بسبب تاريخه «غير الناصع»
الرئيس الإيراني المنتخب سيؤثر سلباً على علاقات بلاده مع دول العالم
استقرت في إيران الرتوش الأخيرة للخطة الموضوعة الهادفة إلى الاستيلاء على الحكم، مع عواقب سيئة على المدى البعيد، يمكن أن تواجهها الدولة وعلاقتها مع بقية العالم، وظهر رئيس القضاء سابقاً، إبراهيم رئيسي، منتصراً في انتخابات نهاية الأسبوع الرئاسية، كما كان متوقعاً، وسيبقى في السلطة لمدة أربع سنوات، لكنه سيبقى كذلك في نظر كثيرين، باعتباره الخليفة المفترض للمرشد الأعلى في إيران، علي خامنئي، والقائد الأعلى المقبل للجمهورية الإسلامية، وهو منصب يمكن أن يشغله مدى الحياة.
وإذا كان من المهم أن نفهم وجهة نظره تجاه العالم، فليس من السهل أيضاً التوصل إلى هذا الفهم، وعلى الصعيد الدولي يشار إليه باعتباره «متشدداً»، لكن هذه صفة تحمل من الغموض بقدر ما فيها من الوضوح، وإذا خففنا هذه الصفة إلى «متحمس» فقط، فإن ذلك سيخفي الصفة الأكثر هيمنة في شخصيته السياسية، وهي انتهازيته الذكية، وهي الميزة الأكثر تفسيراً لصعوده السياسي، والأفضل لرسم توقعات حول أسلوبه في القيادة لاحقاً.
تمهيد الطريق
المهم أن رئيسي ظهر باعتباره المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الرئاسية، ليس عن طريق طرح رؤيته المقنعة على العامة وإنما نتيجة الطريق الذي تم تمهيده له من قبل حلفائه السياسيين المقربين. وفي نهاية مايو الماضي، منع مجلس صيانة الدستور، المؤلف من 12 عضواً، ويشرف على الانتخابات الرئاسية، المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين من ترشيح أنفسهم للانتخابات، وإن كان يأمل بعضهم تدخل خامنئي، كما فعل عام 2005 لإعادة بعض المرشحين غير المؤهلين. وبالفعل دعا خامنئي مجلس صيانة الدستور إلى أن يقوم «بتعديل» سلوكه «الظالم»، لكن من دون المطالبة بإعادة أي مرشح محدد، وكان ردّ مجلس صيانة الدستور على دعوة خامنئي، إصدار بيان ممل وفارغ من أي مضمون حقيقي.
وكان التصرف الذي قام به مجلس صيانة الدستور دعماً كبيراً لرئيسي في الانتخابات بطريقتين مهمتين، الأولى أنها خلصته من منافسيه، والثانية، التي قد تكون أكثر أهمية من الأولى، هي إضعاف حماس العامة للانتخابات بعد إبعاد العديد من المرشحين المرغوبين، الأمر الذي أسهم أيضاً في إضعاف معنويات تلك الشرائح الانتخابية، التي كانت مشاركتها حيوية جداً بالنسبة للمرشحين المعتدلين والإصلاحيين، وأدى ذلك إلى جعل مهمة المرشحين: عبدالناصر همتي، ومحسن مهرليزاده، أكثر صعوبة، لحشد الجماهير وكسب أصواتها يوم الانتخابات، وهما الوحيدان من مرشحي الوسط المعتدلين اللذان لم يتم استبعادهما من السباق الانتخابي، وانسحب مهرليزاده من الانتخابات قبل يومين من موعد التصويت.
وكل هذا لا ينفي قاعدة رئيسي الانتخابية الضخمة التي يتمتع بها، وبعد خسارته الانتخابات أمام الرئيس السابق حسن روحاني عام 2017، عمد خامنئي إلى تعيين رئيسي رئيساً للقضاء، واكتسب رئيسي شعبية ضخمة من خلال عمله وصياً على إدارة منظمة «استان قدس رضوي»، بين 2017 و2019، وهي واحدة من أغنى منظمات الوقف الديني الإيرانية، التي تضم آلاف الموظفين، إضافة إلى معاهدها، وممتلكاتها من الأراضي والشركات في جميع أنحاء إيران.
تطوير المشروع السياسي
وخلال السنوات الأخيرة من وجوده في منصب رئيس القضاء، تمكن رئيسي من تطوير مشروعه السياسي، من خلال القيام بسلسلة من الإصلاحات القضائية الشاملة، التي أدت إلى تخفيف العقوبات على الجرائم التي تراوح بين العجز عن دفع المهر وتهريب المخدرات إلى إصدار شيكات بلا رصيد، وسمحت هذه الإصلاحات لعدد كبير من المدانين بتجنب دخول السجن وحتى التخلص من عقوبة الموت، وعززت من سمعة رئيسي، وبات اسمه وصورته حاضران دائماً في النقاشات العامة والإعلام الوطني، الأمر الذي حوله إلى شخصية معروفة في شتى أنحاء الدولة، ودفعته هذه الشعبية، وليست سمعته متشدداً، إلى تقدم المرشحين للرئاسة في استطلاعات الرأي حتى قبل بدء الانتخابات.
وبالطبع فإن هناك الكثير من التعليقات والكتابات المتعلقة برئيسي، التي تركز بصورة أساسية على السمة التي اكتسبها من كونه عضواً في «لجنة الموت» التي أشرفت على عمليات الإعدام السرية لآلاف السجناء السياسيين في صيف عام 1988، والتي وُصفت من قبل المؤرخ الإيراني البارز، ارفاند ابراهميان، بالقول «إنها أعمال عنف لم يشهدها التاريخ الإيراني، لا بالشكل ولا المحتوى ولا بشدتها»، وانتشرت تسجيلات صوتية عام 2016 تؤكد للكثير من الإيرانيين أن رئيسي متورط في هذا الفصل المظلم من تاريخ بلادهم، وفي هذا التسجيل يشنّ آية الله علي حسين منتظري هجوماً قوياً على رئيسي وعدد من أفراد اللجنة، لدورهم في عمليات الإعدام.
ولا يمكن إنكار مشاركة رئيسي في عمليات الإعدام التي قامت بها «لجنة الموت»، لكن مشاركته بحد ذاتها تكشف عن توجهات مهمة في شخصيته السياسية، ويظهر التسجيل أنه عندما رفض منتظري إعطاءهم الإذن بقتل 200 سجين، يسمع صوت رئيسي في التسجيل يقول إنه سيطيع قرار قائده، في محاولة منه لتجنب إظهار نفسه باعتباره خصماً لنائب القائد الأعلى في حينه، منتظري.
ويظهر موقف الولاء الذي يميز حياة رئيسي السياسية، التي امتدت لأربعة عقود، أنه رجل مدفوع بشغفه للحفاظ على السلطة، وليس تمسكاً بأيديولوجية معينة، وبعد 30 عاماً من مشاركته في «لجنة الموت»، وحيث إن عمله في القضاء يتطلب منه التقرب من الجمهور، وليس التزلف إلى قادته الثوريين، وفي تمهيد مبكر للانتخابات الرئاسية، طرح نفسه باعتباره إصلاحياً عن طريق تخفيف شدة العقوبات، والحث على الرأفة، بحيث أصبحت الإعدامات العلنية أمراً نادراً.
وعندما رشح نفسه عام 2017، حاول رئيسي تسليط الضوء على إنجازاته عندما كان يعمل في القضاء، لكن روحاني ردّ عليه مباشرة بالقول إن رئيسي لا يعرف شيئاً سوى «إعدام الناس وسجنهم»، وهذه السمة التي تميز رئيسي يمكن أن تقدم انطباعاً حول كيفية رده على حدوث أي اضطرابات شعبية.
وإذا توفي المرشد الإيراني الحالي خامنئي (82 عاماً) خلال رئاسة رئيسي، فسيكون في وضع فريد للتأثير في عملية اختيار المرشد الجديد، إلى درجة يمكن أن يكون نفسه أحد المرشحين بقوة لخلافة خامنئي، وبالنظر إلى الطريقة التي صعد بها رئيسي إلى الرئاسة، ومزاجه المحب للعقوبات، إضافة إلى قضية خلافة خامنئي، فإن ذلك سيعزز قيام بيئة سياسية خصبة من أجل مستقبل حكم رئيسي، ومعها ستغوص إيران في مستنقع من التوجهات الديكتاتورية، وستؤثر رئاسة رئيسي في علاقات إيران بالعالم أجمع.
وستكون الدبلوماسية العامة من أولى الضحايا خلال رئاسة رئيسي، ويرى كثيرون خارج إيران وداخلها أن اسمه سيظل مرتبطاً بإعداماته عام 1988، وسيجد أعداء إيران، أمثال الرئيس السابق دونالد ترامب، تربة خصبة لانتقاد شخص الرئيس نفسه، حيث سيعمدون إلى شيطنة الدولة وتشكيل إجماع ضدها، وهو الأمر الذي سيكون من السهل القيام به.
وهذا ليس مجرد تخمين، فخلال حكم الرئيس، محمود أحمدي نجاد، بين 2005 و2013، ثبت أن أسلوبه العدائي في موضوعات عدة مفيد لعزل إيران عن العالم. حتى إن رئيس الموساد السابق، افرام هالفي، وصفه بأنه «هبة بالنسبة لنا، فنحن لم نكن نستطيع القيام بأي عملية في إيران، أفضل من وضع شخص مثل أحمدي نجاد في السلطة»، وأضاف هالفي إن أحمدي نجاد أثبت للعالم أجمع أن إيران هذه الأيام من المستحيل التعايش معها، وأسهم أحمدي نجاد في توحيد العالم ضد إيران.
• رئيسي ظهر باعتباره المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الرئاسية، ليس عن طريق طرح رؤيته المقنعة على العامة وإنما نتيجة الطريق الذي تم تمهيده له من قبل حلفائه السياسيين المقربين.
• كان التصرف الذي قام به مجلس صيانة الدستور دعماً كبيراً لرئيسي في الانتخابات بطريقتين مهمتين، الأولى أنها خلصته من منافسيه، والثانية، التي قد تكون أكثر أهمية من الأولى، هي إضعاف حماس العامة للانتخابات، بعد إبعاد العديد من المرشحين المرغوبين، الأمر الذي أسهم أيضاً في إضعاف معنويات تلك الشرائح الانتخابية، التي كانت مشاركتها حيوية جداً بالنسبة للمرشحين المعتدلين والإصلاحيين.
سجاد صفائي - باحث بمعهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا الاجتماعية في ألمانيا
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news