محلل أميركي:
رغم تفاقم أزمة لبنان لاتزال الفرصة متاحة لاستخلاص العبر
لم يؤدِّ انفجار مرفأ بيروت، على عكس ما كان يطمح كثيرون، إلى تنفيذ الإصلاحات اللازمة لإنقاذ لبنان، وإنما رسّخ الثقافة السياسية الفاسدة وفاقم الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بالبلاد.
ورغم ذلك يرى محلل السياسات الخارجية الأميركي، ألكسندر لانغلويس، أنه لاتزال هناك فرصة لاستخلاص العبر من درس الكارثة، إذا ما زاد قادة العالم من انخراطهم، واستمر الشعب اللبناني في المطالبة بالتغيير خلال الأشهر المقبلة.
وقال لانغلويس، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنترست» الأميركية، إنه بالنظر إلى لبنان بعد مرور الذكرى الأولى للانفجار الهائل الذي وقع بمرفأ بيروت، في الرابع من أغسطس العام الماضي، يتضح أن النخبة السياسية قادت البلاد إلى الهاوية، لكنه أكد أنه لاتزال هناك فرصة لإحداث تغيير إيجابي.
ضياع الفرصة
وأضاف أنه للأسف أضاع قادة العالم فرصة لدعم الشعب اللبناني، والوحدة المجتمعية التي أعقبت انفجار بيروت، وبينما انكفأ اللبنانيون على أنفسهم يداوون أحزانهم على أحبائهم ومنازلهم ومدينتهم المحبوبة، كان قادتهم والعالم ينظرون إلى حد كبير بلا مبالاة.
وفي الوقت الذي كان الشعب يطالب بالإصلاح والثورة، اختارت النخب اللبنانية إعادة تسمية سعد الحريري، في أكتوبر الماضي، لتشكيل حكومة جديدة، مع وعود بتنفيذ إصلاحات، وهي مزحة مثيرة للاشمئزاز لكثير من اللبنانيين، الذين خرجوا في احتجاجات وأجبروه على الاستقالة قبل عام واحد.
وظل الحريري، الذي يمثل النخبة السياسية، يخوض معارك مع الرئيس، ميشال عون، والأحزاب السياسية الرئيسة في لبنان من أجل تشكيل الحكومة، لما يقرب من 10 أشهر، قبل أن يعتذر بعد فشله في التوصل إلى اتفاق، وبعد ذلك تم اختيار الملياردير نجيب ميقاتي لشغل المنصب، بينما يواجه التحديات نفسها، وكالعادة فإن الصراع على السلطة، باعتباره وسيلة للبقاء، أهم من البلاد والعباد.
ويقول لانغلويس إنه في خضم كل هذا، واصل الاقتصاد اللبناني مسيرة الانهيار، وحذر البنك الدولي، أخيراً، من أن كل مقياس اقتصادي يشير إلى كارثة، فقد وصلت قيمة الليرة في السوق السوداء إلى 18 ألفاً و325 ليرة لكل دولار، ووصل معدل البطالة إلى 40%، وأصبح نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، كما أن ما يقرب من 77% من الأسر، وكذلك 99% من عائلات اللاجئين السوريين، لم تعد قادرة على تحمل تكاليف الطعام، وتراجعت واردات الدولة التي تعتمد على الاستيراد بنسبة 45%، لأسباب من بينها الدمار الذي حل بالمرفأ.
يوم الذكرى
وفي يوم الذكرى السنوية للانفجار، خرج اللبنانيون من جميع الطوائف إلى الشوارع للاحتجاج على البطالة والفساد، معبرين عن رفضهم لهياكل السلطة، لكن للأسف قوبلت الاحتجاجات، التي قادتها عائلات ضحايا انفجار المرفأ، بالهراوات والغاز المسيل للدموع.
واعتبر لانغلويس أن ما حدث يعكس تماماً الأزمة الجارفة التي يواجهها لبنان اليوم، الحكومة غير مهتمة إلى حد كبير بالمساءلة، لأن الأطراف السياسية تدرك أن الإصلاح سيقوّض مصالحها وسلطتها.
وأشار إلى أن الجهات الفاعلة الدولية والإقليمية أسهمت في المشكلة، بعدما أخفقت في التعامل معها بالشكل الصحيح، مضيفاً أنه يبدو أنه ليس لدى الولايات المتحدة سياسة واضحة تجاه لبنان.
وقال لانغلويس إن دول الخليج العربية ابتعدت إلى حد كبير عن لبنان في السنوات الماضية، بينما تواصل إيران دعم «حزب الله»، وتبدو فرنسا الأكثر اهتماماً بتحقيق الاستقرار في البلاد اليوم، رغم أن جهودها اقتصرت على مؤتمرات المانحين والدعوات المتكررة للإصلاح، التي يتم تجاهلها إلى حد كبير، ولاتزال بعض الجهود الجارية لمعاقبة السياسيين الفاسدين داخل لبنان، وتجميد الأموال في سويسرا والاتحاد الأوروبي، غير كافيين.
ولفت إلى أنه من خلال تقديم المساعدة للبنانيين في صورة خدمات، مثل الرعاية الطبية والصرف الصحي والغذاء، فإنه بإمكان المجتمع الدولي مساعدة الجزء الأكبر من البلاد، وفي الوقت نفسه تقويض شبكات المحسوبية الطائفية العميقة التي تدعم الأحزاب السياسية في لبنان.
وبالتوازي مع ذلك، تحتاج الدول صاحبة النفوذ في المنطقة، وكذلك على الصعيد الدولي، إلى استخدام الأدوات الدبلوماسية للضغط على قادة لبنان، ويجب أن تركز هذه الجهود على إصلاح القطاع المالي، والشفافية الحكومية، ومبادرات مكافحة الفساد، والقضاء على نظام المحسوبية الذي يمنع مئات الآلاف من الشباب اللبنانيين الحصول على وظائف لائقة، وفي الوقت نفسه يتعين توخي الحذر لتجنب فرض أنظمة عقوبات يمكن أن تلحق الضرر بالمواطن العادي، وفي الوقت نفسه يستفيد منها «حزب الله» وإيران.
وأقر لانغلويس بأن هذا النهج غير مثالي، لكنه لفت إلى أنه كفيل بمنع وقوع كارثة في لبنان. وأكد أنه «لا يمكن تحقيق الإصلاح الحقيقي إلا من خلال قطع الصلة بين اللبنانيين وبين شبكات المحسوبية، التي يضطرون إلى الاعتماد عليها للبقاء على قيد الحياة، وهذا يقلل من قوة الأطراف السياسية المهيمنة».
واختتم لانغلويس تقريره محذراً بقوله: «وحتى يتم تكثيف مثل هذه الجهود، ويتم استخلاص الدروس من انفجار بيروت، سيستمر لبنان في الانهيار».
• حذر البنك الدولي، أخيراً، من أن كل مقياس اقتصادي يشير إلى كارثة، فقد وصلت قيمة الليرة في السوق السوداء إلى 18 ألفاً و325 ليرة لكل دولار، ووصل معدل البطالة إلى 40%، وأصبح نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، وما يقرب من 77% من الأسر و99% من اللاجئين السوريين لم يعودوا قادرين على تأمين الطعام.
• تبدو فرنسا الأكثر اهتماماً بتحقيق الاستقرار في لبنان اليوم، رغم أن جهودها اقتصرت على مؤتمرات المانحين ودعوات الإصلاح.
• لا يمكن تحقيق الإصلاح الحقيقي إلا بقطع الصلة بين اللبنانيين وشبكات المحسوبية، التي يضطرون إلى الاعتماد عليها للبقاء على قيد الحياة، وهذا يقلل من قوة الأطراف السياسية المهيمنة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news