نتيجة تجربة الحرب لعقدين من الزمن
بعد أفغانستان ستكون الحروب الأميركية سريعة دائماً ومكثّفة جداً وحاسمة
بعد انسحاب آخر القوات الأميركية من أفغانستان، وإغلاق الكتب المتعلقة بالحروب الطويلة الأمد في التاريخ الأميركي، يبدو أن الإجماع العام ينص على أن السياسيين لن يطلبوا من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) افتعال حرب جديدة في المنظور القريب.
ويقصد بهذه الحرب تلك التي تتطلب إرسال مئات آلاف الجنود، كما كان الحال في ذروة غزو العراق وأفغانستان، بهدف الفوز بالقلوب والعقول، في حملة تهدف إلى مكافحة التمرد. ولعشرين عاماً مضت، تم تجنيد الجيش الأميركي لتحقيق هدف يستحق الثناء، ولكن لم يتحقق، والمتمثل في إنشاء ديمقراطية تمثيلية، أو على الأقل دولة شاملة تعمل على نحو مقبول.
ومع ذلك، فإن تجربة الجيش الأميركي على الأرض في أفغانستان ستترك بصمة دائمة على العقيدة العسكرية الأميركية، بصورة من شأنها التأثير في قادة هذا الجيش بصورة متواصلة، على الرغم من تمحور تركيزهم حول ما يعتبره كثيرون في «البنتاغون» منطقة راحة «لتنافس القوى العظمى» في أماكن مثل آسيا. وقال أحد مهندسي عملية زيادة تعداد القوات الأميركية في العراق، هو فريدريك كاغان، من معهد المشاريع الأميركية، «ينطوي جزء كبير من التحول إلى آسيا، وتنافس القوى العظمى على تهديد كبير. ولكن إدارة الرئيس جو بايدن، وكذلك التي سبقتها، استغلت هذا التهديد، إضافة إلى أنها رغبة لخوض هذه الأنواع من الحروب التي يريدون الشروع بها»، وأضاف كاغان «عشية حرب فيتنام، ومرة أخرى مع خروج أميركا المذل من أفغانستان، أصبحت عملية مكافحة المتمردين غير عصرية، ولكنها أسطورة أميركية تقول إنه علينا دائماً اختيار الحروب التي نخوضها».
والحروب التي تنوي «البنتاغون» خوضها ستكون «دائماً سريعة، ومكثفة جداً، وحاسمة»، وفق ما يقوله اللواء المتقاعد جون نغال، الذي ساعد على تأليف كتيب حول شروط الاشتباك في ميدان المعركة مع المتمردين، وهو الآن أستاذ جامعي زائر حول قضايا الأمن القومي في الكلية الحربية للجيش الأميركي في كارليسلي، بولاية بنسلفانيا. وفي المقدمة، يظل الجيش الأميركي لا مثيل له.
ولهذا السبب بالذات، يدرك القادة العسكريون الذين ترعرعوا في ميادين القتال في العراق وأفغانستان، جيداً، بأن «الحروب التي سيختارها أعداؤنا الأذكياء ستكون بطيئة، وطاحنة، وغير حاسمة، وإلى حد ما نتيجة لنجاحاتنا العسكرية التقليدية»، وفق ما يقوله اللواء نغال، الذي يضيف «ستكون شبيهة بحرب فيتنام إلى حد كبير، وشبيهة بمحاربة المتمردين في العراق وأفغانستان».
ويبدو أن القادة العسكريين سيكونون مستعدين ظاهرياً لتجاهل كتيبات شروط الاشتباك مع المتمردين، ليس لفترة طويلة جداً، كما حدث في أعقاب حرب فيتنام. ويقول نغال «التفكير السائد هو أنه ربما لم نعد نكترث لمحاربة التمردات، ولكنه لا يعني أن التمردات لم تعد مهتمة بنا».
والآن، وعلى الرغم من أن تقرير مستقبل قوى الدفاع الخاصة، الصادر عن لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، يحذر من أن الصين تشكل أكبر تهديد اقتصادي، وعلى الأمن القومي في الولايات المتحدة، إلا أن روسيا تظل التهديد الأكثر إلحاحاً. وهذا يشير إلى أن ميزانيات الدفاع يجب أن تزداد في مجالات معينة، مثل الصواريخ البعيدة المدى والدفاعية، إضافة إلى الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية. ولكن على الرغم من أولوياتها الأساسية سيواصل قادة البنتاغون مواجهة عدد كبير من التهديدات والمسؤوليات العالمية الكثيرة والمتنوعة.
وعلى سبيل المثال لهذه المسؤوليات خلال مؤتمر صحافي اعتيادي بداية شهر سبتمبر، اضطر السكرتير الصحافي للبيت الأبيض إلى الإجابة عن تقارير تتعلق بالاختبار الناجح لصواريخ بعيدة المدى أطلقتها كوريا الشمالية، وعن المساءلة بشأن غارة قامت بها طائرات درون أميركية، وأدت إلى مقتل مدنيين في أفغانستان، بمن فيهم أطفال، ومستقبل عمليات مكافحة التمرد في إفريقيا، والرد على انتشار مرض الحصبة بين الأفغان الذين تم إجلاؤهم ، ومواجهة الحرس الوطني الأميركي تظاهرة دعم أعمال الشغب في السادس من يناير الماضي، والمخاوف من أن القوات الخاصة الغينية التي دربتها الولايات المتحدة شنت انقلاباً عسكرياً على حكومتها.
وفيما يتعلق بالتهديدات التي تراوح بين المتوقعة والبعيدة الاحتمال، يتعين على «البنتاغون» أن تكون لديها خطط جاهزة لمواجهتها. وقال العميد المتقاعد توم قسطنطين، الذي عمل سابقاً مديراً للكلية الحربية الوطنية «يجب أن يكون لدينا استراتيجيات جاهزة. وعندما يحين الوقت لاختيار أين نضع مواردنا، أعتقد أنه من المحتم الخروج من العراق وأفغانستان والتعامل مع الدول المنافسة لنا بقوة».
ويتذكر قسطنطين أيامه في الكلية العسكرية، ويقول «أتذكر جيداً عندما كنت في الكلية العسكرية، وكنا نتحدث عن الصراع المنخفض الشدة، وهو ما يحدث من صراعات في أميركا الجنوبية. وكيف ينبغي التعامل معها. وإذا كانت الحاجة إلى تمويل دفاعات صاروخية للمساعدة على إيجاد استراتيجية ردع في المحيط الهادي، فعندها ستذهب الأموال بهذا الاتجاه».
ومنذ أحداث 11 سبتمبر طورت الولايات المتحدة «قدرات جيدة»، والمعرفة ضمن قوات العمليات الخاصة للتحول من عمليات مكافحة التمرد إلى عمليات التدريب التي غالباً ما تكون في صميم عقول وقلوب الحملات، وفق ما يقوله قسطنطين. وعلى الرغم من أن السياسيين يمكن أن يبتعدوا عن مكافحة التمرد لبعض الوقت، إلا أن الوعي بأهمية كسب قلوب المدنيين فيما يعرف بأنه «الحرب المتمركزة حول السكان»، من المرجح أن تظل ضمن قيادة الجيش. ويقول كاغان إنه بالتأكيد درس مهم ذلك الذي تبنته موسكو خلال مشاهدتها الجهود الأميركية لكسب قلوب المدنيين في أفغانستان، وأماكن أخرى. وقال «الأمر الغريب أن الأشخاص الذين قاموا بذلك كانوا من الروس»، مشيراً إلى حملات التي تتضمن الحرب الهجينة التي تستهدف سكان الولايات المتحدة بوابل من الإعلام الاجتماعي في سعيها لتخريب الانتخابات الأميركية.
وأضاف مثل هذه التطورات تقع في صميم مبدأ «لن يحدث مرة أخرى» في أفغانستان، وقال «لا نستطيع تكرار أخطاء ما بعد حرب فيتنام، حيث التخلص من كل شيء تعلمناه عن هذا الصراع»، على الرغم من أن عدداً من الجنود الذين قاتلوا في العراق وأفغانستان سيتخلصون من بعض هذه المعرفة.
ولم يتم حتى الآن استخلاص العديد من الدروس المهمة لأميركا ما بعد أحداث 11 سبتمبر، في التفكير الاستراتيجي العسكري في القيادات العليا في الجيش، ولكنها يمكن أن تشكل «منهاجاً مثالياً» لكلية حربية وطنية، وللمعاهد العسكرية الأخرى، للتعليم العالي، وفق ما قاله قسطنطين، الذي يضيف «نحاول دائماً وضع الأشياء في سياقها التاريخي، لفتح منفذ لطلابنا للتفكير بصورة استراتيجية أكبر بشأن تقاطع القوة الصلبة والناعمة. وكيف يتخذون القرارات الصعبة.
آنا مولرين ■ مراسلة حربية لـ«مونيتور»
• يدرك القادة العسكريون الذين ترعرعوا في ميادين القتال، بأن «الحروب التي سيختارها أعداء أميركا الأذكياء ستكون شبيهة بحرب فيتنام إلى حد كبير، وشبيهة بمحاربة المتمردين في العراق وأفغانستان.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news