمل الحكومة على تنفيذ إرادة الشعب.
وإضافة إلى ذلك، ومنذ عام 2008، أصبحت أوكرانيا ديمقراطية لا رجعة عنها، ونفذت الإصلاحات في المجالات الاستراتيجية. وقامت الدولة ببناء مؤسسات مناهضة بقوة للفساد، وجعلت سوقها الخاصة بالطاقة متوافقة مع الاتحاد الأوروبي، وبدأت نظام مشتريات عاماً يتسم بالشفافية، ونفذت إصلاحات عسكرية، وشرطية، وطبية، وتعليمية، إضافة إلى مجالات أخرى. واعترف شركاء كييف بالتقدم الحاصل في أوكرانيا، بما فيهم دول حلف الناتو. وهذا التغير الديمقراطي هو الذي أثار غضب الكرملين إلى أقصى حد، ولا تخشى روسيا الحدود المشتركة مع دول «الناتو»، بل تخشى الحدود المشتركة مع الدول الديمقراطية، التي تعتبرها التهديد الحقيقي لنظامها الشمولي.
وربما يشعر الأوكرانيون بخيبة الأمل من تردد حلف الناتو، خصوصاً في وجه إصرارهم. وإضافة إلى كل ذلك، فإن التكامل الأورو- أطلسي ليس مكافأة على الإصلاحات الجيدة، وإنما هي الطريقة الوحيدة بالنسبة لأوكرانيا لتحقيق النجاح كدولة تستطيع حماية مواطنيها وأراضيها. وليس هناك أي وهم لدى أوكرانيا بأنه سيكون هناك من سيدافع عنها. وفي الوقت ذاته، فإن الطريق الواضح إلى عضوية «الناتو» ستصبح عاملاً أساسياً في تحول الوضع من المرحلة السوفييتية إلى وضع الدولة الديمقراطية الآمنة.
وعلى ضوء التحول المؤسساتي والسياسي في أوكرانيا لقد حان الوقت لقادة «الناتو» للبدء بالمشاورات من أجل رسم الطريق الذي يفضي إلى عضوية أوكرانيا في حلف الناتو كما تعهدوا عام 2008. ويكمن هدفنا المشترك في مواجهة أعدائنا في المنطقة، المتمثلين في النظام الشمولي والعدوان. وليس هناك طريقة أفضل للبدء من خلالها لتقديم الدعم لجهود أوكرانيا لتعزيز جناح «الناتو» الشرقي، من التحرك قدماً باتجاه خريطة طريق التي تؤدي إلى عضوية أوكرانيا.
ولقد تغير العالم بصورة كبيرة، وظهرت تهديدات جديدة منذ تأسيس حلف الناتو قبل 70عاماً مضت. ولكن الحدود الرئيسة التي يعمل الحلف على حمايتها، وهي الديمقراطية، فهي لم تتغير، وهي مشتركة بين دول الحلف وأوكرانيا. وكما أظهرت السنوات الـ13 الماضية، فإن الجيوسياسية لا تتحمل فراغاً في الأفكار والقرارات، وإذا لم نتقدم فإن أعداءنا سيتقدمون.
• اعترف شركاء كييف بالتقدم الحاصل في أوكرانيا، بما فيهم دول حلف الناتو، وهذا التغير الديمقراطي هو الذي أثار غضب الكرملين إلى أقصى حد. ولا تخشى روسيا الحدود المشتركة مع دول «الناتو»، بل تخشى الحدود المشتركة مع الدول الديمقراطية، التي تعتبرها التهديد الحقيقي لنظامها الشمولي.
• بعد التحول المؤسساتي والسياسي في أوكرانيا، لقد حان الوقت لقادة «الناتو» للبدء بالمشاورات من أجل رسم الطريق الذي يفضي إلى عضوية أوكرانيا في حلف الناتو كما تعهدوا عام 2008.
اولغا ستيفانشينا - نائب رئيس حكومة أوكرانيا للشؤون الأوروبية والتكامل الأوروـ أطلسي.