التنافس البريطاني الفرنسي يعرّض العالم الغربي للخطر
خلال هذا الأسبوع يقوم رئيس الحكومة البريطانية، بوريس جونسون، بحشد العالم كله لمواجهة أزمة تغيّر المناخ. ولكن جونسون يدير هذه القمة العالمية، وهو مشغول بخلاف حاد مع فرنسا بشأن صيد الأسماك.
وأصبح التنافس بين بريطانيا وفرنسا مشكلة دولية خطيرة في الآونة الأخيرة. وكانت قمة الدول السبع الغنية قد عقدت في شهر يونيو الماضي في ظل خلاف فرنسي بريطاني آخر، وتمحورت المشكلة في حينه حول أيرلندا الشمالية. ويبدو أن كل مشكلة بسيطة بين الدولتين تتحول إلى تبادل للتهديدات والإهانات. والمشكلة الأساسية ليس السمك ولا أيرلندا الشمالية، وإنما هي الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، وببساطة يمكن القول إن جونسون يريد لهذا الخروج أن ينجح، في حين أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يريده أن يفشل.
رسالة
وذكرت رسالة تسربت أخيراً من رئيس الوزراء الفرنسي، جان كاستكس، موجهة الى المفوضية الأوروبية، أنه من المهم الكشف للرأي العام الأوروبي أن تكاليف الخروج من الاتحاد الأوروبي أكبر بكثير من البقاء فيه. واستغل البريطانيون هذه الرسالة باعتبارها دليلاً على أن باريس تسعى لمعاقبة بريطانيا لقيامها بـ«البريكست». ويدّعي الفرنسيون أن البريطانيين يفسرون الرسالة على هواهم.
ويبدو حرص الحكومة البريطانية بإلصاق أسوأ الاحتمالات الممكنة لهذه الرسالة جلياً. وعلى الرغم من أن جونسون يشعر بنشوة قوية بعد نجاح مؤتمر حزب المحافظين، إلا أن استطلاعات الرأي توحي بأن البريطانيين يتوصلون إلى وجهة نظر مفادها أن «البريكست» كان خطأ فادحاً. وفي الرد على سؤال مفاده «بعد فوات الأوان، هل تعتقد أن بريطانيا كانت على صواب بخروجها من الاتحاد الأوروبي، قال 49% من الذي أجابوا عن السؤال انها كانت مخطئة، في حين قال 38% منهم أنها كانت على صواب فعلاً. وأظهر استطلاع اخر للرأي أجري حديثاً أن 53% من المشاركين فيه قالوا إنهم يعتقدون أن «البريكست» أدى إلى ارتفاع الأسعار.
متاعب على الطريق
ويمكن أن تؤدي هذه التغيرات في الرأي العام إلى إحداث المتاعب لجونسون، خصوصاً إذا تفاقم التضخم ونقصت المواد خلال الشتاء. وهذا من شأنه أن يجعل اختلاق الصراع مع ماكرون مسألة مغرية جداً. وإذا نفذ الفرنسيون تهديدهم بإبطاء حركة البضائع البريطانية عبر موانئ القنال الإنجليزي، فلا يمكن إلقاء اللوم لأي نقص في المواد ينجم عن ذلك على الفرنسيين، وانما على العيوب المتأصلة في «البريكست».
وتبدو الحكومة البريطانية مستعدة أيضاً لإجراء تغييرات أحادية الجانب في بروتوكول أيرلندا الشمالية، والتي كانت جزءاً من اتفاقية «البريكست». ويمكن أن يساعد أي شجار مع فرنسا جونسون للادعاء بأن هذه التغييرات هي رد على التعنت الفرنسي، وليس نتيجة سوء نوايا بريطانيا. وكما هي الحال لدى جونسون، فإن ماكرون يواجه ضغوطاً سياسية شديدة، فهو يواجه الانتخابات الرئاسية في شهر أبريل المقبل. ويكرر النجم الصاعد من أقصى اليمين، ايريك زيمور، قوله إن «البريطانيين فازوا بمعركة (البريكست)»، ولذلك فإن ماكرون يجب عليه إزالة هذه الفكرة.
وجاءت صفقة الغواصات، وهي باختصار اتفاق أمني تم التفاوض حوله سراً بين استراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بمثابة الضربة القاصمة لفرنسا. ويقول أحد المسؤولين في الولايات المتحدة: «اعتقدت فرنسا أن (بريكست) جعل بريطانيا تفقد الكثير من هيبتها، وان باريس ستتجاوز لندن. وبعد ذلك اكتشفوا أننا نجري اتفاقية سرية مع البريطانيين من وراء ظهورهم»، تضاعف غضب الفرنسيين نتيجة خسارتهم لعقد دفاعي كبير جداً مع أستراليا. وانعكست الضغوط التي تواجهها حكومة ماكرون في اللهجة شبه الهستيرية لبعض الاتصالات الأخيرة. وأكد الوزير الفرنسي لشؤون الاتحاد الأوروبي، كليمان بون، أن اللغة الوحيدة التي تفهمها بريطانيا هي القوة.
تخفيف التوتر
ومن الواضح أنه لابد من القيام بشيء لتخفيف التوتر الذي استمر لأسابيع عدة. وقدّم بن جوداه، من المجلس الأطلسي الفكري، وهو يحمل الجنسيتين البريطانية والفرنسية، اقتراحاً ابداعياً مفاده أن تقوم كلا الدولتين بإنشاء لجنتين مشتركتين من كبار الشخصيات للعمل على خطة تهدف للمصالحة بين الدولتين. وفي عالم مثالي يمكن لمثل هذه المبادرة أن تمهد الطريق من أجل «اتفاق ودي» جديد. وتم الاتفاق الأول عام 1904 وأدى إلى نزع فتيل جولة سابقة من التنافس البريطاني الفرنسي. ولكن يبدو أنه لا فرنسا ولا بريطانيا مستعدة لإصلاح ذات البين. ويتوقع السفير البريطاني السابق في باريس، بيتر ريكتس، أنه سيكون هناك العديد من سنوات التنافس والنزاع قبل أن تتحسن العلاقات في نهاية المطاف.
ولكن التحالف الغربي لا يمكنه تحمّل ذلك. ويبدو أن السموم التي لطخت العلاقات البريطانية الفرنسية قابلة للانتشار والعدوى في حلف الناتو ومجموعة الدول السبع، والمفاوضات الدولية حول كل شيء بدءاً من أزمة تغير المناخ إلى التجارة العالمية.
وستسهم هذه المواجهة بين فرنسا والمملكة المتحدة في زيادة صعوبة تشكيل المواقف المشتركة للدول الغربية في النزاعات مع الصين وروسيا. ويشعر الباحث توماس رايت من معهد بروكينغز بالقلق من أن بريطانيا وفرنسا تخاطران بالتحول إلى نموذجين لـ«اليابان وكوريا الجنوبية الأوروبيتين»، وهما حليفتان مقربتان من الولايات المتحدة، ولكن تدور بينهما منافسة مريرة.
بناء الجسور
وفي آسيا، تحاول الولايات المتحدة بناء جسور بين طوكيو وسيؤول. وحان الوقت بالنسبة لواشنطن كي تقوم بالدور ذاته بين لندن وباريس. وتحتاج واشنطن إلى إزالة الوهم من كلا الجانبين. وتحتاج بريطانيا لأن تفهم أن الولايات المتحدة ترى الاتحاد الأوروبي شريكاً مهماً، وهي لن تعمل على خسارة الاتحاد الأوروبي من أجل بريطانيا. ويجب على الفرنسيين أن يقبلوا بأن الولايات المتحدة تريد «البريكست البريطاني» أن يحقق النجاح ولن تقوم بمعاملة المملكة المتحدة كدولة مارقة. وفي الحقيقة فإن قدرة الولايات المتحدة للعب دور الوسيط النزيه قد أصبحت أكثر تعقيداً بعد صفقة الغواصات مع أستراليا. ولكن يبدو أن الرئيس الأميركي جو بايدن نادم حقاً على خداع فرنسا وتحرك سريعاً لإصلاح الأمور.
وفي الواقع، ستسهم حقيقة أن كلاً من ماكرون وجونسون يقدّران بصورة واضحة علاقتهما المقربة من بايدن في منح الولايات المتحدة فرصة ما. وباستخدام لغة الإرشاد والنصح، يتعين على الأميركيين «ترتيب طريقة تدخل»، وعليهم المحاولة لإقناع البريطانيين والفرنسيين التخلي عن معظم تهديداتهم الغريبة، والعمل معاً من أجل مصلحة البلدين والعالم الغربي بصورة عامة.
• السموم التي لطخت العلاقات البريطانية الفرنسية قابلة للانتشار والعدوى في حلف الناتو ومجموعة الدول السبع، والمفاوضات الدولية حول كل شيء بدءاً من أزمة تغير المناخ إلى التجارة العالمية.
• جاءت صفقة الغواصات، وهي باختصار اتفاق أمني تم التفاوض حوله سراً بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، بمثابة الضربة القاصمة لفرنسا.
• كل مشكلة بسيطة بين بريطانيا وفرنسا تتحول إلى تبادل للتهديدات والإهانات. والأمر لا علاقة له بالسمك ولا أيرلندا الشمالية، وإنما هو الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، وببساطة يمكن القول إن جونسون يريد لهذا الخروج أن ينجح، في حين أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يريده أن يفشل.
جدعون راشمان - صحافي بريطاني