النزاع في أوكرانيا قد يؤدي إلى سوء تقدير بشري مكلف
تهديد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بغزو أوكرانيا، وتهديد الرئيس الأميركي، جو بايدن، بفرض عقوبات على روسيا رداً على ذلك، يلقي الضوء، بشكل كبير، على خطر سوء التقدير البشري في التسبب في حرب لا يريدها أي من الطرفين. وقد يخطئ كل جانب في تقدير ما قد يفعله الآخر، وخيارات كل منهما غير متكافئة مع خيارات الآخر. إن ميل بوتين إلى المضي للأمام، حتى الآن، يجعل من الصعب عليه التراجع دون أي شيء يظهره بعد قعقعة السيوف.
لا تتوقعوا أن ينتهي الغزو بعقوبات غربية، وبالتالي، فإن القضية الأساسية ليست ما إذا كان الغرب قادراً على ردع الغزو؛ فهذا ما يحدث بعد ذلك. ومن المرجح أن تؤدي العقوبات الاقتصادية الغربية إلى استجابة غير متكافئة. وأشارت تقارير إلى أن روسيا ربما تكون قد تسللت بالفعل إلى عناصر شبكة الكهرباء الأميركية. وقد تكون البرامج الضارة قادرة، أيضاً، على إتلاف البنية التحتية الحيوية، والوصول إلى الإنترنت الذي تعتمد عليه حياتنا. والغرب عرضة للهجمات الإلكترونية من روسيا، وهو تحدٍّ طويل الأمد تجب مواجهته. ويمكن أن يؤدي نشر البرامج الضارة السيبرانية إلى تصعيد سريع وكارثي يلحق أضراراً بالغة، بجميع الأطراف. ونحن بحاجة إلى التفكير في خطوات عدة للأمام. ويجب أن نحترس من خطر سوء التقدير البشري في توقع كيف يمكن أن يتفاعل كل جانب مع أفعال الطرف الآخر.
إلى ذلك، يزعم بوتين أن أوكرانيا جزء من روسيا، ويتجاهل اتفاقية بودابست لعام 1994، التي ضمنت استقلال أوكرانيا. ولكننا نتعامل مع كيفية تأثير تصورات بوتين على استراتيجيته، وليس مدى منطقيتها. وقد يكون المعنى الضمني هو رغبته في إقامة إرث دائم مع اتجاهه نحو الـ70 من عمره. وبعد أن وصف انهيار الاتحاد السوفييتي بأنه مأساة، فإنه يرى أن إرثه كان بمثابة إحياء لنفوذ الإمبراطورية السوفييتية، وجعل روسيا عظيمة مرة أخرى. وعلى الرغم من أنه سحب قواته، فإن أفعاله في كازاخستان تشير، أيضاً، إلى الرغبة نفسها.
بوتين ذكي وواسع الحيلة، لكنه، أيضاً، مصاب بجنون العظمة وعاطفي. وكتب أحدهم أن الدول تخوض الحرب بدافع الخوف أو المصلحة أو الكبرياء. والكبرياء يشمل القومية، وهو تيار خبيث وقوي في السياسة الروسية. وقد تؤثر العاطفة بقدر ما في أفعاله.
ويبدو أن بوتين مستعد للعمل بجد خلال الأربعة إلى الستة أسابيع المقبلة. ومن المرجح أن يتجنب اجتياح أوكرانيا بأكملها لمصلحة الاستيلاء على شرقها، ثم تخويف النصف الغربي للتأثير في سياساته. وسيكون احتلال أوكرانيا كلها مكلفاً مالياً، وسيستدعي حرباً غير نظامية مروعة. ولا يستطيع تحمل تكلفة مستنقع يرسل الكثير من الجثث إلى روسيا.
وتحتاج الولايات المتحدة إلى استراتيجية كبرى للتعامل مع روسيا، وتدرس نوع العلاقة الممكنة مع موسكو. دعونا لا نتعامل مع أوكرانيا بشكل مجزأ. ما العواقب الأوسع للعمل بشأن أوكرانيا؟ وكيف ستتعامل الولايات المتحدة مع التصعيد السريع؟ وما مقدار الدعم العسكري الحكيم غير إرسال القوات؟ وهل ستدفع الاستجابة الغربية روسيا إلى تحالف أوثق مع الصين؟ وهل من الممكن إيجاد أرضية مشتركة؟ وأين المزالق غير المنطقية؟
يجب أن تكون استراتيجية الولايات المتحدة صارمة، ولكن ذكية. ويجب أن تردع روسيا عن ممارسة القوة، وتضمن استقلال أوكرانيا. كما تحتاج أميركا، أيضاً، إلى النظر في المصالح الحيوية المتصورة لروسيا، ومعالجة ذلك بطرق لا تضر مصالح الولايات المتحدة أو أوكرانيا. وإحدى النتائج المعقولة هي أن تقبل أوكرانيا وضعاً مشابهاً للنمسا، التي تحافظ على الحرية والاستقلال، لكنها لا تتوافق مع الولايات المتحدة ولا روسيا. ويجب أن تقنع أي استراتيجية روسيا بمقاومة الانحياز إلى الصين. وقد لا تكون روسيا صديقة للولايات المتحدة، لكن مصالحها الأمنية تتماشى مع هدف الولايات المتحدة، المتمثل في منع الصين من تحقيق حلمها في عام 2049 بالتفوق العسكري والاقتصادي العالمي، وإنهاء النظام الدولي القائم، وجعل الدول الأخرى روافدها الاقتصادية. وهذه النتيجة لن تخدم المصالح الأميركية ولا الروسية.
كيف يتم كل هذا؟
من الناحية المثالية، سيكون من الأفضل لإدارة بايدن الشروع في مشروع جديد، مثل المشروع الذي بدأه الرئيس دوايت أيزنهاور، في عام 1953، لصياغة استراتيجية كبرى لهزيمة الشيوعية. وأنتجت استراتيجية احتواء ناجحة. ولم تشرع أي إدارة جديدة في عملية مماثلة. لقد فات موعد ذلك، على كل حال، والمجال مفتوح، للنهج المدروس الذي يبدو أن الإدارة الحالية تفضله؛ ويمكنه فعل الكثير لتجنب الصراع المسلح في أوكرانيا، مع تعزيز المصالح الأمنية لجميع الأطراف المعنية بشكل متبادل.
• منذ عام 2015، يتناوب جنود احتياط من الحرس الوطني الأميركي في أوكرانيا، لتدريب الجيش الأوكراني، إلى جانب جنود من دول أخرى في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، خصوصاً من كندا وألمانيا. أواخر نوفمبر، وصل نحو 200 جندي احتياط من الحرس الوطني التابع لولاية فلوريدا الأميركية، إلى مركز يافوريف للتدريب الدولي في غرب أوكرانيا، للمشاركة في مهمة تدريب ومساعدة للجيش الأوكراني.
• بوتين ذكي وواسع الحيلة، لكن النقاد يجادلون بأنه مصاب بجنون العظمة وعاطفي. وكتب أحدهم أن الدول تخوض الحرب بدافع الخوف أو المصلحة أو الكبرياء. والكبرياء يشمل القومية، وهو تيار خبيث وقوي في السياسة الروسية، وقد تؤثر العاطفة بقدر ما في أفعاله.
هل ستضطر الولايات المتحدة لسحب جنودها من أوكرانيا
استبعد الرئيس الأميركي جو بايدن، إرسال عسكريين أميركيين إلى أوكرانيا، في حال حدوث غزو روسي، لكن قد تضطر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى سحب بضع مئات من الجنود الأميركيين، كانت قد نشرتهم في البلاد. وجود جنود أميركيين في أوكرانيا ليس بجديد، فمنذ عام 2015، يتناوب جنود احتياط من الحرس الوطني الأميركي في أوكرانيا، لتدريب الجيش الأوكراني، إلى جانب جنود من دول أخرى في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، خصوصاً من كندا وألمانيا. أواخر نوفمبر، وصل نحو 200 جندي احتياط من الحرس الوطني، التابع لولاية فلوريدا الأميركية، إلى مركز يافوريف للتدريب الدولي في غرب أوكرانيا، للمشاركة في مهمة تدريب ومساعدة للجيش الأوكراني. وأكد المتحدث باسم «البنتاغون»، جون كيربي، الثلاثاء الماضي، أن الجنود الأميركيين «منتشرون حالياً في أوكرانيا في إطار مهمة الاستشارة والمساعدة بالتناوب، ويشاركون في التدريبات، ونتوقع أن تتواصل هذه المهمّة». وأضاف «نواصل مراقبة الوضع على الأرض، وعلينا اتخاذ قرارات لحماية قواتنا، وسنفعل ذلك». وكان البيت الأبيض اعتبر الأربعاء الماضي، أن روسيا يمكن أن تشنّ هجوماً على أوكرانيا في أي وقت.
ويقع مركز يافوريف في أقصى الغرب الأوكراني، على بعد نحو 15 كيلومتراً فقط من الحدود البولندية، ويبدو أن الجنود الأميركيين لن يواجهوا خطراً فورياً في حال حصول غزو روسي. وتفيد الدول الغربية أن روسيا حشدت أكثر من 100 ألف جندي قرب حدودها مع أوكرانيا في شرق البلاد. وقد وصلت قوات روسية إضافية الثلاثاء إلى بيلاروسيا المجاورة لأوكرانيا، لإجراء مناورات تدريبية، بحسب الرواية الرسمية. من جهتها، تنفي روسيا أن تكون لها نية في شنّ هجوم على أوكرانيا، وتقول إنها مهدّدة بسبب تعزيز وجود «الناتو» في المنطقة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي.
وأعلنت الولايات المتحدة الأربعاء الماضي، تخصيص 200 مليون دولار إضافي كمساعدة أمنية لأوكرانيا. ويُضاف هذا المبلغ إلى 450 مليون دولار خصصت قبل بدء حشد القوات الروسية عند الحدود الأوكرانية نهاية العام الماضي. وتجنب وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الإجابة عند سؤاله الشهر الماضي عن احتمال مشاركة الجنود الأميركيين الموجودين في أوكرانيا في نزاع محتمل إلى جانب القوات الأوكرانية. وقال لمجلة «ديفنس وان» المتخصّصة، «أعتقد أنه في أوضاع كهذه، فإن الإعلان عن خطوط حمراء ينبغي عدم تجاوزها، لا يؤدي إلا إلى مفاقمة المشكلة». وأضاف «علينا التركيز على سبل تخفيف التوترات». قد يلعب الجنود الأميركيون الموجودون على الأرض دوراً في إجلاء المواطنين الأميركيين من أوكرانيا، الأمر الذي قد يصبح ضروريّاً في حال دخل الجيش الروسي إلى هناك.
ديل ديلي ■ جنرال متقاعد قاد العديد من العمليات الخاصة في زمن السلم والحرب، سفيراً، وترأس جهود مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية.
جيمس فارويل ■ مستشار العمليات الخاصة الأميركية في وزارة الدفاع، وزميل مشارك في قسم دراسات الحرب، بكلية «كينجز كوليدج»، في جامعة لندن.