بعد سقوط الحكومة الأفغانية إثر الانسحاب الأميركي
العراقيون يتخوفون من أن يتكرر السيناريو نفسه في بلادهم
ربما لا يشعر أحد بالصدمة من الكارثة التي حدثت في أفغانستان أكثر من شعب العراق، حيث يعتقد عراقيون عدة أن بلدهم قد يواجه مصيراً مشابهاً لما حدث هناك، حتى قبل أن يتحول الانسحاب الأميركي إلى انهيار كامل للدولة الأفغانية واستيلاء «طالبان» على السلطة. كان عراقيون عدة تحدثت إليهم خلال زيارة الى هناك في يوليو وأغسطس، يشعرون بالقلق مما قد يعنيه انسحاب أميركي وشيك من العراق، ويتساءلون: هل ستنهي الولايات المتحدة وجودها في العراق أيضاً بسحب جنودها البالغ عددهم 2500 جندي؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل سيؤدي ذلك إلى استيلاء الميليشيات الموالية لإيران على السلطة أم عودة تنظيم «داعش»، أم سيؤدي إلى حرب أهلية؟
مشاهد مثيرة
أثارت المشاهد اليائسة في مطار كابول يوم الأحد مشاعر الخوف والقلق بين العراقيين، وذكرتهم تلك اللحظة بهروب الجيش والشرطة العراقيين المدربين من قبل الولايات المتحدة في عام 2014 أمام تنظيم «داعش» الذي احتل ثلاث محافظات. وانسحبت الولايات المتحدة عام 2011 لكنها اضطرت إلى العودة إلى العراق لوقف هجوم «داعش». ويخشى العراقيون أيضاً من تجدد الجدل في واشنطن وبغداد بشأن الانسحاب الأميركي الكامل من العراق. وكما كانت الحال في 2011، تضغط إيران على الحكومة العراقية من أجل سحب القوات الأميركية، وقد تكون واشنطن الآن أكثر استعداداً للانسحاب أكثر من ذي قبل.
وهناك الكثير من أوجه الشبه بين العراق وأفغانستان؛ فلدى العراق مثل أفغانستان حكومة منقسمة تعطي الأولوية لسياسة المحسوبية على حوكمة قوات الأمن المختصة والخدمات الحكومية الأخرى.
وكما كانت عليه الحال في أفغانستان، ليست الحكومة العراقية ولا الجيش على استعداد للوقوف في وجه الميليشيات الجامحة التي تهدد سيادة العراق واستقراره وتهاجم العراقيين. وكذلك كما كانت عليه الحال في أفغانستان، فإن الأمر في العراق لا يتعلق بالقدرة ولكن بالإرادة السياسية، حيث يشكو المسؤولون الأميركيون من أن بغداد تتولى قيادة جهاز مكافحة الإرهاب الأول في المنطقة، لكنها تنشره فقط ضد تنظيم «داعش»، وليس ضد الميليشيات الأخرى الموالية لإيران. ومثل طالبان، فإن هذه الميليشيات البلطجية، على الرغم من الضغط الشعبي والدولي، تسعى بصبر من أجل السلطة.
ويخشى الكثيرون أيضاً من أن يجد الجدل المستفيض عن الانسحاب في بغداد، الذي تزكي أواره إيران، قبولاً في واشنطن، لأسباب ليس أقلها أن الفريق (الديمقراطيين) الذي انسحب من العراق في عام 2011 عاد إلى البيت الأبيض. ويشعر العراقيون بالقلق من أن إدارة الرئيس جو بايدن قد تتعايش مع حكومة عراقية تقودها الميليشيات إذا أوقفت هذه المليشيات هجماتها على المصالح الأميركية. ويخشى العديد من العراقيين من تداعيات الموعد النهائي للإدارة الأميركية بسحب قواتها القتالية من العراق بحلول نهاية عام 2021. ومن المؤكد أن أولويات واشنطن المتغيرة والضنك الذي أصابها من العراق لا يعبر عن موقف حزبي، فقد كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب هي التي هددت بإغلاق السفارة الأميركية في بغداد بعد زيادة هجمات الميليشيات على العسكريين والموظفين الدبلوماسيين الأميركيين. علاوة على ذلك، فإن التقلبات السياسية في واشنطن تربك أصدقاءها وشركاءها في العراق، الذين بدأ العديد منهم في البحث عن رعاة إقليميين بديلين لكي يواجهوا نفوذ طهران المتزايد.
وعلى الرغم من هذه التشابهات الحقيقية والمتصورة بين العراق وأفغانستان، فإن العراق بالطبع بلد مختلف تماماً، ما يمنحه فرصة لتجنب مصير أفغانستان. وعلى عكس أفغانستان، يتمتع العراق بتاريخ من المؤسسات الوطنية القوية، وهناك دعم من الحزبين الأميركيين لمواصلة المسار الأميركي في العراق، وقيادة التحالف المناهض لتنظيم «داعش» لمنع الجماعة الإرهابية من الظهور مجدداً، وتعزيز العلاقات الاقتصادية.
أميركا لن تتجاهل التهديد
علاوة على ذلك، لا تستطيع الولايات المتحدة تجاهل التهديد الذي تشكله أجندة إيران التوسعية في العراق على المنطقة. وبغض النظر عن المصالح الأميركية، فإن العراق لديه فرصة أفضل لكبح حكم الميليشيات بالنظر إلى المعارضة المحلية للنفوذ الإيراني - بما في ذلك حركة الاحتجاج الشعبية - والقيادات الشيعية العراقية في النجف التي تخشى فقدان سلطتها الدينية في النجف العراقية لمصلحة الشخصيات الدينية في قم الإيرانية، وزعماء كردستان الذين يخشون أن يكونوا الهدف التالي للميليشيات بعد المحافظات السنية. وعلى عكس «طالبان»، تفتقر الميليشيات العراقية المتنوعة إلى القيادة الموحدة والقبول على الصعيد الشعبي. علاوة على ذلك، فإن نجاح المهمة الأميركية ضد تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في سورية يعتمد على وجود الولايات المتحدة في العراق.
ضبط العلاقة
ومع ذلك، يمكن للعراق أن يسير على طريق أفغانستان ما لم يضبط كل من العراق والولايات المتحدة علاقتهما. ويتمثل أول شيء في هذا الصدد في العمل على الحفاظ على علاقة مكافحة الإرهاب وفقاً للالتزامات الأميركية في العراق، وتنويعها أيضاً. وطالما ظلت العلاقات الأميركية العراقية تعتمد فقط على عدد الأفراد العسكريين الأميركيين، فإن إيران ووكلاءها سيطمحون إلى إنهاء العلاقة عن طريق إجبار تلك القوات على الانسحاب. لقد استخدمت الميليشيات مواردها وستواصل هجماتها على الوجود الأميركي، مع العلم أن الولايات المتحدة تفتقر إلى الصبر والردع.
ولكي تسير العلاقة الأميركية العراقية في الطريق الصحيح، ينبغي أن يتحول الطرفان نحو الاستثمار في بناء القدرات العسكرية والمؤسسية لقوات الأمن العراقية، لمكافحة الإرهاب ولأغراض أخرى، ويجب أن تكون القدرة وليس الجدول الزمني هو المعيار للتقدم. علاوة على ذلك، للحفاظ على مثل هذه المهمة، يجب أن يكون الوجود الأميركي في العراق غير مسيس، ويتعين على واشنطن أن تعلن بوضوح أن تغيير وجودها العسكري في العراق إلى مهمة تقديم المشورة والمساعدة لن يعني التخلي عن العراق. وبشكل حاسم، يحتاج الشعب العراقي إلى الشعور بفوائد هذه العلاقة في مجالات مثل التجارة والرعاية الصحية والتعليم. وسعت سلسلة من الحوارات الاستراتيجية الأميركية العراقية الى الوصول إلى تحقيق مثل هذا الهدف.
عزاء
قد يجد العراقيون العزاء في أن بايدن يبدو غير راغب في رؤية صورة مشابهة في مطار بغداد الدولي لتلك التي رأيناها في مطار كابول، ومع ذلك فإن أولويات الولايات المتحدة تتحول بالفعل بعيداً عن الشرق الأوسط الكبير، ويقع العبء أولاً وقبل كل شيء على الحكومة العراقية في تحمل المسؤولية والاستثمار في علاقة قوية مع الولايات المتحدة، لأن مكافحة الإرهاب وحدها لن تحافظ على مثل هذه العلاقة، ويجب أن تكون رسائل الولايات المتحدة واضحة: إن انتقال مهمتها من دور قتالي إلى دور استشاري لا يعني انسحاب الولايات المتحدة من التزاماتها تجاه العراق، أو التخلي عن الحملة ضد تنظيم «داعش».
بعد رؤيتهم ما حدث في أفغانستان، قد يعتقد القادة العراقيون أن الولايات المتحدة أصبحت شريكاً غير موثوق به، ومع ذلك فإن السعي لاستبدالها برعاة آخرين - سواء كانت إيران أو تركيا أو دولة أخرى - لن يؤدي إلا إلى تعميق التبعية العراقية لشركاء غير موثوق بهم، وبدلاً من ذلك يجب على العراقيين السعي من أجل إصلاح الحكومة.
أخيراً، فإن الكارثة في أفغانستان هي تذكير بأن واشنطن وبغداد وأربيل يجب أن تعترف بالفساد المنتشر في العراق، باعتباره تحدياً حقيقياً للأمن القومي، وليس مجرد تأثير جانبي سلبي للانتقال الديمقراطي؛ لذلك يجب على واشنطن أن تطالب بالمساءلة عن الأموال والمعدات التي تقدمها لقوات الأمن العراقية وقوات البشمركة الكردية.
• أثارت المشاهد اليائسة في مطار كابول، يوم الأحد، مشاعر الخوف والقلق بين العراقيين، وذكّرتهم تلك اللحظة بهروب الجيش والشرطة العراقيين المدربين من قبل الولايات المتحدة، عام 2014، أمام تنظيم «داعش» الذي احتل ثلاث محافظات.
• كما كانت الحال في أفغانستان، ليست الحكومة العراقية ولا الجيش على استعداد للوقوف في وجه الميليشيات الجامحة التي تهدد سيادة العراق واستقراره وتهاجم العراقيين.
بلال وهاب - زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news