المنافسة محصلتها صفر بين قوتين عظميين

نشوب حرب باردة بين الولايات المتحدة والصين ليس أمراً حتمياً

صورة

يرى الكثير من الخبراء والمعلقين أن الولايات المتحدة والصين تتجهان نحو حرب باردة، أو انخرطتا فيها بالفعل. وفي تحليلهم، ينطبق المصطلح على المنافسة الاستراتيجية ثنائية القطب بين القوتين النوويتين العظميين وأيديولوجياتهما. وسيتكرر سيناريو الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، كمنافسة على السيادة العالمية، التي ستلزم الدول الأخرى باختيار جانب بين الديمقراطية والاستبداد. ولكن الحرب ستبقى «باردة» لأن أياً من الطرفين لا يسعى إلى مواجهة عسكرية مباشرة أو غزو. وفي الواقع، ستندلع الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين بشكل أساسي في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية.

ومع ذلك، يرى مراقبون آخرون، بثقة مماثلة، أنه لن تكون هناك حرب باردة بين أميركا والصين، لأن واشنطن وبكين ليسا في الواقع منخرطين في صراع أيديولوجي من أجل التفوق العالمي. ولا تسعى الصين للهيمنة على العالم أو تدمير الرأسمالية وأسلوب الحياة الأميركي. ولن يقسم بقية العالم نفسه إلى معسكرات أميركية وصينية. وقال سفير الولايات المتحدة السابق لدى روسيا مايكل ماكفول، إن مقارنة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين بالحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفييتي، تنطوي على مخاطر «سوء تشخيص طبيعة التهديد» و«سوء فهم لطبيعة المنافسة». وكما قال المؤرخ ملفين ليفلر، فإن الحرب الباردة حدثت «بسبب الظروف الخاصة التي واجهت الولايات المتحدة بعد عام 1945. والسياق التاريخي الذي تعمل فيه أميركا، اليوم، والتكوين السائد للقوة على الساحة الدولية، والجاذبية الأيديولوجية للنظام المنافس مختلف تماماً».

تجربة وحيدة

ما يُظهره هذا الانقسام في الرأي، هو أن ما إذا كان الاعتقاد أن هناك حرباً باردة بين الولايات المتحدة والصين، يعتمد على كيفية اختيار تعريف المصطلح. ولسوء الحظ، فإن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي هي التجربة السابقة الوحيدة والنموذج التاريخي الوحيد المتاح. وفي الواقع، لقد حددت جوانبها الفريدة والتراكمية المصطلح إلى حد كبير. ولكن لا تحتاج الدول إلى فعل ذلك حصرياً. وجورج أورويل، الذي صاغ مصطلح «الحرب الباردة» في أكتوبر 1945، كتشخيص للصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وأشار إليها ببساطة على أنها «سلام لا سلام»، وهي حالة عداء أقل من الصراع المسلح.

وتتشكل المنافسة بين الولايات المتحدة والصين لتناسب هذا الوصف الأساسي. وعلى الرغم من أن بكين لا تسعى إلى الهيمنة العالمية، أو القضاء على الديمقراطية، أو تدمير الرأسمالية (التي احتضنتها إلى حد كبير)، إلا أنها تسعى للحصول على شرعية عالمية لنموذجها الحاكم «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية». وتسعى الصين، أيضاً، إلى تعزيز ثروتها وقوتها ونفوذها، خصوصاً بالمقارنة مع الولايات المتحدة. وإلى حد كبير لأن الأخيرة كانت منذ فترة طويلة المعيار العالمي للثروة والسلطة والنفوذ. وترى بكين أن واشنطن تبنت سياسة احتواء فعلية لمقاومة زيادة النفوذ الصيني. وهذا يدفع القادة الصينيين إلى محاولة كبح جماح القدرات الأميركية التي تسعى إلى عرقلة الطموحات الصينية. ويسعى القادة الصينيون، أيضاً، إلى استغلال خطوط الصدع بين الولايات المتحدة والدول الأخرى التي قد تتعاون بطريقة أخرى مع جهود واشنطن للقيام بذلك.

كل هذا يتفاقم بسبب الافتقار إلى التعاطف الاستراتيجي من كلا الجانبين. ويبدو أن بكين وواشنطن غير قادرتين على فهم، أو لديهما عدم الرغبة في تقدير منظور كل منهما بشكل كامل؛ أو الاعتراف بالعنصر التفاعلي لسلوك كل منهما. وقد انعكس هذا بشكل كبير في التبادلات الدبلوماسية الأخيرة التي تحدث فيها الجانبان عن بعضهما بعضاً وشوه كل منهما خطاب الآخر. وتتفاقم هذه الهوة بسبب الاعتقاد الواضح لدى كل جانب بأن له اليد العليا في المنافسة. وأكدت واشنطن أنها ستتعامل مع الصين من «موقع قوة»، بينما رفض القادة الصينيون هذه الفرضية صراحة. وعلاوة على ذلك، يبدو أن بكين تحسب أن صعود الصين وانحدار الولايات المتحدة وصلا إلى نقطة انعطاف، حيث أصبحت بكين الآن في وضع يمكنها من مقاومة الضغط الأميركي والبدء في إملاء شروطها الخاصة بالعلاقة. وبالتالي فإن كلا الجانبين يبالغ في تقدير قوته ويقلل من نقاط ضعفه.

مواجهة صفرية

كلاهما على خطأ. والأهم من ذلك، كلاهما ضعيف بطبيعته. وخلف الصخب في التعامل مع بعضهم بعضاً، يواجه كلا الجانبين داخلياً هذا الضعف بطرق تزيد بشكل كبير من احتمال نشوب حرب باردة بينهما، بحكم الأمر الواقع - حسب تعريف أورويل. ويدفع الوضع السياسي المحلي في كل من الولايات المتحدة والصين إلى نهج مواجهة محصلتها صفر لكلا الجانبين.

ومع ذلك، فإن إدارة بايدن مقيدة بتبني تقييم محايد وقائم على التجربة للتحدي الذي تطرحه الصين، لأن القيام بذلك ينطوي على مخاطر أن يتم تصنيف الإدارة من قبل الجمهوريين؛ وحتى العديد من الديمقراطيين، على أنها ناعمة تجاه التهديد القادم من الصين. كما أن الانقسام الحزبي متوازن بشكل متساوٍ ودقيق في كل من الكونغرس والرأي العام، بحيث لا يميل لا بايدن ولا خليفته الجمهوري المحتمل، إلى المخاطرة بإعطاء حزب المعارضة مثل هذه الأدلة.

وعلى الجانب الصيني، يستند الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تشكل تهديداً وجودياً للصين، جزئياً، إلى بيانات السياسة الأميركية على مدار السنوات التي دعت ضمنياً أو بصراحة إلى تغيير النظام في بكين. وقد أثبتت مثل هذه التصريحات صحة مخاوف قادة الحزب الشيوعي الصيني العميقة والمشروعة من الاضطرابات الداخلية، واحتمال أن يتم مساعدتها وتحريضها من قبل جهات تخريب أجنبية. ولكن الآراء السلبية عن الولايات المتحدة في أوساط الشعب الصيني يغذيها، أيضاً، تاريخ من الانتهاكات الأجنبية للسيادة الصينية، التي لعبت فيها أميركا دوراً حتى قبل حكم الحزب الشيوعي الصيني، إضافة إلى التصورات عن السلوكيات الدولية الأميركية المتعجرفة والتدخلية، في العقود الأخيرة. وهذه التصورات تغذيها دعاية الحزب الشيوعي الصيني باستمرار، لكن هناك الكثير من الحقيقة التاريخية فيها.

والنتيجة هي ظاهرياً منافسة محصلتها صفر على الثروة والسلطة والتأثير بين أكبر قوتين في العالم، اللتين لديهما أنظمة سياسية واقتصادية متعارضة، وكلاهما يسعى للحصول على دعم دولي لهذه الأنظمة. وهذا له كل خصائص «سلام لا سلام» لأورويل. ومن الواضح أن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين ليست مرغوبة، كما أنها ليست بالضرورة حتمية. ولكن من الصعب للغاية رؤية كيف ستتخذ بكين وواشنطن، بشكل فردي أو مشترك، الخطوات اللازمة لتفادي ذلك. ولا يبدو أي من الجانبين جاهزاً أو قادراً على التغلب على سوء الفهم الأساسي، وعدم الثقة في الآخر، أو التغلب على المعضلات الداخلية التي تساعد على تأجيج سوء التفاهم وانعدام الثقة.

هل يمتلك القادة من كلا الجانبين الحكمة والشجاعة والإرادة السياسية لإعادة توجيه التاريخ نحو مسار مختلف؟

بول هير ■ زميل مجلس شيكاغو للشؤون العالمية.

• مقارنة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين بالحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفييتي، تنطوي على مخاطر «سوء تشخيص طبيعة التهديد».

• خلف الصخب في التعامل مع بعضهم بعضاً، يواجه كلا الجانبين داخلياً هذا الضعف بطرق تزيد بشكل كبير من احتمال نشوب حرب باردة بينهما، بحكم الأمر الواقع.

تويتر