بيض أم ملونون.. التصنيف العرقي للأميركيين العرب يثير نقاشاً متجدداً
هل العرب الأميركيون بيض أم ملونون؟ الكثير في الولايات المتحدة يتساءل عن تصنيف العرب الأميركيين، وخلال انتخابات بلدية بوسطن وجدت أنيسة الصيبي، وهي مرشحة للانتخابات، نفسها أمام تحدٍّ بشأن تحديد هويتها، في مسار الحملة الانتخابية.
وواجهت الصيبي زميلتها في مجلس مدينة بوسطن، الديمقراطية ميشيل يوو، ابنة مهاجرين تايوانيين، وفازت الأخيرة لتكون أول امرأة وأول شخص «ملون» يتم انتخابه لأعلى منصب سياسي في المدينة.
والصيبي، التي تعرّف نفسها بأنها أميركية بولندية عربية، تعترف بأنها لا تصف نفسها دائماً بأنها شخص ملون، جزئياً، لأن الأميركيين العرب لا يتناسبون تماماً مع الخانة، التي يُطلب من الأميركيين عادةً التحقق منها في الاستمارات الرسمية، بما في ذلك تعداد الولايات المتحدة.
عقبات وتحديات
وقالت الصيبي في مقابلة تلفزيونية: «لقد وجدنا أنفسنا في هذا الموقف الغريب إذ لا يوجد خانة لنا للتعريف بأنفسنا على أننا عرب»، متابعة: «من المؤسف أن العرب ليست لديهم هذه الخانة في الاستمارات والنماذج الرسمية وغير الرسمية، ومن المهم أن يؤخذ المجتمع العربي في الحسبان، ويُنظر إليه ويُسمَع ويُعترف به»، وقالت المرشحة إنه تم تعريفها على أنها شخص ملون، خلال سنوات عملها في وظيفة عامة.
وتحدثت الصيبي مراراً عن العقبات التي واجهها والدها، وهو مهاجر مسلم من تونس، والتحديات التي تعتقد أنها ستواجهها، أيضاً، لأنها ابنته، وهاجرت والدتها، وهي كاثوليكية، من بولندا، وحذر والدها من أنه في مدينة مثل بوسطن، ذات التاريخ الطويل في انتخاب الرجال البيض، خصوصاً من أصل إيرلندي وإيطالي، لا يمكن لفتاة تحمل اسماً عربياً أن تنجح في السياسة أبداً، مع عدم وجود فرصة لتولي منصب عمدة المدينة، لكن الصيبي، المقيمة في بوسطن منذ فترة طويلة، والمعلمة في مدرسة عامة سابقاً، فازت بمقعد عام في مجلس مدينة بوسطن عام 2015، واحتلت المركز الثاني في الانتخابات التمهيدية، في سبتمبر.
وعلى الرغم من أنها تُعرف بأنها شخص ملون، إلا أن الصيبي ترى أن انتماءها لمدينة بوسطن، بما في ذلك لهجتها المحلية، يتيح لها قدراً معيناً من الامتياز بصفتها «امرأة يمكنها المناورة في مجالات مختلفة، وفي أماكن مختلفة»، وقالت أيضاً إنه بينما ترجع أصول عائلة والدها إلى شمال إفريقيا، فإنها لا تعتبر نفسها أميركية من أصل إفريقي، وهو مصطلح يقصد به الإشارة إلى السود.
ويمتد السؤال حول ما إذا كان يجب تصنيف الأميركيين العرب على أنهم أشخاص ملونون، إلى الجالية العربية الأميركية نفسها.
وقالت نُهى منتصر، التي تصف نفسها بأنها أميركية عربية مسلمة، أو أميركية ليبية مسلمة، إنها تشعر بالحيرة كلما تعين عليها تحديد الخانة المتعلقة بالعرق، ويتاح خيار «أبيض»، بدلاً من منحها خيار تحديد الهوية على أنها من شمال إفريقيا، وقالت منتصر: «لا أعرّف نفسي على أنني بيضاء، وهذا أمر محبط عندما يتعين علي تحديد ذلك».
وقالت إن الاختيار محبط للغاية لأن العديد من الأميركيين العرب لا يعيشون التجربة نفسها مثل الأميركيين البيض، حتى لو كانت بشرتهم بيضاء، وقالت إن هذا الإحساس بالآخرين يمكن أن يكون أكثر وضوحاً بين النساء الأميركيات العربيات، أو المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب، وتضيف منتصر، التي تعيش في سودبيري على بعد 45 ميلاً غرب بوسطن، وتعمل في لجنة التنوع والإنصاف والشمول في المدينة: «يتعين على الأشخاص مثلي إثبات أنهم أميركيون».
لحظة محورية
كما تتردد منتصر في تعريف نفسها بأنها ملونة، وفي ذلك تقول: «لأنني أفهم الاختلاف في تجربة النساء السوداوات في هذا البلد، فأنا لست مرتاحة للقول إنني شخص ملون».
وقال عضو مجلس مدينة كامبريدج السابق، نديم مازن، وهو أميركي عربي مسلم، إن عدم وجود خانة في النماذج والاستمارات للأميركيين العرب يمكن أن يحدّ، أيضاً، من الفرص الاقتصادية، وهذا مهم بشكل خاص عند التعامل مع عقود العمل المحتملة، لاسيما مع الحكومة الفيدرالية.
وأضاف مازن: «عندما تكون شركة مملوكة لأقلية أو امرأة، فهذا أمر مهم»، موضحاً: «يضع الناس الكثير من الافتراضات حول خانات تحديد العرق»، ويقول مازن، الذي يعيش في كامبريدج، إنه لا يبدو كشخص أسود، ولكن أيضاً لا يُنظر إليه على أنه أبيض، ويجد نفسه في ما وصفه بأنه نوع من الخانات المتحركة، واستطرد: «لا أقول إني شخص ملون أو لست ملوناً، لكني أعرف أن شخصاً مثلي يواجه تمييزاً أكثر بكثير من شخص مقيم في كامبريدج، من الطبقة العليا البيضاء».
وجاءت لحظة محورية في مسار حياة العديد من الأميركيين العرب مع هجمات 11 سبتمبر، إذ لايزال الكثيرون يشعرون بأنهم معزولون وتحوم حولهم الشكوك، بعد 20 عاماً من الأحداث.
تركيز على الاندماج
أظهر استطلاع أجراه مركز “أسوشيتد برس-نورك”، لأبحاث الشؤون العامة قبل ذكرى 11 سبتمبر، هذا العام، أن 53٪ من الأميركيين لديهم آراء سلبية تجاه الإسلام، مقارنة بـ 42٪ ممن لديهم آراء إيجابية. وقال محمد ميسوري، وهو المدير التنفيذي لـ “جيت باك”، ومقرها ماساتشوستس، وهي منظمة غير ربحية تسعى إلى بناء سلطة سياسية للمسلمين الأميركيين، إن الأجيال السابقة من العرب الأميركيين كانت تميل إلى التركيز على الاندماج أكثر من التركيز على هويتهم.
وقال ميسوري، وهو أميركي عربي، “مع الشباب في المجتمع العربي الأميركي، فإنك ترى أشخاصاً هدفهم بناء قوة فعلية، وليس فقط القوة لأنفسهم ولكن للمجتمع ككل،” متابعاً، “الشباب الأميركيون العرب فخورون جداً بتراثهم، ويعتبرون ذلك جزءاً لا يتجزأ من هويتهم كأميركيين.”
موضع نقاش
يقول محمد ميسوري المدير التنفيذي لـ “جيت باك”، ومقرها ماساتشوستس، إنه بينما أُجبر على وضع علامة على خانة “أبيض” في نماذج التعداد - المُعرَّفة على أنها “جميع الأفراد الذين ينتمون إلى واحدة أو أكثر من الجنسيات أو المجموعات العرقية التي نشأت في أوروبا، أو الشرق الأوسط، أو شمال إفريقيا”- لا يعتبر نفسه أبيضاً.
وما إذا كان العرب الأميركيون يندرجون في الفئة الأوسع كأشخاص ملونين، لا يزال موضع نقاش داخل المجتمع الأميركي، يوضح ميسوري، “الأميركيون العرب البيض يفضلون التعريف بأنهم من البيض،” متابعاً، “سيكون النقاش حول هذه المسألة سلساً ومتغيراً”.
وكان رئيس بلدية المدينة المنتخب سابقاً، وهو الديموقراطي مارتي والش، قد استقال ليصبح وزير العمل الأميركي في عهد الرئيس جو بايدن. وتم استبدال والش على أساس التمثيل، بالسيدة كيم جاني، التي أدت اليمين، في 24 مارس، كأول امرأة سوداء في بوسطن تتقلد منصب العمدة.
باعة جائلون
كان المهاجرون العرب من الجيل الأول، في بوسطن، يعملون بشكل أساسي باعة متجولين، وحمل هؤلاء الباعة الأقمشة والمشغولات اليدوية وغيرهما من البضائع في صناديق على ظهورهم، وتجولوا بها من منزل إلى آخر، في المدينة والضواحي المجاورة، لبيع بضاعتهم، وغامر آخرون بالذهاب إلى المناطق الريفية، في منطقة نيو إنجلاند، أو سافروا بالقطار عبر طرق امتدت حتى الغرب الأوسط.
وبينما كان الرجال يهيمنون على تجارة التجوال المبكرة، كانت المرأة السورية مألوفة في الشوارع المحلية، في أوائل القرن الـ20، وقد يستخدم الباعة المتجولون الناجحون أرباحهم لشراء خيول وعربات، لكن على المدى الطويل، تطلع الكثيرون إلى فتح متاجرهم الخاصة للبضائع الجافة والبقالة، كما انجذب المهاجرون السوريون إلى الصناعات التحويلية في المنطقة.
وبينما كان الآلاف يعملون في مصانع النسيج في لورانس ونيو بيدفورد، عمل السوريون في بوسطن بشكل رئيس في محال الملابس على طول شارع هاريسون، وجنباً إلى جنب مع عمال التطريز اليهود، أصبح السوريون الدعامة الأساسية لصناعة الملابس المحلية قبل الحرب العالمية الثانية.
ومثل اليهود، الأكثر نجاحاً، أنشأ العرب متاجرهم الخاصة، ووظفوا النساء والرجال القادمين من أوطانهم، وكان العمال السوريون حاضرين بشكل جيد في صناعات الأحذية والحلوى المحلية، ومثل مجموعات المهاجرين الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، كان السوريون يطمحون إلى امتلاك العقارات وبدء أعمال تجارية صغيرة، واستخدم الكثيرون أرباحهم كبائعين جائلين، أو عمال مصانع، لشراء متاجر صغيرة، أو منازل في «ساوث إند»، وحولوها إلى مساكن للعمال المحليين، ولم يحدث حتى الجيل الثاني، أو بعد ذلك، أن دخل السوريون الأميركيون العمل المهني بأعداد كبيرة، وعلى النقيض من ذلك وجد المهاجرون العرب، الذين وصلوا بعد عام 1965، فرص عمل في مجالات ذات رواتب أعلى، مثل الطب وتكنولوجيا المعلومات والهندسة والعلوم البحثية.
• ٪53 من الأميركيين لديهم آراء سلبية تجاه الإسلام، وفقاً لاستطلاع أجراه مركز «أسوشيتدبرس - نورك».