احتمال هزيمتهما وارد
روسيا والصين لن تغامرا بخوض حربين في أوكرانيا وتايوان
لقد قيل الكثير عن قدرة الصين على غزو تايوان، تقريباً مثل حشد روسيا بالقرب من أوكرانيا التي يعتقد الكثيرون أنها قد تكون ذريعة لحرب مستقبلية، ويكمن وراء هذا الخوف القديم من أن روسيا والصين ستتعاونان لتقويض الولايات المتحدة، من خلال شن هجمات متزامنة، وهذا أمر لا يمكن تصوره، وغير مرجح.
عملية برمائية
لنبدأ بالصين، إذ من الواضح أن غزو تايوان سيكون عملية برمائية، والمفاجأة مهمة بشكل خاص في هجوم برمائي، وفي نورماندي، على سبيل المثال، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا حملة تضليل ضخمة لإقناع الألمان بأنهم لن يهبطوا حيث فعلوا، وإذا تركزت الدفاعات على نقطة الإنزال، فقد يكون الهجوم مذبحة. وحتى لو كان لدى الصين قوة متفوقة، فإن مضاعفة القوة على الأرض والإعداد الصحيح، يمكن أن يدمرا قواتها.
وهناك أيضاً مشكلة المسافة، إذ يفصل نحو 160 كيلومتراً من المياه بين الصين وتايوان، وبافتراض وجود خط هجوم مباشر، ستكون القوة المهاجمة في البحر لمدة خمس ساعات تقريباً، وبصرف النظر عن تنبيه المدافعين إلى المواقع المخطط لها، ستخضع القوة لهجمات جوية وصاروخية وهجمات غواصات أكثر خطورة، واحتمال وصول الصينيين إلى المناطق المستهدفة من دون تحمل خسائر فادحة، منخفض، وحتى لو تم إبطال الاستطلاع الفضائي الأميركي تماماً، وهذا صعب، يمكن للغواصات توفير معلومات الاستهداف للصواريخ الأميركية الموزعة على مستوى العالم. وإذا نجحت القوات الصينية في الوصول إلى بر تايوان، واضطرت القوات التايوانية إلى التنازل عن الأرض، فإن الإمدادات والتعزيزات ستشكّل مشكلة هائلة للصينيين، وفي هذه المرحلة ستكون نقطة الإنزال معروفة على الخريطة، فضلاً عن الطرق اللازمة لإعادة إمداد المشاة الصينيين.
إشارات تحذير
لن تكون إعادة الإمداد والتعزيز بالطائرات كافيين، لذا حتى لو تمكن الصينيون من الوصول إلى شاطئ الجزيرة، فإن مشكلة إعادة الإمداد ستعيق العمليات الصينية، كما أن هناك أيضاً مشكلة سياسية، إذ قد يؤدي الغزو الصيني لتايوان إلى إطلاق إشارات تحذير بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وقد يكون بعضها خطيراً، مثل اليابان. وبالطبع قد يجبر انتصار الصين المذهل ومنخفض الكلفة على إعادة النظر في تحالفاتها، لكن الصراع الطويل أو الهزيمة الكاملة، سيقنعان حلفاء الولايات المتحدة بالنايات الصينية، وسيستعدون وفقاً لذلك.
ويجب على الصين أن تنتصر بسرعة، إذا أرادت استخدام الهجوم كأداة لتخويف المنطقة، وهذه هي المشكلة النهائية للصين، إذ من المحتمل أن تخسر، فالانتصار يحوّل الصين إلى قوة عظمى حقيقية وليست نظرية، والهزيمة ستحطم هذا الحلم، بالإضافة إلى ذلك قد تختار الولايات المتحدة مواجهة الغزو بإجراءات متزامنة في خنق للصين، في مضيق «ملقا»، أو في الموانئ الصينية، ولا يمكن للصينيين السيطرة على ردّ الولايات المتحدة، التي ستسعى إلى شل التجارة البحرية للصين، إلى جانب الإجراءات الاقتصادية العقابية من جانب أوروبا، ومن المحتمل أن يتسبب ذلك في شلل الصين.
لم تشن الصين معارك بحرية منذ عام 1895، وقد تؤدي عملية برمائية ضد البحرية الأميركية إلى الهزيمة أو النصر، والصين تدرك ذلك ولهذا فقدت عنصر المفاجأة، والصينيون لا ينوون غزو تايوان، وقد خلقوا شعوراً بالحرب الوشيكة، ومع ذلك يحاولون التقليل من أهمية الحرب.. وهو ما يقودنا إلى روسيا.
العمق الاستراتيجي
تحاول روسيا إعادة إنشاء العمق الاستراتيجي، الذي كانت تمتلكه لقرون وخسرته عندما انهار الاتحاد السوفييتي، وحتى الآن وصلت إلى موقع مهيمن في بيلاروسيا، وتمكنت من الخروج من الحرب في ناغورني قرة باغ بموقف سياسي سليم، بالإضافة إلى نشر قوات حفظ السلام هناك، وهذا يعني، على التوالي، أنها عززت موقفها على المسار الغربي في شمال أوروبا، وأن نقطة الدخول إلى القوقاز قد تم تعزيزها بحركات سياسية ناعمة.
ومن بين كل المناطق المهمة، التي خسرتها روسيا في 1990-1991، ليس هناك ما هو أكثر أهمية لموسكو من أوكرانيا، وأطلق الروس مناورات ناعمة تهدف إلى تغيير مواقف الحكومة الأوكرانية، لكنهم فشلوا باستمرار، لأسباب عابرة، ولأن أوكرانيا لديها ذاكرة عن الوحشية السوفييتية، وعلاوة على ذلك تلقت كييف دعماً من الغرب، وهذا الدعم حَذِر لأقصى الحدود حتى لا يثير مخاوف روسية من هجوم، لكنه موجود واقعاً محتملاً، وتجب قراءة حشد القوات الروسية على طول حدود أوكرانيا بهذا المعنى.
هل يستعد الروس لعملية عسكرية لاستعادة أوكرانيا؟
المشكلة في مثل هذه العملية هي الحجم الهائل لأوكرانيا، وبافتراض عدم وجود مقاومة على الإطلاق، وهو أمر غير محتمل، فإن الأمر سيستغرق أسابيع حتى تحتل روسيا أوكرانيا بالكامل، وخلال تلك الأسابيع سيكون عليها افتراض أن الأسلحة والإمدادات الغربية، وربما القوات، ستتدفق. وحملة موسعة من قبل روسيا من شأنها أن تكون مكلفة، وستترك المصالح الروسية الأخرى في خطر. وقد يتزعزع موقف موسكو في بيلاروسيا، وكذلك في القوقاز. ومن المرجح أن يؤدي ظهور روسيا على حدود مجموعة من أعضاء حلف «الناتو»، من دول البلطيق إلى سلوفاكيا والمجر، ورومانيا وبلغاريا، إلى تنشيط الحلف، ما يحول معظم أوروبا من حالة الرضا الاستراتيجي إلى الذعر.
ليس هناك شك في أن أوكرانيا حاسمة بالنسبة لروسيا، وقد يكون إعادة تنشيط «الناتو» ثمناً زهيداً لذلك، لكن روسيا تواجه المشكلة نفسها مثل الصين: يمكن أن تخسر، وتمتلك روسيا جيشاً كبيراً، لكن كما هي الحال مع السوفييت، فإن أجزاء منه فقط فعالة، وأيضاً فإن قدرة روسيا على دعم قوة مدرعة ضخمة من الناحية اللوجستية غير مؤكدة، وقد لا يؤدي الاستيلاء السريع على المنطقة الواقعة جنوب بريبيت مارشز إلى إجهاد القوات الروسية، لكن إذا قامت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بتسليح القوات الأوكرانية بأسلحة مضادة للدبابات والطائرات، ودعمها لوجستياً، فقد يصبح النصر السريع معركة طويلة تستنزف روسيا.
مستنقع أوكرانيا
سيثبت هذا بشكل خاص إذا استخدمت الطائرات الأميركية في المعركة، وهي مجهزة للحرب المضادة للدروع، في حين قد ترى تركيا فجوة، ويمكن أن تختبر القوات الروسية في القوقاز، ويمكن لبولندا التحرك في بيلاروسيا.
لا شيء من هذا مؤكد، لكن يجب على المخططين الروس أن يأخذوا هذه الاحتمالات على محمل الجد، ونادراً ما يربح المتفائلون الحروب، وقد تعلمت روسيا ألا تكون متفائلة، ويمكن أن تجد نفسها غارقة بمستنقع في أوكرانيا، في مواجهة أسلحة متطورة وهجمات على أطرافها، وبعبارة أخرى يمكن أن تخسر، علاوة على ذلك فإن بدء الحرب في أوكرانيا يعني التضحية بالفرص الاقتصادية في أوروبا.
لقد استخدمت روسيا التدريبات العسكرية كغطاء للحرب من قبل، وبالتحديد مع جورجيا، لكن جورجيا دولة صغيرة، في حين أن أوكرانيا بلد كبير بشكل مذهل، وأظن أن قواتها ستتلقى تدريبات على الأسلحة الأميركية، التي لم يتم توزيعها بدافع القلق من المخاوف الروسية، لكن يمكن توزيعها بسرعة في حالة الحرب.
أمانية التنسيق
هناك إذاً إمكانية التنسيق بين روسيا والصين، وهذا معقول، وفي الممارسة العملية سيكون لذلك تأثير ضئيل، وبينما ستكون الحرب مع الصين بحرية، يبدو أن المواجهة مع روسيا ستكون برية، وإذا نشبت كلتا الحربان على نطاق واسع، وهو أمر مشكوك فيه، فسيكون هناك تنافس على الإمدادات، ولا يمكن لروسيا أو الصين دعم الطرف الآخر في الحرب، إذ لا تستطيع روسيا تقديم دعم بحري مهم، ولا يمكن للصين أن تحافظ على قوات برية مهمة على مسافة بعيدة.
إن تحالفاً لشنّ حرب معاً سيثير الذعر بالطبع في الولايات المتحدة، لكن الأخيرة كانت جيدة في استخدام الذعر لتعبئة الجمهور، لذا من وجهة نظري فإن احتمال نشوب حرب كبيرة أو حرب منسقة، منخفض. كما أن الصين وروسيا ليستا يائستين لدرجة المخاطرة بالهزيمة أو بحرب طويلة تستنزف قواهما، وكل منهما يتصرف كأنه غير جاد في الحرب، وبدلاً من ذلك تقومان بالإعلان عن التهديد، وبالطبع كل الأشياء ممكنة لكن الحرب تبدو بعيدة.
• لم تشن الصين معارك بحرية منذ عام 1895، وقد تؤدي عملية برمائية ضد البحرية الأميركية إلى الهزيمة أو النصر، والصين تدرك ذلك، ولهذا فقدت عنصر المفاجأة. والصينيون لا ينوون غزو تايوان، وقد خلقوا شعوراً بالحرب الوشيكة، ومع ذلك يحاولون، بدلاً من ذلك، التقليل من أهمية الحرب، وهو ما يقودنا إلى روسيا.
جورج فريدمان - خبير الشؤون الدولية ومؤسس ورئيس شركة «جيوبولتكل فيوتشرز»
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news