«بناية الطور».. قارعة الطريق تنتظر 35 طفلاً مقدسياً وذويهم
«بابا وين بدنا نعيش بعد هيك، ووين بدنا نلعب لما دارنا تنهدم؟»، تساؤلات بسيطة ذات معانٍ كثيرة، نطقتها ألسنة بريئة، فمنذ تلقي والدهم، إياد الغوج، قرار هدم منزلهم من قبل بلدية الاحتلال، انهال الشقيقان عماد (خمسة أعوام)، وينال (أربعة أعوام)، عليه بتوجيه تساؤلات كثيرة، لم تتوقف يوماً واحداً، عن مصير وجودهم في منزلهم الذي يحتضنهم منذ المهد.
وفي ساعات الليل، تزداد مخاوف الطفلين الشقيقين بشكل أكبر، وتكثر معها تساؤلاتهما، التي لا تحتمل رداً سوى علامة الاستفهام التي تحملها في طياتها، حيث يرفضون النوم، مخاطبين والدهم ببراءة متناهية: «لا نريد النوم خشية أن تأتي جرافات الاحتلال وتهدم البيت فوق رؤوسنا»، «بابا هل فعلاً الاحتلال سيهدم بيتنا ونصبح في الشارع؟ وبعد ذلك أين ستذهب أنت وماما وجدي وجدتي؟!».
هذه الأقوال التي تخرج من أفواه بريئة صغيرة، تحمل دلالات خطرة، من شأنها زيادة حجم الخوف والمعاناة داخل نفس والدهم إياد، الذي تواجه عائلته المكونة من 10 أفراد خطر التشرد والتهجير في أي لحظة.
الضحية الأولى
ويقول المقدسي إياد الغوج، البالغ من العمر 27 عاماً، لـ«الإمارات اليوم»، إن «أطفال القدس هم الضحية الأولى والأكبر لسياسة الاحتلال التعسفية ضد السكان المقدسيين، فمشهد الأطفال وهم يتساءلون عن مصير منزلنا الذي يواجه قراراً إسرائيلياً بإزالته بالكامل، هو ما يصيب النفس بالقهر والحزن الشديدين».
ويضيف: «منذ أن تلقيت أمر الهدم، مطلع نوفمبر الجاري، جلس عماد وينال على باب شقتنا في البناية السكنية، فيما خطّت ملامح الحزن وجوههم الطفولية البريئة، فور معرفتهم بقرار الهدم».
ويواصل الغوج حديثه قائلاً «لم يتوقفا عن توجيه الأسئلة لي ولوالدي وزوجتي عن جدية أمر الهدم، وهل فعلاً ستهدم جرافات الاحتلال منزلنا، وسنصبح بلا مأوى؟ وأين سيلعبون وينامون بعد ذلك؟! وفي حقيقة الأمر فإن هذه التساؤلات تعقّد معاناتنا، حيث نعجز عن إجابة تساؤلات الطفلين الصغيرين، ونكتفي بالقول لهم: إن شاء الله سنبقى في منزلنا، ولن يُهدم أبداً».
شبح التهجير
صباح الخميس، الرابع من نوفمبر الجاري، سلمت بلدية الاحتلال 10 عائلات مقدسية قرارات تقضي بإخلاء منازل البناية السكنية التي تعود ملكيتها إليهم، في منطقة السهل ببلدة الطور شرق مدينة القدس، بحجة البناء دون ترخيص، وأمهلت محكمة الاحتلال العائلات العشر حتى نهاية الشهر الجاري، لهدمها قسراً بشكل ذاتي، مقابل دفع 200 ألف شيكل في صندوق المحكمة.
وبذلك يضاف عماد وينال الغوج إلى 35 طفلاً مقدسياً يعيشون في بناية الطور، التي تواجه قراراً إسرائيلياً ينذر بهدمها وتسويتها بالأرض، ليطارد شبح التهجير أولئك الأطفال وعائلاتهم في أي حين.
ويشير المواطن المقدسي الغوج إلى أنه يعيش برفقة والديه وأشقائه وزوجته وطفليه في شقة سكنية داخل البناية السكنية المكونة من خمس طبقات، والتي تضم 10 شقق سكنية، الأمر الذي سيحرم سكان البناية، البالغ عددهم 70 مقدسياً، نصفهم من الأطفال، من مأواهم الوحيد الذي يعيشون فيه منذ عام 2011.
ويضيف: «الكثير من الذكريات الجميلة قضيتها مع أهلي وزوجتي وأطفالي على مدار 10 سنوات، داخل منزلنا في البناية السكنية المهددة بالهدم، جميعها سيصبح هباءً منثوراً، وتتناثر مع غبار ركام وحجارة بنايتنا جراء هدمها».
ويقول «لا نمتلك منزلاً سوى الذي أعيش فيه أنا وأهلي وعائلتي الصغيرة، وبكل صدق سيكون مصير 10 أفراد، وجميع سكان بنايتنا السكنية، هو قارعة الطريق، بعد هدم مأوانا الوحيد».
معضلة شديدة
بعد استلام العائلات المقدسية العشر قرارات هدم منازلها، تقدمت بالتماس لمحكمة الاحتلال، اعتراضاً على قرار بلدية الاحتلال ضد مأواهم الوحيد، لتؤجل المحكمة في الـ11 من شهر نوفمبر الجاري قرار هدم البناية السكنية في بلدة الطور شرق القدس المحتلة لمدة شهر.
ويقول المحامي الفلسطيني، مدحت ديبة، أحد الموكلين بالدفاع عن سكان بناية الطور، إن «العائلات العشر التي تسلمت قرارات بهدم منازلها في البناية السكنية توجهت إلينا، من أجل تقديم طلب التماس لدى محكمة شؤون بلدية الاحتلال في مدينة القدس الشريف، اعتراضاً على أوامر الهدم ضد مأواهم الوحيد، وتأجيلها، وتمكنّا من ذلك لمدة شهر، مع إمكانية الحصول على تمديدات أخرى».
ويشير إلى أن محكمة بلدية الاحتلال، وبناءً على الطلب الاحترازي المستعجل الذي قدم لها من قبل فريق المحاماة الفلسطيني، أجلت قرار هدم البناية السكنية في سهل بلدة الطور المقدسية، إلى تاريخ التاسع من ديسمبر المقبل.
ويوضح المحامي ديبة أن المعضلة الشديدة التي يواجهها السكان المقدسيون شرق مدينة القدس الشريف، وبلدة الطور إحداها، هي أن بلدية الاحتلال في المدينة المقدسة تتبع سياسة تعسفية ضدهم، إذ لا تسمح بمنحهم أي تراخيص للبناء.
ويضيف أن «العائلات المقدسية، ومنهم سكان بناية الطور السكنية، قدموا عشرات المخططات الهندسية، من أجل الحصول على تراخيص البناء، ولكن سرعان ما تخطرهم بلدية الاحتلال في المدينة المقدسة بقرار هدم جديد لمنازلهم».
• المعضلة الشديدة التي يواجهها السكان المقدسيون شرق مدينة القدس، وبلدة الطور إحداها، هي أن بلدية الاحتلال في المدينة المقدسة تتبع سياسة تعسفية ضدهم، إذ لا تسمح بمنحهم أي تراخيص للبناء.