العقوبات الأميركية على سورية عبثية وتزيد من الصعوبات
في ذروة الحرب الأهلية السورية هرب كثير من السوريين خوفاً من القصف العنيف للنجاة بأرواحهم، ولكن معظم الذين بقوا داخل البلد كانوا مصممين على عدم المغادرة، رغم الفقر المدقع الذي يعيشونه. وفي الآونة الأخيرة، كان السوريون من ضمن المهاجرين الذين تجمعوا على حدود الاتحاد الأوروبي من جانب بيلاروسيا. ويعتقد أن هذه الأزمة تم تدبيرها من قبل أطراف عدة، أهمها روسيا وبيلاروسيا، ولكن فرار السوريين من الاقتصاد المدمّر داخل بلادهم، كان حقيقة واضحة للجميع.
المجتمع الدولي غسل يديه من الأزمة
لم يتبدد يأس السوريين على الرغم من هدوء الصراع المسلح. وكشفت هذه الأزمة عن السياسات الغربية الفاشلة. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يغسل يديه منها ببساطة عن طريق فرض العقوبات. وعليه أن يفكر بصورة أكثر واقعية، ويجد الطريقة المناسبة لرفع تلك العقوبات، من أجل تحسين حياة السوريين، بدلاً من مجرد إبقائها والقول إن العالم فعل شيئاً مهماً لمعاقبة الرئيس السوري بشار الأسد، لما فعله في تلك الحرب.
ووفق وكالة أسوشييتدبرس للأنباء، فإن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تركت الأزمة تتفاقم.
82 ألف سوري قدموا طلبات لجوء عام 2019
وعلى الرغم من تناقص تعداد السوريين المتجهين إلى أوروبا، مقارنة بما كان عليه قبل خمس سنوات، إلا أن أعدادهم تزايدت تدريجياً، ووصلت إلى الذروة في العام الماضي، بالنظر إلى تزايد المعاناة من ظروف الحياة الصعبة. ووفقاً لوكالة أسوشييتدبرس للأنباء، فإن 82 ألف سوري قدموا طلبات لجوء إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2021، منهم 66 ألفاً قدموا هذه الطلبات للمرة الأولى. وهذا ما يمثل زيادة بنسبة 70% على العام الماضي، على الرغم من ارتفاع أعداد السفن التي تتحطم وتغرق في أعالي البحار. ووفق إحدى الإحصاءات فإن 64% من السوريين داخل الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية، يريدون مغادرة الدولة لمكان آخر. وأصبحت الآن أوروبا موطناً لنحو مليون سوري، ولا توجد رغبة لقبول المزيد منهم في القارة العجوز. وتعتبر الرحلات في مراكب متهالكة هي الطريقة الوحيدة للنجاة خارج الدولة.
سباحة في نهر متجمد
حاول المهندس السوري (أبوزاهر - 33 عاماً)، العبور إلى ألمانيا من بيلاروسيا ثلاث مرات، ولكنه كان يُعتقل أو يتم ترحيله. وفي محاولته الأولى هجره المهربون في غابة على الحدود البولندية. وبعد مرور بضعة أيام أجبره الجيش البيلاروسي على السباحة في نهر شبه متجمد، للعبور إلى ليتوانيا. واعتقله حرس الحدود في ليتوانيا، وأعادوه إلى بيلاروسيا. وفي محاولته الثالثة وصل إلى بولندا، ولكنه تعرض للضرب من قبل الشرطة البولندية، ومرة أخرى تم طرده إلى الغابات. وأنفق جميع الأموال التي كان يملكها، وعانى الإرهاق لكثرة الركض. ومع ذلك، فإنه يقول إنه سيحاول تكرار محاولة الوصول إلى ألمانيا مهما كلف الأمر، بدلاً من العودة إلى سورية، حيث لا توجد كهرباء، ولا مواد غذائية أساسية، كما أن الوقود يعتبر من المواد الثمينة.
ارتفاع الأسعار 100%
ويعيش 90% من السوريين في الفقر، وهم غير قادرين على تحمل شراء الضروريات. وتناقصت قيمة العملة المحلية بصورة حادة خلال السنة الماضية، بالتوازي مع انهيار العملة اللبنانية، وارتفعت أسعار المواد الغذائية أكثر من 100%.
وانهار اقتصاد الدولة نتيجة للحرب الأهلية، إضافة إلى انهيار القطاع البنكي في لبنان، ما أدى إلى فقدان ليس فقط مدخرات اللبنانيين فحسب، بل السوريين أيضاً. ولكن العقوبات الغربية التي تحظر إعادة جميع أشكال إعادة البناء، بما فيها منشآت الطاقة والمدن المدمرة، أدت إلى تفاقم البؤس لدى السوريين، وقضت على أي فرصة للتعافي.
مستثمرون أجانب
ويأمل السوريون أن يساعدهم مستثمرون أجانب على بناء دولتهم، ما يسمح لهم بالعيش بصورة مقبولة. ولكن هذا الأمل تبخر، عندما تم فرض قانون قيصر لحماية المدنيين في يونيو 2020. ويهدد هذا القانون الأميركي بفرض عقوبات على كل شركة أميركية أو غيرها، إذا قدمت مساعدة مالية أو مادية أو تقنية للحكومة السورية.
وليس هناك أي خلاف على فرض العقوبات على الشخصيات التي ارتكبت جرائم. ويعتقد بعض الخبراء أن مرتكبي الجرائم في الحرب السورية تجب محاكمتهم في أوروبا، بموجب القضاء الدولي. ولكن فرض قانون قيصر يبدو مثيراً للجدل.
أسلوب لتخفيف معاناة السوريين
ويعتقد بعض الخبراء القانونيين، أنه يجب وضع أسلوب عملي لتخفيف معاناة الشعب السوري، وتجنب رحيل أعداد كبيرة منهم للدول الأخرى. وهم يرون أنه لابد من وجود سياسة أكثر دقة لتخفيف معاناة هذا الشعب. وإذا كانت الولايات المتحدة تريد الحفاظ على عقوباتها، كنوع من الضغط على الحكومة السورية، فإن هذه الأزمة ستتفاقم مع مرور الزمن. ولكن إذا تم رفع هذه العقوبات بصورة ملائمة، وتخفيف حالة البؤس عن السوريين، فربما يشجع ذلك السوريين على البقاء في بلادهم.
وأوصت مجموعة الأزمات الدولية منذ فترة أن تضع الولايات المتحدة خطوات ملموسة وواقعية، يتعين على حكومة دمشق وحلفائها الالتزام بها، مقابل تخفيف العقوبات. وبالطبع فإن الحكومة السورية لن تقدم جميع المتهمين بارتكاب جرائم حرب للمحاسبة، ولن تفرج عن جميع السجناء، ولكنها يمكن أن تتجاوب مع مطالب أخرى إذا تم تشجعيها بصورة مناسبة. وتقول مجموعة الأزمات الدولية، إنه يمكن تحفيز الحكومة السورية على السماح للمنظمات الإنسانية الدولية العمل بحرية، والسماح للهاربين بالعودة إلى ديارهم، ووقف الغارات الجوية على المناطق التي لا تقع تحت سيطرتها.
الحاجة إلى توضيح مواقف الغرب
وتقول كبيرة المحللين في مجموعة الأزمات الدولية، دارين خليفة، إن الدول الغربية تمتلك الكثير من النفوذ حالياً في سورية، نتيجة الوجود العسكري للائتلاف الدولي، وسيطرة هذه الدول على تدفق أموال لإعادة البناء في سورية. ولكن للاستفادة بشكل أفضل من هذا النفوذ، فإن أميركا والاتحاد الأوروبي بحاجة إلى توضيح أكثر لموقفهما، وتأكيد أن حكومة دمشق لن تحصل على أي شيء مجاناً، وعليها التجاوب مع مطالب المجتمع الدولي، وتقديم بعض التنازلات، طالما أنها لا تشكل خطراً عليها.
ويعتبر رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس، من أشد المطالبين بإلغاء العقوبات على سورية، وهو يقول «يجب السماح للسوريين بإخراج أنفسهم من اليأس، الأمر الذي يعني رفع هذه العقوبات عنهم. وعند القيام بذلك، سيبدأ المستثمرون الإقليميون العمل في هذا البلد، ما يؤدي إلى تحسن الاقتصاد السوري».
ويتلهف المستثمرون الإقليميون للمشاركة في إعادة بناء سورية، مقابل قيام الحكومة السورية باحتواء إيران.
إدارة بايدن مضطربة
وحاولت إدارة الرئيس جو بايدن إبعاد نفسها عن سياسات عقوبات الضغوط القصوى، التي وضعها الرئيس السابق دونالد ترامب، ولكنها لم تفعل أي شيء لفائدة الشعب السوري. وكل ما فعلته هو مواصلة العمل بقانون قيصر، الذي وقع عليه الرئيس السابق دونالد ترامب، وجعله قانوناً في ديسمبر 2019. وتوصف سياسة بايدن في سورية بأنها مضطربة، وفشلت في إيجاد توازن بين الجزر والعصي للعمل من أجل إحداث تغيير في سلوكية الحكومة السورية.
• يعيش 90% من السوريين في الفقر، وهم غير قادرين على تحمل شراء الضروريات. وتناقصت قيمة العملة المحلية بصورة حادة خلال السنة الماضية.
• يعتبر رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس، من أشد المطالبين بإلغاء العقوبات على سورية، وهو يقول «يجب السماح للسوريين بإخراج أنفسهم من اليأس، الأمر الذي يعني رفع هذه العقوبات عنهم».
أنشال فوهرا ■ كاتبة مستقلة متخصصة في الشرق الأوسط ومقيمة في بيروت