إقليم كاتالونيا يستعين بالماعز والأغنام لمكافحة الحرائق
لقد كان صيفاً كارثياً، في أوروبا، بسبب حرائق الغابات، وكل المؤشرات تشير إلى المزيد من فصول الصيف السيئة في المستقبل. وتحاول البلدان اتباع طرق جديدة لتقليل خطر الحرائق، ولكن ليست جميعها ذات تقنية عالية. وفي كاتالونيا، على سبيل المثال، يتم الاستعانة بالحيوانات.
وتقول الباحثة الألمانية، جوليان بومان «عندما تقترب النار من الغابة، تسمعها الحيوانات قبل وقت طويل من رؤيتها. ألسنة اللهب تتصاعد، وقوة النار تمزق أوراق الأشجار وتجعلها تتطاير في الهواء. وإذا وجدت نفسك في نهاية المطاف على مرمى حجر من ألسنة اللهب، التي ترتفع أمامك لأمتار عدة، فلن يكون لديك متسع من الوقت للهروب».
وتعرف بومان، 43 عاماً، ما تتحدث عنه، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، كانت تعمل إطفائية في إقليم كاتالونيا الإسباني، وهي على الأرجح الألمانية الوحيدة في الفريق. وتشير تقديراتها إلى أنها شهدت خلال ذلك الوقت نحو 20 حريقاً في الغابات سنوياً. وكان بعضها صغيراً، ويتطلب تدخل اثنين فقط من سيارات الإطفاء. وعلى الرغم من ذلك، كان البعض الآخر أكبر بكثير، إذ يكافح مئات من رجال الإطفاء النيران على مدار الساعة، بينما تحلق طائرات الهليكوبتر في سماء المنطقة، وتفرغ طائرات مكافحة الحرائق الصفراء حمولتها من الماء باستمرار.
الكاتالونيون معتادون على حرائق الغابات، لكن الأمور لا تسير على ما يرام دائماً. وعندما قُتل خمسة من رجال الإطفاء أثناء إخماد النيران، في عام 2009، كانت بومان تعمل على الحريق نفسه. وفي مناسبة أخرى، في مقاطعة ليدا الكاتالونية، فوجئت هي وفريقها وكانوا محاطين بالنيران، وتمكنوا من الهروب بعد أن حالفهم الحظ، واشتعلت النيران في سيارتهم ومعداتهم.
اتخذت إسبانيا الآن خطوات لمعالجة المشكلة، وسيتم إنشاء فواصل الحرائق - شرائط من الأرض حيث تتم إزالة الغطاء النباتي - في الأماكن التي كان فيها خطر الحرائق مرتفعاً بشكل خاص، في السنوات الأخيرة.
ويقول المفتش في إدارة الإطفاء الكتالونية، آسير لاراناجا: «أشعل زملاؤنا بعض الحرائق لإحداث الفواصل، ولكن هذه الطريقة ليست مفيدة في كل مكان».
وفي الأراضي الصخرية والمناطق النائية، يكاد يكون من المستحيل السيطرة على الحرائق.
على الرغم من ذلك، يتم اكتشاف العديد من الوسائل في إحدى هذه المناطق مثل: الأغنام، وربما تكون الحيوانات هي أكثر الأدوات غير المتوقعة في المعركة ضد النار، لأنها تتمتع بميزة كونها وسيلة فاعلة من حيث الكلفة للسيطرة على انتشار الشجيرات. وفي الواقع، قد يحققون نتيجة إيجابية. وكما في الأوقات السابقة، يجب أن تتم قيادة الحيوانات عبر الغابة بدلاً من مجرد قضاء وقتها في المروج العشبية.
وفي منطقة «فال دي لورد»، وهو وادي جبلي بعيد في جبال البرينيه شمال كتالونيا، يأمل البعض في أن استخدام الحيوانات لتقليل مخاطر نشوب حرائق، ويمكن أن يؤدي استخدامها أيضاً إلى خلق فرص عمل. وتتضمن الخطة توظيف أربعة عمال غابات يقومون بعد ذلك بتدريب السكان المحليين العاطلين عن العمل، وسيعملون معاً على الحفاظ على الغابات. وسيتم استخدام الماعز والأغنام للحدّ من الشجيرات، ويمكن بيع الحليب العضوي والجبن الذي تنتجه هذه الحيوانات للسياح، مع زيادة الإيرادات التي من المحتمل أن تساعد في إبطاء هجرة السكان في المنطقة.
طريقة مفيدة
يمكن أن تكون الاستعانة بالحيوانات مفيدة لبعض المناطق على المدى الطويل أكثر من اقتناء مركبات جديدة ومعدات مكافحة الحرائق. ويمكن أيضاً تطبيقها في صقلية أو اليونان. ويمكن أن تؤدي أفكار «فال دي لورد»، أيضاً، إلى إعادة فحص تقنيات مكافحة الحرائق في ولاية براندنبورغ الألمانية. وكتبت الباحثة الألمانية، جوليان باومان أطروحتها الأخيرة حول الحماية من الحرائق في براندنبورغ، في جامعة إبيرسوالد للتنمية المستدامة.
وخلال فترة وجودها في الجامعة، علمت أن عدد الحرائق الخطيرة في ارتفاع في براندنبورغ، أيضاً، منذ فترة طويلة. وهناك أيضاً، ترك انخفاض عدد السكان بصماته. وهناك نقص في التعرف على المشكلة في العديد من الأماكن، وعندما تندلع الحرائق، غالباً ما يكون رجال الإطفاء المتطوعون بمفردهم. وعلاوة على ذلك، يقع العديد من القرى في وسط الغابة ولا يوجد فيها دائماً صنبور مياه يعمل، كما تقول بومان.
«لقد رأينا أن حرائق الغابات في أوروبا تزداد سوءاً»، هكذا قال المفوض الأوروبي المسؤول عن المساعدات الإنسانية وإدارة الأزمات، يانيز لينارتشيتش. وعلى هذا النحو، يخطط الاتحاد الأوروبي لتخصيص المزيد من الأموال وشراء طائرات إطفاء جديدة. والدول الأعضاء لديها بالفعل أسطول من 73 طائرة من نوع «كنادير»، الكندية الصنع. ويمكن للطائرات أن تهبط على الماء واليابسة، ويمكنها تحميل ستة أطنان من الماء في غضون ثوانٍ قليلة.
هذه الإجراءات حيوية، لكنها لن تكون كافية لمنع اندلاع عدد متزايد من الحرائق، في المستقبل. علاوة على ذلك، جهود مكافحة الحرائق المشتركة تعمل، فقط، طالما أن العديد من البلدان لا تكافح النيران في الوقت نفسه. ومع ذلك، فإن هذا هو المستقبل الذي يراه يوهان غولدامر، من المركز العالمي لرصد الحرائق في مدينة فرايبورغ الألمانية. ويوضح «رأينا أن موسم حرائق الغابات قد أصبح بالفعل أطول، والآن، تشهد بلدان عدة حرائق الغابات طوال العام، حتى أثناء فترات الجفاف في الشتاء».
تدابير الحماية
وفي أوكرانيا، يبدو أن الأمر استغرق كارثة لتحسين تدابير الحماية من الحرائق. وكان العام الماضي سيئاً بالنسبة للحرائق في البلاد، إذ اقتربت النيران من أنقاض المفاعل في تشيرنوبيل. وهذا العام كان عدد الحرائق أقل بكثير. ومن المؤكد أن بعضاً من ذلك مجرد حظ، لكنه كان أيضاً نتيجة لتحسينات مهمة، كما يقول أستاذ الغابات في كييف، سيرجي زيبتسيف، موضحاً «أكبر نجاح هو أنه لم تكن هناك حرائق ضخمة هذا العام لتدمر القرى. ولم تسجل وفيات». ويقول إن عقوبات الحرق العمد أصبحت أكثر صرامة، كما أن التدريب قد تحسّن، وهناك المزيد من المراقبة بالفيديو وتم الحصول على مركبات جديدة، ويقول إن مؤشر الخطر الجديد ساعد، أيضاً، في تحسين تقييم خطر الحرائق.
44442 هو عدد المرات التي تم فيها استدعاء رجال الإطفاء في إيطاليا بحلول 7 أغسطس، معظمهم في صقلية، وبوليا وكالابريا.
73 طائرة من نوع «كنادير»، يمتلكها الاتحاد الأوروبي، ويمكن للطائرات أن تهبط على الماء واليابسة، ويمكنها تحميل ستة أطنان من الماء في غضون ثوانٍ قليلة.
ريف مهجور
في بعض البلدان، لا تُعد الحرائق الهائلة نتيجة لتغير المناخ فحسب، بل هي أيضاً نتيجة تهجير سكان الريف. وفي المناطق الواقعة على أطراف أوروبا، حيث كانت الحقول تُزرع بانتظام وتُقطع الأشجار، غالباً ما تنمو الحشائش العالية وتزداد سماكة الشجيرات. ويقول الخبراء إن هذا، أيضاً، يساعد في انتشار الحرائق. ويقول باومان، وهو رجل إطفاء ألماني في إقليم كاتالونيا الإسباني «مع وجود بعض الحرائق، لم نتمكن من المرور بسهولة لأن كل شيء أصبح متضخماً للغاية».
استراتيجية الحماية
يقدم يوهان غولدامر، من المركز العالمي لرصد الحرائق في مدينة فرايبورغ الألمانية، المشورة للحكومات في جميع أنحاء العالم منذ سنوات. وفي أوروبا، يوصي بتحديث الهياكل القائمة. كما أنه يعتقد أن أصحاب العقارات الغابية وحراس الغابات يجب أن يكون لديهم المعرفة اللازمة لإطفاء الحرائق قبل وصول إدارة الإطفاء، ويوصي بأن تتواصل مراكز الكوارث بشكل أكثر كفاءة مع المسؤولين الحكوميين.
وفي عام 2018، وضع غولدامر خطة للحكومة اليونانية، تحت قيادة رئيس الوزراء ألكسيس كسبيراس، إذ وضع تصوراً لاستراتيجية وطنية للوقاية من الحرائق، ومزيداً من المسؤولية عن خدمة الغابات. لكن الخطة لم تنفذ. ووجدت بلدان أخرى، أيضاً، صعوبة في القيام بأكثر من مجرد شراء معدات أكثر وأحدث. ولكن الوقت ينفد، الحرائق في جميع أنحاء القارة آخذة في الازدياد من حيث الحجم والعدد.
عام تاريخي
لقد كان2021 عاماً تاريخياً، عندما يتعلق الأمر بعدد وحجم الحرائق في أوروبا. وفي إيطاليا، تم استدعاء رجال الإطفاء 44442 مرة، بحلول 7 أغسطس، معظمهم في صقلية، وبوليا وكالابريا. وفي اليونان، تم إجلاء مئات الأشخاص عن طريق السفن هرباً من الحرائق، في الجزر، بينما اقتربت النيران، أيضاً، من مسافة كيلومترات قليلة من أثينا. واحترق أكثر من 116 ألف هكتار في أنحاء البلاد وقُتل ثلاثة أشخاص على الأقل. كما اجتاحت الحرائق تركيا والبلقان.