أزمة «كورونا» تدفع بولسونارو إلى محاولة كسب دعم الجيش
ضمن محاولاته للنجاة من عاصفة سياسية ناجمة عن واحدة من أسوأ موجات جائحة كورونا في العالم، قرر الرئيس البرازيلي غايير بولسونارو الاعتماد على حليفه التقليدي، وهو الجيش، الذي ساعد على تأمين انتخابه قبل ثلاث سنوات. ولكن بعد سلسلة التغييرات في الحكومة، والتي أدت إلى استقالات عدة لقادة القوات البرية البرازيلية، والقوة البحرية، وكذلك الجوية، انخفضت شعبية بولسونارو إلى مستوى تاريخي، الأمر الذي عرض مصيره السياسي للخطر.
إثارة المخاوف
وأثارت خطوة بولسونارو الأخيرة لتجميع السلطة بيده، قبل نحو عام على الانتخابات الرئاسية المقبلة، المخاوف حول نيته زيادة إحكام سيطرته على الأجهزة الأمنية في البرازيل، التي اعتمد عليها كثيراً للوصول إلى سدة الحكم. وقال السفير الأميركي السابق للبرازيل توماس شانون الذي عمل مسؤولاً كبيراً في وزارة خارجية بلاده حتى عام 2018: «أعتقد أن بولسونارو يرى أن ما حدث للرئيس السابق دونالد ترامب باعتباره أمراً يمكن أن يحدث له»، وأضاف «أعتقد أن ما يحاول الرئيس بولسونارو القيام به، هو أن يضمن مع اقتراب موعد انتخابه، أن يكون الأشخاص في مواقع المسؤولية، خصوصاً القوات المسلحة، موالين له».
ويشكك الخبراء في أن بولسونارو سيكون قادراً على إدارة القوات الأمنية للامتثال لأمره. ولكن محاولته ضمان الولاء له ضمن القوات المسلحة، تأتي في الوقت الذي يواصل فيه خسارة مناصريه بينما يقترب من موعد انتخابات 2022، حيث من المرجح أن يواجه الرئيس اليساري السابق صاحب الشعبية الكبيرة، لويس لولا دا سيلفا. ويخشى الخبراء أن تزيد هذه المواجهة المرتقبة، من الأزمة في المواجهات المرتقبة بين المدنيين والعسكريين.
«جيشي»
وقام بولسونارو، الذي كان برتبة نقيب سابق في الجيش البرازيلي، والذي طالما أشار إلى الجيش بأنه «جيشي» بضم عدد من العسكريين في حكومته، أكثر من أي إدارة أخرى برازيلية منذ أن استعادت البرازيل النظام الديمقراطي قبل نحو ثلاثة عقود، بعد 21 عاماً من الحكم الدكتاتوري. وعلى الرغم من أن المسؤولين الأميركيين السابقين يرون استمرارية في العلاقة بين البلدين، إلا أن البعض في البرازيل يشعرون بالقلق من أن واشنطن لم تنتقد قيام بولسونارو بتسليم موالين سياسيين مناصب عليا في حكومته، بما فيها القوات المسلحة.
وقالت البروفيسور ماريانا خليل أستاذة العلوم الجيوسياسية في الكلية الحربية البرازيلية: «بالطبع البنتاغون لديه أمور أكثر أهمية يريد القيام بها»، وذلك في إشارة إلى الصراعات السياسية في ميانمار، وهونغ كونغ. ولكنها أضافت أن إدارة بايدن تهتم أكثر بأن تكون السياسة الخارجية في البرازيل منسجمة مع واشنطن أكثر من اهتمامها بعمليات التطهير السياسية التي يقوم بها بولسونارو.
ولكن حتى لو لم تقدم القوات المسلحة المساعدة لإنقاذ بولسونارو، فإن قرار الرئيس بدفعها عميقاً نحو السياسة يمكن أن يكون إشارة الى حدوث تراجع عن التقدم الديمقراطي الذي حققته البرازيل خلال 40 عاماً، منذ سقوط الدكتاتورية عام 1985. وقالت خليل: «يواجه بولسونارو صعوبات لفهم ما هو المقصود من مصطلح القائد العام. وهو يعتقد أن القوات المسلحة ستكون جاهزة كجزء من أجندته السياسية» ولكن استقالات قادة القوات المسلحة البرازيليين، تظهر أن هؤلاء لايزالون قادرين على الرفض عندما يتعلق الأمر بالضغوط السياسية، وفق ما ذكره مسؤولون برازيليون كبار لمجلة فورين بوليسي.
وقال سيلسو أموريم الذي عمل وزيراً للشؤون الخارجية، وكذلك الدفاع عند العديد من الرؤساء البرازيليين، بمن فيهم لولا داسيلفا: «لا أعتقد أن القوات المسلحة ستصبح (الحرس الفخري) للرئيس بولسونارو»، وإضافة إلى ذلك قال خبراء إن شعبية بولسونارو وسط النظام المالي ورجال الأعمال، والوسط القضائي والصحافي، تنخفض بصورة مستمرة.
تأثير التغيير
ويعتقد البعض في البرازيل إنه مع تشتت سلطة بولسونارو فإن تدخل الجيش لدعمه غير متوقع. وقالت خليل: «حتى لو كان بإمكانه القيام بانقلاب بواسطة القوات المسلحة إلا أن ذلك غير دائم».
وكان للتغيير الذي أجراه بولسونارو تأثير مهم، فبدلاً من جذب القوات المسلحة قريباً من الرئيس، أدى التغيير الوزاري الناجم عن استقالة قادة الجيش في البرازيل، إلى غضب كبار الرتب العسكرية في الجيش. وكان وزير الدفاع المستقيل، وكذلك قادة الجيش البرازيلي قد رفضوا طلب الرئيس بولسونارو منحه مزيداً من الدعم السياسي، مرسلين رسالة واضحة له مفادها أن القوات المسلحة لن «تدخل في مغامرات غير ديمقراطية»، وكانت خطوة الرئيس قد أثارت السخط بين العديد من أفراد الجيش البرازيلي.
وقالت الباحثة في معهد البرازيل، آنيا بروسا: «بدأ الآن الجيش يدرك أنه توجد مخاطر حقيقية تتعلق بسمعته بسبب علاقاته القوية مع الحكومة، التي فشلت في التعامل مع جائحة كورونا»، ونتيجة لهذا الواقع أصبح وزير الصحة السابق في حكومة بولسونارو الجنرال ادواردو بازيللو، هدفاً لتحقيقات الكونغرس البرازيلي خلال تحقيقه في سوء إدارة الحكومة الفدرالية لجائحة كورونا. وقال نائب الرئيس البرازيلي، هاميلتون موراو، أخيراً، إنه شجع وزير الصحة السابق على الاستقالة من الجيش، نتيجة سوء تعامل الوزارة مع جائحة كورونا.
وعلى الرغم من أنه من غير المرجح أن توافق الرتب العليا في الجيش على الانخراط في أي انقلاب عسكري، إلا أن بولسونارو لايزال يمتلك احتراماً كبيراً بين الرتب والملفات العسكرية. ولكن مع اقتراب الانتخابات المتنازع عليها، والاستقطاب السياسي المتزايد في البرازيل تشعر الباحثة خليل بالقلق من حدوث سيناريو مشابه لما فعله ترامب، اذا خسر بولسونارو إعادة انتخابه، خصوصاً اذا رفض أصحاب الرتب المنخفضة من الشرطة والقوات المسلحة، قبول نتائج الانتخابات. ومن جانب آخر سيتعين على الولايات المتحدة أن تجد طريقة للتعامل مع البرازيل حليفتها المستقطبة سياسياً بشدة في أميركا الجنوبية، وبقليل من الخيارات الجيدة.
وقال شانون: «خصوصاً إذا كان لولا دا سيلفا مرشحاً، فإن ذلك سيؤدي إلى تعميق الاستقطاب في المجتمع البرازيلي. وتعمل البرازيل حالياً على تقليد الولايات المتحدة، إذ إن سياساتنا متشابهة للغاية. فهذه الدولة التي طالما كانت تحكم من أحزاب الوسط، سيجري حكمها الآن من قبل المتطرفين. وفي ظل هذه الظروف من الأفضل للولايات المتحدة أن تظل بعيدة عن الطريق»
• إدارة بايدن تهتم أكثر بأن تكون السياسة الخارجية في البرازيل منسجمة مع واشنطن، أكثر من اهتمامها بعمليات التطهير السياسية التي يقوم بها بولسونارو.
• حتى لو لم تقدّم القوات المسلحة المساعدة لإنقاذ بولسونارو، فإن قرار الرئيس بدفعها عميقاً نحو السياسة يمكن أن يكون إشارة إلى حدوث تراجع عن التقدم الديمقراطي الذي حققته البرازيل خلال 40 عاماً، منذ سقوط الدكتاتورية عام 1985.
جاك ديتش - مراسل «فورين بوليسي» في البنتاغون.
أوغستا سارايفا - متدربة سابقة في مجلة فورين بوليسي.