المرصد.. «شاهد ماشافش ميكروباص»
أغلقت النيابة العامة المصرية ملف سقوط ميكروباص من كوبري الساحل بالقاهرة في جوف النيل، وقالت في بيان إن «البلاغ المقدم لها غير صحيح والشهود لم يروا شيئاً».
هي إذاً مسرحية «شاهد ماشافش حاجة» في نسختها الجديدة، استمرت لأيام في صحف وفضائيات القاهرة، والفارق أنها تمت على مسرح الواقع، والجمهور ملايين وليس آلافاً، والعصر هو زمن الملتي - ميديا.
بدأت القصة تحت العنوان الصحافي الدقيق عن «أنباء غير مؤكدة»، وظلت القصة تراوح مكانها لساعات، رغم إرسال عشرات الفضائيات كاميراتها الى مكان الحادث، محاولة استنطاق المارة أو أصحاب الميكروباصات أو المراكب أو حتى «النهر الخالد» الذي لم يظهر على سطحه شيء للعثور على سطر إضافي «لتسخين القصة»، لكن دون جدوى.
تلمظت، وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية الباحثة عن صيد، وتقدمت لتعوض النقص الواقعي في القصة، فنشرت على لسان من ادّعى أنه شاهد القصة، ومن تورط فذكر تفاصيل، ومن ذهب به التزوير فنشر فيديو زعم أنه متعلق بالحدث.
واشتطت هذه الوسائل والصفحات وتنافست في إنتاج عناوين مشتعلة، من نوع «تطور مفاجئ في قضية الميكروباص»، و«كاميرات المراقبة تكشف عن مفاجأة»، و«لحظة سقوط الميكروباص ثانية بثانية»، و«تفاصيل جديدة عن مثلث برمودا تحت كوبري الساحل»، و«سر سقوط الميكروباص من أعلى الكوبري»، و«كواليس لحظة سقوط الميكروباص»، وغير ذلك.
وترتب على هذا الموقف المشتعل، اندفاع السلطات بكل امكاناتها لانتشال «الميكروباص الغارق»، فأطلقت عشرات اللنشات والغواصين، لكن النتيجة التي واصلت تأكيد نفسها بعناد دون توقف أنه «لا ميكروباص هناك».
فـ«الداخلية» رغم مرور 72 ساعة لم تتلقّ بلاغات عن اختفاء أفراد، وتجمعات السائقين تؤكد أنه لا يوجد ميكروباص أو سائق اختفى من بينهم، والغواصون قالوا لا شيء تحت الماء، وخبراء المياه قطعوا باستحالة تحرك جسم زنته تقترب من طنّين في المياه.
في ظل هذه الأجواء كان لابد للنيابة أن تقطع الشك باليقين، فألقت القبض على سائق «التوكتوك» الذي خدش سور الكوبري، فقال إنه لم يبلغ خوفاً من مصادرة «التوكتوك»، وأعادت استجواب الشهود الذين قالوا في وقت سابق إنهم شاهدوا السقوط، وأصدرت أمرها بحبسهم، فتراجعوا وأقروا أنهم لم يروا شيئاً، وإنما سمعوا من الناس، وأصدرت بيانها القاطع أن القصة كلها غير حقيقية.
السطر الناقص في تتمة إغلاق القصة، هو نقاش تغوّل العالم الافتراضي على نظيره الواقعي، وانحراف الإعلام البديل ليصبح في لحظة مفبركاً لـ«عالم شرير بديل»، سطر معالجته لن تتم بالتأكيد على أرض القانون وحدها.
• في ظل هذه الأجواء كان لابد للنيابة أن تقطع الشك باليقين.