بريس جونسون.. الزعيم الغارق في الفساد واللامبالاة
بعد يوم من اجتماع خاص مع الرئيس الأميركي، جو بايدن، استقبل رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، الزعماء المشاركين في قمة مجموعة السبع في كورنوال على الساحل الجنوبي الغربي لإنجلترا، لمناقشة تغير المناخ، والتعافي من الوباء العالمي، وتراجع الديمقراطية الليبرالية حول العالم.
نعم، لقد لعب دور المضيف، ومع ذلك هناك أمور كثيرة تقلق سلامه وراحة باله، فخلال الأشهر القليلة الماضية، وجد نفسه تحت ضغط هائل جراء سلسلة من الفضائح والادعاءات، حيث تعرض لاتهامات بالفساد، وظهرت تقارير عن منافسات ومشاحنات مريرة داخل أقرب فريق له، والأهم من ذلك، الاعتراف الذي فجره كبير مستشاريه السابق، دومينيك كامينغز، الذي يلقى بمسؤولية سوء التعامل مع وباء «كوفيد-19» في بريطانيا - حيث مات أكثر من 125 ألف شخص - مباشرة على جونسون، وكل هذه القصص والفضائح تصوّر جونسون زعيماً متهوراً، فاسداً، وغير كفوء.
تقدم مريح
لكن لا يبدو أن الأمر مهم بالنسبة للمحافظين، على الرغم من هذا الجدل، فهم لايزالون متقدمين بشكل مريح في استطلاعات الرأي، بل وتمكنوا من هزيمة حزب العمال المعارض في الانتخابات الفرعية الأخيرة، مكتسحين الدائرة الانتخابية الشمالية الشرقية لهارتلبول للمرة الأولى، ويمكن لجونسون رغم كل الغضب والقسوة، أن يحيّي زملاءه القادة العالميين، الذين استضافهم في قمة السبع بروح الانتصار. ومع ارتفاع معدلات شعبية الحزب الذي يضم 80 مقعداً، فإن نفوذه السياسي أصبح مضموناً.
الأمر البالغ الخطورة هو عدم أهلية جونسون للمنصب، كما يدعي كامينغز بإصرار من خلال شهادته، فخلال حديثه إلى البرلمان لأكثر من سبع ساعات في 26 مايو، أشار كامينغز - الذي كان العقل المدبر لفوز جونسون بالانتخابات في ديسمبر 2019، لكن تمت إقالته من منصبه مستشاراً رئيساً بعد عام - إلى سوء تعامل الحكومة الكارثي مع الوباء، وأكد أن رئيس الوزراء «غير لائق للوظيفة».
فشل جونسون المبدئي في التعامل بجدية مع الفيروس كان موثقاً بدقة من قبل، لكن بعض التفاصيل أثارت الدهشة والاهتمام، وفقاً لكامينغز، فقد ادعى جونسون في البداية أن فيروس كورونا «يقتل فقط من يبلغون من العمر 80 عاماً»، وأراد أن يتم حقنه بالفيروس التاجي على الهواء مباشرة على التلفزيون لإظهار أنه لا يوجد ما يدعو إلى القلق، (وكما حدث، فقد أصيب جونسون بالفيروس نفسه، في أواخر مارس، وأمضى أسبوعاً في المستشفى).
وتجيء هذه الادعاءات على خلفية تقارير تكشف المعاملات المراوغة للمحافظين أثناء الوباء: عقود لمكافحة «كوفيد-19» بقيمة مليارات الجنيهات، تذهب إلى أصدقاء المشرّعين المحافظين الذين ليست لديهم خبرة في القطاع الصحي، وأباطرة الأعمال الذين لديهم علاقات مباشرة مع رئيس الوزراء، لدفع مصالحهم إلى الأمام، وقصة تجديد منزل رئيس الوزراء في داونينغ ستريت، الذي تضمن تبرعاً سرياً ضخماً من أحد مؤيدي حزب المحافظين، وتغلغل الحديث عن الفساد و«الكوموقراطية» في بريطانيا، حتى داخل الصفحات الموالية عادة للصحافة اليمينية.
لكن جونسون لايزال غارقاً في الفضيحة، فخلال شهادته، ذكر كامينغز أنه اشتكى إلى جونسون من أن التعامل مع الوباء كان يتسم بالفوضى، وردّ عليه جونسون: «الفوضى ليست سيئة»، ويضيف جونسون وفقاً لكامينغز: «الفوضى تعني أن على الجميع أن يبحثوا عن المسؤول».
فوضى مدمرة
قد تناسب الفوضى جونسون، لكنها كانت مدمرة بالنسبة لبريطانيا، الدليل النهائي على إخفاقات رئيس الوزراء أثناء الوباء لا تكمن في شهادة كامينغز، لكن في الأرقام الملموسة، قاد جونسون بريطانيا إلى واحدة من أعلى معدلات وفيات «كوفيد» في العالم، وأشرف على إحدى أسوأ فترات الانكماش الاقتصادي في مجموعة السبع، وفرض ثالث أكبر إغلاق على مستوى العالم. نجاح برنامج التطعيم في البلاد (وفرت بريطانيا جرعات أكثر من أي دولة أخرى في أوروبا)، سمح لجونسون بإعادة تأطير هذه المأساة على أنها انتصار، لكن بالنسبة لعشرات الآلاف من العائلات المكلومة، فإن ذلك لا يمثل سوى القليل من العزاء.
ومع ذلك، على الرغم من كل الخصائص الغريبة التي تحدد شخصية جونسون، التي هي مزيج مذهل من الخداع والشجاعة والاستنكار الذاتي، فإن التنافر الصارخ الذي يميز حكومته، الناجحة انتخابياً والمدمرة اجتماعياً، لا يتعلق برئيس الوزراء الحالي.
ومن نواحٍ كثيرة، فإن ذلك يتعلق بحزب المحافظين الحديث. كان الوعد التأسيسي للحزب، المنصوص عليه في بيان تامورث الذي قدمه زعيم المحافظين، روبرت بيل، عام 1834، هو الحيلولة دون أن تصبح بريطانيا «في دوامة مستمرة من الشغب والإثارة»، ومنذ أن استعاد المحافظون السلطة عام 2010، أصبحت بريطانيا كذلك، من خلال استفتاءين وثلاثة رؤساء وزراء وأربعة انتخابات عامة.
ازدهار المحافظين
ازدهر المحافظون في ظل هذه الظروف، حيث فازوا في كل انتخابات عامة، منذ عام 2010، بحصة أكبر من الأصوات مقارنة بما كان يحدث في السابق، لكن غنائم النصر لم يتم تقاسمها على نطاق واسع، لم ترتفع الأجور مقابل التضخم لأطول فترة منذ عهد نابليون، ويعيش ثلث الأطفال الآن في فقر، وخدمات الدولة الآن واحدة من أضعف الخدمات في العالم المتقدم.
في كورنوال، حيث استضاف جونسون قادة مجموعة السبع في فندق صغير على شاطئ البحر، يبدو البؤس الاجتماعي والاقتصادي لبريطانيا واضحاً للجميع. في عام 2008 كانت كورنوال واحدة من ثلاث مناطق في المملكة المتحدة تعاني من بين أسوأ مستويات الحرمان في أوروبا، الآن هي واحد من سبع، وقد تضاعف عدد الأحياء في كورنوال، التي تعد من بين أكثر الأحياء حرماناً في إنجلترا، لأكثر من الضعف منذ عام 2010، وفي جميع أنحاء البلاد تزامن حكم حزب المحافظين مع ظروف معيشية قاسية.
ومع ذلك، فإن المحافظين يختالون، دون قلق، وربما حتى متحمسين، بسبب الفوضى والحرمان من حولهم، فقد تمخض التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عام 2016، بقيادة جونسون بشكل انتهازي، عن إعادة تشكيل الخريطة الانتخابية وتجديد شباب حزب المحافظين، وسمح تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي للحزب بإعادة تشكيل نفسه كقوة لمناهضة لمؤسسة، مع الاحتفاظ بمؤيديه الأثرياء، والاستفادة من أحلام ومخاوف القومية الإنجليزية بشكل أكثر إقناعاً.
وعلى الرغم من كل الفوضى التي سبّبها المحافظون، فإن الحزب في وضع أقوى من أي وقت مضى، والسيد جونسون - الرجل الذي يبدو أنه فشل في كل شيء- صار يتنقل من نجاح إلى آخر، وينظر إليه زملاؤه القادة الذين لا يمتلك الكثير منهم أماناً مماثلاً، بعين الحسد.
سامويل إيرل ■ كاتب عمود متخصص في الشؤون البريطانية
• قاد جونسون بريطانيا إلى واحدة من أعلى معدلات وفيات «كوفيد» في العالم، وأشرف على إحدى أسوأ فترات الانكماش الاقتصادي في مجموعة السبع، وفرض ثالث أكبر إغلاق على مستوى العالم.
• على الرغم من كل الخصائص الغريبة التي تحدد شخصية جونسون، والتي هي مزيج مذهل من الخداع والشجاعة والاستنكار الذاتي، فإن التنافر الصارخ الذي يميز حكومته، الناجحة انتخابياً والمدمرة اجتماعياً، لا يتعلق برئيس الوزراء الحالي.