على الرغم من قناعتهم بأنها لن تجلب التغيير السريع
الإصلاحيون اللبنانيون يستبدلون الشارع بصناديق الاقتراع
لأشهر عدة بقي المتظاهرون اللبنانيون في الشوارع، بعد اندلاع شرارة الانتفاضة في أكتوبر 2019، عندما تظاهر عشرات الآلاف ضد الفساد والانهيار الاقتصادي وطالبوا بالمحاسبة، والحقوق الاجتماعية. والآن أخذوا يركزون جهودهم ليس على حواجز الشوارع وإنما على صناديق الاقتراع، على أمل التخلص من النخبة السياسية المتجذرة في الحكم، في انتخابات العام المقبل.
ولكن المتظاهرين يواجهون عقبات كبيرة، أهمها نظام تقاسم السلطة الفاسد والطائفي والرافض للإصلاح. وهم أيضاً يعارضون الميليشيا التي تسيطر على كل مقاليد السلطة في لبنان. ومع ذلك، يأمل جيل جديد من الناشطين السياسيين الاستفادة من الزيادة في اهتمام الشعب بالوضع السياسي في لبنان خلال العامين الماضيين، لجعله دولة أكثر ديمقراطية.
وتشكلت مجموعة الناشطين المعروفة باسم «منتشرين» في انتفاضة عام 2019، ومن ثم تعززت إثر انفجار مرفأ بيروت الذي وقع الصيف الماضي، وهي أكبر المجموعات الناشطة الجديدة في لبنان.
وشاركت اللبنانية ميا عطوي، 34 عاماً، وهي أخصائية نفسية، في تأسيس منظمة «امبريس» وهي الخط الساخن الوحيد في لبنان لمنع الانتحار، وانضمت إلى حزب «منتشرين»، بعد شهور من انتشار تظاهرات الانتفاضة. وجاءت نقطة الانعطاف المهمة لحزب منتشرين عشية انفجار بيروت في أغسطس 2020، عندما تعرض ناشطو الحزب المحتجون للاعتداء، وأطلقت الشرطة وقوات الأمن النار عليهم، ما دفع المجموعة إلى التحول إلى الحزب «الليبرالي» التقدمي كما هو الآن. وقالت عطوي التي سترشح نفسها للانتخابات البرلمانية ممثلة عن مجموعة «منتشرين» عن دائرة بيروت في شهر مارس المقبل «أدركنا أن أفراد الطبقة السياسية والطبقة الحاكمة مستعدون لعمل أي شيء للبقاء في السلطة».
صعوبة التغيير
ولكن حتى لو فازت عطوي والمرشحون المستقلون الجدد في هذه الانتخابات، فلن يجلب ذلك التغيير المباشر. إذ إن أكبر مشكلة ستواجههم أن لبنان ليس دولة ذات سيادة بصورة كلية. والإصلاح الحقيقي لا يمكن أن يتطور طالما استمرت التدخلات الأجنبية في الدولة خصوصاً الدعم الإيراني لحزب الله. حيث إنه بعد انتهاء الوجود السوري للبنان عام 2005 أحكم حزب الله قبضته على الدولة.
ويمتلك حزب الله سلطة أكبر في مناطق سيطرة الائتلاف المعروف بـ«8 اذار». وهو يمتلك تاريخاً طويلاً برفض تعيين رئيس الحكومة إذا لم يكن منحازاً إليه، إضافة إلى المماطلة في تشكيل الحكومات الجديدة، أو تقويض الموجودة.
ولكن الطريقة الأكثر أهمية التي يقوم حزب الله من خلالها بالسيطرة على السياسة تتمثل في العنف والاغتيالات. ومن بين ضحايا الاغتيالات محمد شطح، وهو مستشار في السياسة الخارجية لرئيس الحكومة في حينه سعد الحريري عام 2013، وهو والد روني شطح المعلق السياسي والكاتب اللبناني. وقبل مقتله ببضعة أيام أرسل رسالة إلى البرلمان كي يطالب إيران بإعادة النظر في دعم حزب الله، من أجل فسح المجال أمام إصلاح لبنان.
وقال روني شطح «خلال الـ16 سنة الماضية، ظل كثير من اللبنانيين يطالبون بإجراء إصلاحات في لبنان، وهم اقتصاديون، وصحافيون، ودبلوماسيون، وكل شخص أراد للحكومة والمجتمع أن ينجحا تعرض للقتل.
ولهذا يبقى السؤال: كيف تتوقع أن يقوم الشعب بالمزيد؟».
تردي الأوضاع أكثر
وعلى الرغم من ظهور العديد من حركات الاحتجاج والمزيد من الإصلاحيين في التاريخ اللبناني، إلا أن الوضعين الاقتصادي والسياسي يزدادان سوءاً باستمرار. ويقول شطح ثمة أسباب تجعلنا نتشكك في ما يمكن أن يقوم به الجيل الجديد من الناشطين. وأضاف «ربما إنها قصة متكررة، وليس لها أي علاقة بالانقسامات الداخلية في لبنان، وإنما بالمنطقة بصورة شاملة، وهي تفوق قوة أي ناشط».
ولكن هذه الانقسامات الداخلية حقيقية. وإثر استقلال لبنان عن فرنسا عام 1943 تم توزيع السلطة السياسية على نظام طائفي، وتوزيع مقاعد البرلمان وفق الحصص الدينية. وتم تضخيم هذه الترتيبات الطائفية في أعقاب نهاية الحرب الأهلية في عام 1990، عندما اقتضت هذه الترتيبات أن يكون في جميع المؤسسات العامة في لبنان أعداد معينة من المسيحيين، والدروز، والشيعة، والمسلمين السنة. وكان اللبنانيون يدخلون إلى ملاك هذه المؤسسات عبر تقسيمهم الطائفي، وليس من خلال حكومة فاعلة، في حين حصل قادة هذه الطوائف على وزارات خاصة لأنفسهم.
ومنذ نهاية الحرب الأهلية على وجه الخصوص، واجه لبنان حائطاً مسدوداً وظل رجال السلطة في أماكنهم دون تغيير، فقد عمل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري فترتين في منصبه، وكذلك ابنه سعد بقي مرتين، ورئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي عمل في هذا المنصب لثلاث مرات، لأن هؤلاء الأشخاص يتمسكون بالسلطة ولا يسمحون بمجيء وجوه جديدة. وتأمل عطوي أن يتمكن حزب «منتشرين» الفتي الذي يقل أعمار معظم أفراده عن 40 عاماً من كسر هذا الحاجز. وقالت عطوي «الانتخابات المقبلة ستكون فرصتنا التاريخية لدخول وجوه جديدة إلى عالم السياسة».
دور الشتات
وثمة فرصة كبيرة أخرى، وهي اللبنانيون في الشتات. ومنذ تفاقم الأزمة الاقتصادية في نهاية عام 2019، وتفجير بيروت المدمر، تشير التقديرات إلى أنه ما بين 200 إلى 300 ألف مواطن غادروا لبنان، ولكن ليس من السياسيين اللبنانيين. ويبلغ تعداد اللبنانيين في الشتات الذين سجلوا أنفسهم للمشاركة في الانتخابات العام المقبل 244442 شخصاً، وهي قفزة كبيرة عن الرقم السابق الذي كان 93 ألفاً تم تسجيلهم في انتخابات عام 2018. وبالطبع فإن الأشخاص الذين فقدوا كل شيء بما فيه منازلهم خلال العامين السابقين سيكون تصويتهم غاضباً طبعاً. وتصويت الشتات مهم بصورة مختلفة، إذ إن التصويت من خارج البلد يكون حراً من شبكات «المحسوبية»، التي تقيد الناخبين عادة مع أحزابهم في لبنان. وعادة ما تعمل الأحزاب التقليدية السياسية على إضعاف الدولة كي تقوم باحتكار الخدمات الأساسية، وعندما تنتهي الانتخابات تبدأ بمكافأة ناخبيها.
وتقول المديرة الإدارية لمجموعة «كلنا إرادة» ديانا مينهم، وهي مجموعة سياسية ناشطة تحاول رفع الوعي، إن الخدمات الاجتماعية يجب أن تقدمها الحكومة، وليس الشبكات المنبثقة عن الطائفية. وتتشارك هذه المجموعة مع المجموعات السياسية الصاعدة مثل «منتشرين»، وتقدم الدعم للمجموعات التي تواجه الطبقة السياسية، بشرط أن تعارض الأحزاب السياسية الستة في السلطة.
وفي كل الأحوال، فإن الأزمة الاقتصادية في لبنان تعمل الآن على إضعاف شبكات المحسوبية. ونتيجة ضعف القوة الشرائية بات من الصعب على الأحزاب السياسية تقديم الخدمات الاجتماعية، وفرص العمل مقابل الدعم. وقالت عطوي «حتى مع العلاقات التي يتمتعون بها فإن أحزابهم السياسية لم تعد قادرة على تقديم الخدمات التي اعتادت تقديمها لهم قبل الأزمة».
وبالنظر إلى جميع التحديات التي تواجه إجراء الإصلاح في لبنان، تدرك عطوي ومينهم أهمية تشكيل معارضة موحدة وأكبر ائتلاف ممكن لتغيير ديناميكية البرلمان، حتى ولو ظلت الكلمة الأخيرة لحزب الله. وقال روني شطح «بغض النظر عمن سيكون في البرلمان ومن سيحكم الدولة، ثمة خطوط حمراء لا يمكنهم تجاوزها. وعندما يكون ثمة أمر يعتبر مشكلة بالنسبة لحزب الله، فيعمل على تقويض الحكومة للتخلص منه»، ويقوم حزب الله بذلك عن طريق الطلب من أعضائه وحلفائه الاستقالة من البرلمان، بصورة جماعية، إذا كان ائتلافه يشكل الأغلبية كما فعل في عام 2011، بعد أن قامت الأمم المتحدة بإدانة المشتبه فيهم من حزب الله، باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري.
وتتمنى عطوي والناشطون الإصلاحيون رؤية لبنان حراً من التدخل الأجنبي بحكومة فاعلة. وهم يعتبرون الانتخابات المقبلة بمثابة الخطوة الأولى، ولكنها ليست الأخيرة.
وقالت عطوي «لن يكون هناك أي توقعات بحدوث تغيرات جذرية في المستقبل القريب، بالنظر إلى أن الإصلاحيين يحاربون نظاماً عمره 40 عاماً»، وأضافت «بل على العكس هذه السنوات ستتميز بالصراع الشرس مع من يملكون السلطة، ولهذا ستكون السنوات المقبلة هي الأكثر صعوبة قبل أن نبدأ بحصد ثمار ما زرعناه في أيامنا هذه».
• تصويت الشتات مهم بصورة مختلفة، إذ إن التصويت من خارج البلد يكون حراً من شبكات «المحسوبية»، التي تقيد الناخبين عادة مع أحزابهم في لبنان.
• منذ نهاية الحرب الأهلية على وجه الخصوص، واجه لبنان حائطاً مسدوداً وظل رجال السلطة في أماكنهم دون تغيير، إذ عمل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري فترتين، وكذلك ابنه سعد بقي مرتين، ورئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي شغل هذا المنصب ثلاث مرات، لأنهم يتمسكون بالسلطة ولا يسمحون بمجيء وجوه جديدة.
• الأزمة الاقتصادية في لبنان تعمل الآن على إضعاف شبكات المحسوبية. ونتيجة ضعف القوة الشرائية بات من الصعب على الأحزاب السياسية تقديم الخدمات الاجتماعية، وفرص العمل مقابل الدعم.
• على الرغم من ظهور العديد من حركات الاحتجاج والمزيد من الإصلاحيين في التاريخ اللبناني، إلا أن الوضعين الاقتصادي والسياسي يزدادان سوءاً باستمرار.
تيسا فوكس: صحافية مستقلة، ومصورة، ومخرجة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news