هرباً من الإغلاق والحرائق وغلاء المعيشة
أميركا تشهد هجرة جماعية من كاليفورنيا إلى تكساس
مع إغلاق المتنزهات والشواطئ، وارتفاع أسعار العقارات المستمر، وضعت جينيفر ديزيو وزوجها قائمة مختصرة بأكثر الأماكن المرغوبة للعيش في أميركا. وتقول ديزيو، 43 عاماً، وهي كبيرة الباحثين في مؤسسة «دروب بوكس» لخدمات التخزين السحابي، إن عائلتها كانت تقيّم مسار حياتها وتتساءل: «هل نتخذ الخيارات الصحيحة؟» إنه سؤال يطرحه العديد من الأميركيين الآخرين، الآن، في سان فرانسيسكو، عاصمة أميركا للتكنولوجيا. وتذكرت السيدة الأميركية زيارتها لمهرجان موسيقي في أوستن، عاصمة ولاية تكساس، وعلمت أن المدينة تتميز بجو رائع، قائلة: «لقد زرنا أوستن في أكتوبر الماضي لمدة خمسة أيام، ووقعنا في حبها، واشترينا مكاناً على الفور».
مثل السيدة ديزيو وزوجها وطفليها، يتدفق العديد من سكان كاليفورنيا الآخرين مصطحبين معهم أموال التكنولوجيا، إلى ولاية تكساس، هرباً من الإغلاق والضرائب المرتفعة، وتكاليف المعيشة الباهظة؛ في هجرة جماعية أدت إلى طفرة في أسعار المنازل في الولاية المنافسة لها.
ويعتبر قرار الملياردير إيلون ماسك بنقل مقر «تيسلا» الرئيس، من «بالو ألتو» في وادي السيليكون بسان فرانسيسكو، إلى أوستن رمزاً للنزوح من الساحل الغربي إلى «تلال السيلكون»، في تكساس. وربما يعتبر قرار ماسك المثال الأكثر لفتاً للنظر لعدد قياسي من تحركات الشركات والأشخاص.
وفي غضون ذلك، أسهم القادمون الجدد إلى تكساس في زيادة أسعار المنازل بنسبة 38%، في عاصمة تكساس هذا العام، مع ارتفاع أكبر في أسعار العقارات في المنطقة التي ستستقر فيها شركة «تيسلا». وأدى التحول الحاد إلى اليمين في سياسات تكساس، إلى تأجيل قدوم عدد من المهاجرين المحتملين من كاليفورنيا الليبرالية، لكن يبدو أن الأغلبية العظمى من المنفيين لا يندمون على اختيار ملاذ منخفض الضرائب مع منازل أكبر، وحرائق غابات أقل.
سكن باهظ
وتقول ديزيو: «أحد الأشياء الرائعة في العمل في مجال التكنولوجيا، في الوقت الحاضر، هو أن الكثير من الشركات قررت إما العمل عن بُعد أو خيار الدوام الهجين، وشركتي هي واحدة من الشركات التي اختارت الأول، لذا يمكنني العيش في أي مكان». ويتمتع منزل العائلة الجديدة بمناظر شاملة عبر الحزام الأخضر لمدينة أوستن، وبه حوض سباحة.
وتضيف المواطنة الأميركية «أعتقد أن الكثير من سكان كاليفورنيا قد أدركوا أن السكن باهظ، ونحن نعيش في منزل جميل مساحته 3200 قدم مربعة، هنا في أوستن»، متابعةً «في سان فرانسيسكو كان لدينا منزل ريفي مساحته 1400 قدم مربعة بلا ساحة، وكنا ندفع المبلغ نفسه».
وقال مدير معهد «كيندر» للأبحاث الحضرية بجامعة رايس في هيوستن، بولاية تكساس، وليام فولتون: «كان هناك دائماً تنافس بين تكساس وكاليفورنيا. إنهما الولايتان الوحيدتان اللتان كانتا دولتين مستقلتين قبل أن تكونا ولايتين، وكلاهما انضم إلى الاتحاد في الوقت نفسه تقريباً، وهما الولايتان الأكثر اكتظاظاً بالسكان». وتشير أبحاث فولتون إلى أن أسعار المنازل هي العامل الرئيس للهجرة من كاليفورنيا إلى تكساس، موضحاً «ليس هناك شك في أن تكساس تفوز بلعبة الإسكان حالياً، ولايزال عدد سكان تكساس في ارتفاع واضح، وبدأت ولاية كاليفورنيا في الانخفاض للمرة الأولى، منذ عقود».
أثبتت أوستن أنها الوجهة الأكثر جاذبية لمن تركوا كاليفورنيا، بسبب سمعتها باعتبارها المدينة الأكثر ليبرالية في ولاية تكساس، التي يسيطر عليها الجمهوريون. ويشعر بعض السكان المحليين بالقلق من أن التدفق الهائل للثروة التكنولوجية يحول المدينة الجامعية التي كانت هادئة للغاية، إلى مدينة مترامية الأطراف شاهقة الارتفاع، بسرعة فائقة.
ومن المقرر أن تحول شركة «غوغل» مقرها إلى تكساس، ليكون في أحدث مبنى في أوستن، وهو برج لامع مكون من 35 طابقاً، في طريقه للانتهاء في مايو؛ بينما تكمل شركة «أبل» حرماً جامعياً بقيمة مليار دولار، يمكن أن يضاعف قوتها العاملة في المدينة إلى 15 ألفاً. ويعمل مجمع مصانع «تيسلا» الواسع، على إنشاء منطقة جديدة بالكامل من المدينة على أرض خالية بالقرب من المطار، فيها مساكن «صديقة للبيئة» تعمل بالطاقة الشمسية.
وجهة مثيرة للاهتمام
وقالت غرفة التجارة في أوستن، إنه تم جلب 8628 وظيفة إلى المدينة، من قبل 18 شركة، نقلت العمليات من كاليفورنيا العام الماضي. ولا يقتصر الأمر على التكنولوجيا فحسب، فقد أعلنت شركة «كنغشان كالتري» لصناعة أدوات المطبخ، الأسبوع الماضي، أنها ستنتقل من تشينو، وهي مدينة قريبة من لوس أنجلوس، إلى مصنع في ليندر، وهي مدينة صغيرة تقع على الحافة الشمالية من مدينة أوستن، ما يوفر نحو 300 فرصة عمل.
بعض الوظائف الجديدة ستكون للعمال المحليين، وبعضها للخريجين الجدد، وبعضها للأشخاص الذين ينتقلون من الساحل الغربي. كما أن الطلب على العقارات مدفوع، أيضاً، من قبل متخصصي التكنولوجيا المنتقلة حديثاً، الذين اكتشفوا العمل عن بُعد أثناء الوباء ثم وجدوا ضالتهم في تكساس. وقالت سارة كوكربوم، 39 عاماً، وهي مصممة داخلية أسست «سليك ديزاين» في أوستن، قبل 10 سنوات، إن زبائنها الذين وصلوا من كاليفورنيا جاؤوا لأسباب مختلفة غير العمل. وقالت: «لدينا خمسة أو ستة عملاء انتقلوا من كاليفورنيا، لكن لم ينتقل أحد منهم إلى هنا للحصول على وظيفة»، متابعةً «لقد انتقلوا جميعاً إلى هنا لأنهم يستطيعون العمل عن بُعد، ومن الواضح أن تكساس أقل كلفة من كاليفورنيا، ويعتقد الناس أنها المركز الليبرالي المثير للاهتمام، إذ لدينا الكثير من المساحات الخارجية والوصول إلى الكثير من الجمال الطبيعي. وقال لي أحد العملاء إنها حرائق الغابات، ولم يعتقدوا أن كاليفورنيا مكان مستدام للعيش على المدى الطويل».
تفاوت ملحوظ
من عام 2015 إلى عام 2019، انتقل نحو 367 ألفاً من سكان كاليفورنيا إلى تكساس، وفقاً لتقديرات التعداد الوطني، مقارنة بنحو 197 ألف شخص انتقلوا من تكساس إلى كاليفورنيا. وعلى الرغم من الحملات الوحشية الأخيرة على حدودها الجنوبية، بدأت تكساس، أيضاً، في التفوق على كاليفورنيا في ما يتعلق بالهجرة الدولية، التي وفرت لمنطقة خليج المكسيك، على مدى عقود، مجموعة ضخمة من المهندسين والمربيات وعمال المطاعم وغيرهم من المقيمين المهاجرين. ومع 29.1 مليون ساكن موزعين على 269 ألف ميل مربع، تعد تكساس أكبر ولاية فعلياً، ولكنها أقل كثافة سكانية من كاليفورنيا، التي يبلغ عدد سكانها 39.5 مليون نسمة، وما يربو على 164 ألف ميل مربع.
ومع ذلك، فإن معدل المشردين في كاليفورنيا أعلى بأربع مرات منه في تكساس، والطلاب غير البيض أقل احتمالاً لتخرجهم في المدرسة الثانوية في كاليفورنيا، والضروريات مثل الكهرباء بنصف الثمن في تكساس. وبعد أزمة البطالة أثناء الوباء، يلاحظ مراقبون أن كاليفورنيا لديها، الآن، أعلى عجز في مزايا البطالة مقارنة بأي ولاية في البلاد، وذلك بفضل نظام يفرض ضرائب غير متناسبة على أرباب العمل، الذين يُشغّلون العمال ذوي الدخل المنخفض.
مدينة تنافسية
قال وكيل عقارات، مورغان سميث، الذي ولد في أوستن: «في السابق، كانت أوستن مجرد مدينة جامعية بها وظائف حكومية، ولم يكن لدينا الكثير من الثروة، لقد كنا مدينة موسيقية رائعة». وأضاف سميث، 50 عاماً، «أصبح من الصعب على سكان تكساس الانتقال إلى المدينة لأنها تنافسية للغاية، ولم نعتد على الحصول على 20 عرضاً لمنزل واحد، حتى هذا العام»، مشيراً إلى الطلب المتزايد على السكن. وأوضح وكيل العقارات «نرى الكثير من الأموال تأتي من كاليفورنيا، وهذا أمر مزعج للأشخاص الذين يعيشون هنا، والذين يتعين عليهم في الواقع الحصول على قروض».
ويعبر سميث عن القلق بشأن روح مدينته، قائلاً: «أفهم أن الأشخاص الذين يجلبون الثروة يرتقون بمدينتنا إلى مستوى مختلف، لكن ملامح أوستن تتغير وقد لا تعود المدينة إلى ما كانت عليه أبداً».
367 ألفاً من سكان كاليفورنيا انتقلوا للعيش في تكساس، من عام 2015 إلى 2019.
8628 وظيفة جديدة في أوستن، وفرتها 18 شركة، نقلت العمليات من كاليفورنيا العام الماضي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news