بايـدن الرئيـس قـادر على التعـامل «بجـرأته المعــهـودة» مع الزعيم الروسي
كنت أحد أعضاء المعارضة الروسية الذين التقوا بنائب الرئيس الأميركي آنذاك، جو بايدن، في مقر إقامة السفير الأميركي بموسكو في 10 مارس 2011. كان بايدن قد خرج للتو من اجتماعه مع رئيس الوزراء الروسي آنذاك أيضاً فلاديمير بوتين، والذي كان يستعد للعودة إلى كرسي الرئاسة بعد إزاحته لدميته، الرئيس في ذلك الوقت أيضاً دميتري ميدفيديف.
قال بايدن: «لقد طلبت من بوتين ألا يرشح نفسه مرة أخرى للرئاسة، لأن ذلك سيبدو سيئاً لروسيا وله». وأثارت صراحة نائب الرئيس السافرة انزعاج زملائه الأميركيين الذين كانوا كما يبدو غير سعداء بممارسات رئيس الوزراء الروسي في بداية المحادثة، لكنني كسرت هذا الصمت في ما بعد، وأشرت إلى أن بوتين ينظر الى الرئيس باراك أوباما ونائبه مثل متسولين يخضعان للكونغرس مقابل كل فلس يتصرفان فيه من خزينة البلاد، بينما يستطيع هو - أي بوتين - أن يتصرف في أموال لا حصر لها متى شاء ذلك. وقلت إن بوتين لا يهتم بروسيا أو كيف تسير فيها الأمور.
التعلم من الدروس المؤلمة
وعندما تم انتخاب بايدن رئيساً لأميركا كنت آمل أن يتعلم من الدروس المؤلمة الأخيرة، ويضع سياسة تجاه موسكو أكثر قوة مما فعل أسلافه الضعفاء. وحتى الآن ظلت نصائحي مفيدة في هذا الخصوص مثلها مثل نصيحة بايدن لبوتين في عام 2011. لقد أدنت فكرة عقد قمة بين زعيم العالم الحر وديكتاتور دولة مافوية إرهابية، وهي القمة المقرر عقدها في 16 يونيو في جنيف.
نحن نعلم ما يستفيد منه بوتين من مثل هذه القمم، فمن دون انتخابات حقيقية يستطيع هذا الديكتاتور إحكام قبضته على السلطة العسكرية والأمنية، الداخلية والاقتصادية. وسترسل قمة بوتين مع الرئيس الأميركي رسالة مفادها أنه بغض النظر عن مدى سوء الأمور في روسيا، وبغض النظر عن حجم العقوبات التي يفرضها الغرب عليها، فإن بوتين لايزال هو الرئيس.
تأكدت تلك الرسالة أيضاً عندما ألغت إدارة بايدن العقوبات المفروضة على صفقة خط أنابيب «نورد ستريم 2» بين روسيا وألمانيا، وكان هذا الإلغاء بمثابة تأييد ضمني لبوتين، ويعتبر بالنسبة له استثماراً سياسياً جيداً على الرغم من الغضب العالمي جراء سجنه لزعيم المعارضة أليكسي نافالني، والاغتيالات الروسية في ألمانيا والمملكة المتحدة، والتدخل في الانتخابات والقرصنة في كل مكان آخر تقريباً.
ما لا نعرفه هو ما ستخرج به الولايات المتحدة من القمة. لقد أثبت التاريخ مراراً وتكراراً أن استرضاء الدكتاتور يقنعه بأنه أقوى ممن يعارضونه، ما يثير المزيد من العدوان.
تصاعد العدوان
وتصاعد عدوان بوتين بالفعل، حيث تم الكشف عن هجوم قرصنة جديد على وكالة أميركية يوم الجمعة، إضافة إلى احتضانه ورعايته للديكتاتور البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، وغض طرفه عن اختطاف لوكاشينكو طائرة تابعة لشركة «رايان إير» واعتقال الصحافي المعارض رومان بروتاسيفيتش. وبهذه الممارسات يكون لوكاشينكو قد وضع مصداقية العالم الحر على المحك من خلال إثباته أن قواعد وأنظمة هذا العالم هشة، وغير مستعدة للتعامل مع أولئك الذين يتحدون قواعدها.
وكون لوكاشينكو في السلطة منذ 1994، وهي فترة أطول حتى من فترة بوتين نفسها التي تصل إلى 21 عاماً، كان - لوكاشينكو - سعيداً عام 2015 بأنه «لم يكن آخر ديكتاتور في أوروبا بعد الآن»، وهو التاريخ الذي ضم فيه بوتين شبه جزيرة القرم، وغزا أوكرانيا الشرقية. وعلى هذا الأساس تجاهل العالم النظام الوحشي في بيلاروسيا إلى أن اندلعت الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات في أغسطس الماضي، وتعاملت معها الحكومة بعنف مروع.
قرصنة لوكاشينكو ضد رحلة داخلية للاتحاد الأوروبي أطلق عليها البعض تصعيداً، لكن هل هي فعلاً كذلك؟ فماذا نقول عن إسقاط قوات بوتين في أوكرانيا رحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم 17 بصاروخ في عام 2014، ما أسفر عن مقتل جميع من كانوا على متنها وعددهم 298 شخصاً، فما الثمن الذي دفعه بوتين؟
دعني أركز هنا على بوتين وبايدن لأن لوكاشينكو هو دمية في يد بوتين، ومثله مثل بعض من يدورون في فلك روسيا، لن ينخرط في مثل هذه المواجهة الوقحة مع أوروبا من دون موافقة بوتين ودعمه له.
ولولا دعم بوتين للوكاشينكو العام الماضي لكانت المرشحة سفيتلانا تيخانوفسكايا قد وصلت إلى السلطة في البلاد، لكنها بدلاً من ذلك أصبحت في المنفى في ليتوانيا، حيث كان رومان بروتاسيفيتش متجهاً قبل اختطاف رحلته.
وكما هي الحال مع ضم شبه جزيرة القرم ودعمها، فقد أصبحت هجمات بوتين موجهة ضد النظام الدولي، وضد الوكالات والتحالفات التي تحافظ على هذا النظام.
أوروبا الضعيفة
لقد أثبتت أوروبا أنها لا حول لها ولا قوة في الدفاع عن نفسها وقيمها في ظل غياب القيادة الأميركية، ونجحت خطة بوتين التي اعتمدت على مبدأ «فرق تسد» بشكل جيد في أوروبا، حيث تتفوق المصالح الوطنية الروسية دائماً على مؤسسة الاتحاد الأوروبي التي لا أسنان لها.
لا تحتاج الولايات المتحدة أي شيء من روسيا سوى أن يوقف بوتين حملاته العالمية من غزو واغتيال وقرصنة، ويلجم تدخله في الانتخابات. ونظراً لأنه لن يتوقف حتى يتم إجباره على ذلك، فعلى الإدارة الأميركية ان توفر الوقت والجهد وتسأله ما تريد أن تسأله على تطبيق زوم بدلاً من عقد قمة معه.
أخشى أن يطبق بوتين مبدأ «فرق تسد» أيضاً على إدارة بايدن، بحيث تفضل المتسامحين معها.
قد يحتاج الغرب لضبط أعصابه لاتخاذ إجراءات صارمة ضد لوكاشينكو بشأن اختطاف طائرة رايان إير. لن أشعر بالأمان أثناء الطيران فوق المجال الجوي الروسي حتى لو تمت معاقبة بيلاروسيا بشدة.
وحتى إطلاق سراح بروتاسيفيتش لا ينبغي أن يشعر أي معارض بالأمان في أي مكان.
في اليوم التالي لعملية الاختطاف التقى مستشار بايدن للأمن القومي جيك سوليفان مع نظيره الروسي نيكولاي باتروشيف، لتمهيد الطريق للقمة، وتحدثا عن «التطبيع» من أجل التهدئة، ولكننا نعلم أن تطبيع العلاقات مع الديكتاتورية لا يؤدي إلا إلى تطبيع الديكتاتورية نفسها. نعم، قد يسارع أنصار بايدن بقولهم: حتى رونالد ريغان التقى بالسوفييت، لكنه فعل ذلك من أجل مطالب أمنية وطنية وعالمية ملموسة، ومن موقع قوة. وحتى الآن لا توجد أجندة من هذا القبيل لاجتماع بايدن وبوتين.
قبل 10 سنوات في موسكو كان لدى بايدن الجرأة للتحدث بقوة مع بوتين، لكنه كان يفتقر في ذلك الوقت إلى السلطة. الآن هو يتولى السلطة الكاملة للرئاسة فعليه أن يثبت أنه لم يفقد أعصابه، لكنني أعتقد أنه مع بدء الإعداد لقمة أخرى بين الرئيسين الأميركي والروسي، لا يوجد ما يشير إلى أي تحسن في ما خلفه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من سياسة ضعيفة حيال روسيا.
• سترسل قمة بوتين مع الرئيس الأميركي رسالة مفادها أنه بغض النظر عن مدى سوء الأمور في روسيا، وبغض النظر عن حجم العقوبات التي يفرضها الغرب عليها، فإن بوتين لايزال هو الرئيس.
غاري كاسباروف - رئيس مبادرة تجديد الديمقراطية ومؤسسة حقوق الإنسان.