شقيقان.. باكستاني وهندي يلتـقيـان بعد أن فرقهما تقسيم الهند عــام 1947
انفصل الشقيقان الهنديان، سكا وصادق، عن بعضهما أثناء انفصال باكستان عن الهند، لكن التأم شملهما أخيراً بعد مضي 74 عاماً. كان سكا يبلغ من العمر ستة أشهر عندما حدثت الفوضى التي صاحبت تقسيم الهند في عام 1947، لقي والدهما مصرعه أثناء الفوضى، وانتحرت والدته فيما بعد، وتمكن أخوه صادق، الذي كان يبلغ من العمر 10 سنوات آنذاك، من الوصول بصعوبة إلى باكستان. واحتضنت عائلة من السيخ الطفل سكا وربته في منزلها. وفي السنوات والعقود التي أعقبت ذلك، ظل سكا يتوسل للمسلمين المسافرين إلى باكستان للبحث عن أخيه. وساعده آخرون في كتابة رسائل إلى صحف دلهي، وفي ما بعد لجأ إلى الإنترنت للبحث عن أخيه صادق، ولم يحالفه الحظ حتى 4 مايو 2019.
كان سكا يرعى الحيوانات في فناء عائلة سينغ عندما هرع إليه دافيندر، حفيد الرجل الذي رباه في منزله، ليخبره بقرب العثور على صادق. يتذكر سكا تلك اللحظة، فهو مزارع ليس لديه هاتف، ولم يتعرف إلى هذا السحر التقني الذي جاء به القرن الحادي والعشرون، حيث يستطيع زعيم قرية في باكستان، أو طبيب في كندا أن يظهر بكامل هيئته على شاشة الهاتف ليتحدث مع شخص آخر في مكان ما، فعندما جلس سكا تحت شجرة العناب في عام 2019، كان ينظر إلى هاتف دافيندر الذكي، لم يكن يعرف حتى ما إذا كان صادق سيظهر على الشاشة حقاً، ولكن بعد ذلك أضاءت الشاشة ليظهر عليها رجل يبلغ من العمر 83 عاماً، عرفه سكا على الفور، إنه شقيقه الذي لم يكن يعرفه من قبل.انتحرت والدته ولايزال طفلاً
لم تكن أي من أدوات البحث التقنية الحديثة موجودة عندما كان سكا شاباً. نشأ في منطقة فولوال، ولا يكاد يعرف خلفية أسرته، لكنه استطاع جمع المعلومات من القرويين، حيث علم من خلالهم أن والدته كانت قد أحضرته إلى فولوال لزيارة عائلتها عندما اندلعت فوضى التقسيم، فانفصلت مكانياً عن والده الذي توفي، وشقيقه الذي غادر إلى باكستان. ووفقاً لما علمه سكا، فقد أقدمت والدته اليائسة على شنق نفسها، وفر أقاربها من فولوال، تاركين سكا مع عمه المعوز، الذي تخلى عنه ليربيه باغ سينغ من طائفة السيخ.
أرسل باغ سينغ الصبي للعمل في حقوله والعناية بأبقاره وماعزه. كان عملاً شاقاً وقذراً، يقول سكا: «شعرت بالبؤس، وظللت أبكي طوال الوقت». ويضيف: «لكن باغ سينغ استطاع أن يعتني بي». استقر سكا على إيقاعات الحياة الزراعية وعائلة سينغ، ولعب مع ابن باغ، دارشان.
ويقول جاجسير سينغ، الطبيب المولود في فولوال، إن العلاقات بين ملاك الأراضي والعمال يمكن أيضاً أن تكون حساسة. ويقول «حراثة الأرض معاً، وتناول وجبات الطعام معاً، من الصعب فهمهما بالنسبة للأشخاص الذين ليسوا من هنا».
عرض باغ ترتيب زواج سكا من إحدى بنات عمومته البعيدين، وهي فتاة مسلمة، لكن سكا رفض الزواج في تلك المرحلة. وفي النهار يعمل سكا بجد في حصاد القمح والدخن وإطعام الحيوانات، وفي الليل يشارك غرفة النوم مع دافيندر. ويقول «إذا أكلت حبتين من الفول السوداني فإنه يأكل حبتين من الفول السوداني أيضاً، وإذا شرب دافيندر كوباً من الحليب، فإنني أشرب كوباً من الحليب أيضاً».
كان سكا يحن دائماً لعائلته التي لم يعرفها أبداً. عندما كان طفلاً، توسل للعائلات المسلمة التي تسافر إلى باكستان للبحث عن صادق. طلب من الآخرين مساعدته في كتابة الرسائل لعائلته البعيدة، ونشر الإعلانات في الصحف، وفي سنواته الأخيرة، نشر إعلانات على صفحة دافيندر على «فيس بوك»، لكنه لم يتلق أي رد على الإطلاق، ولعقود من الزمان.
الصدفة لعبت دورها
كان جاجسير سينغ في فانكوفر بكولومبيا البريطانية، لزيارة ابنته في مايو 2019 عندما أرسل له زوج أخته الذي كان يشاهد قناة بونجابي ليهار، فيديو. وظهر في ذلك الفيديو رجل عجوز يرتدي عمامة بيضاء يخبر محاوره، ناصر ديلون، بأن شقيقه الذي كان رضيعاً في ذلك الوقت ذهب مع والدته إلى قرية فولوال في عام 1947، ولم يعلم عنه أي شيء بعد ذلك. وقال الرجل، وهو صادق شقيق سكا، إن والده قُتل في مواجهة مع جنود هنود بالقرب من لوديانا، بينما كان يهم للانضمام إلى قافلة للاجئين كانت في طريقها إلى باكستان. وقال صادق في الفيديو مخاطباً شقيقه سكا «إذا كان بإمكانك رؤيتي من فضلك تحدث معي، من يدري فربما أموت قبل مقابلتك؟». وتساءل جاجسير على الفور: «هل يمكن أن يكون هذا الرجل هو الذي نحن بصدده؟».
قام بإرسال الرابط إلى العائلة في فولوال، والتقط دافيندر الرابط، ثم اتصل جاجسير بديلون، ليوضح له أنه يعرف صادق، وهو مزارع يعيش خارج فيصل آباد بباكستان، وبحلول الساعة الواحدة ظهراً تقريباً في اليوم التالي لمكالمة جاجسير، كان فريق ديلون جالساً بجوار صادق في فيصل آباد، للاتصال برقم دافيندر على «واتس أب».
اثنان وسبعون عاماً مرت ولم يكن صادق يعرف ما جرى لأمهما، ويسأل صادق أخيه سكا ما إذا كان لايزال يستخدم لقب طفولته، ويسأله عما إذا كان قد تزوج، أو إذا كان اشترى أرضاً.
كانا يتحدثان عن أبناء صادق الستة وأحفاده. كان سكا يخبر صادق عن المحاصيل التي يزرعها، وكيف هو شكل قرية فولوال. ويروي صادق كيف أنه بحث أيضاً عنه. قال إنه قطع مرة 160 ميلاً ليسأل في منطقة قريبة من الهند ما إذا كان هناك أي شخص يعرف شيئاً عنه، وأنه ذهب ذات مرة للحج ليسأل رجل دين صوفياً عما إذا كان سيجد أخاه. ويتذكر صادق: «أخبرني أنك على قيد الحياة، لذا صممت على الاستمرار في المحاولة».
في غضون أيام، بدأ أصدقاء الأخوين وعائلاتهم في تجهيز جوازات السفر، على أمل التقدم للحصول على تأشيرات حتى يتمكن الاثنان من الالتقاء، لكن السياسة وقفت في طريقهما، ثم ضربت جائحة فيروس كورونا العالم، وأغلقت الحدود.
أخيراً.. التأم الشمل
كان هناك خيار أخير لسكا وصادق: يمكن أن يلتقيا في ممر كارتاربو، وهو ممر من دون تأشيرة تم إنشاؤه في عام 2019 ويتيح للهنود زيارة مواقع السيخ المقدسة، على بعد نحو ثلاثة أميال داخل باكستان. ومع انحسار الفيروس التاجي، حددوا موعداً: 10 يناير.
في فولوال، رتبت عائلة سينغ إذاعة أخبار لقاء لم الشمل عبر مكبرات الصوت في القرية. استأجرت الأسرة حافلة، وتكدس نحو 30 منهم - بالإضافة إلى سكا - محملين بهدايا بقيمة 50 ألف روبية، (700 دولار). وفي فيصل آباد استعدت أسرة صادق بأكملها. ويقول إشراق، زعيم القرية، إن 70 شخصاً قاموا بتجميع صناديق الملابس والأطعمة الشهية في حافلة خاصة بهم.
كان عصراً مثالياً ومضيئاً عندما اقترب الاثنان أخيراً من بعضهما بعضاً في كارتابور بقبابها اللامعة باللونين الأبيض والذهبي. وفي مقطع فيديو انتشر منذ ذلك الحين على نطاق واسع في الهند وباكستان، اندفع صادق ليرتمي بين ذراعي سكا، حيث انتحب الاثنان في ما يشبه العويل، وقال سكا: «نحن على قيد الحياة وسنتمكن من أن نظل معاً مرة أخرى». وقدم صادق أبناءه وأحفاده واحداً تلو الآخر لشقيقه.
أمضى الشقيقان ثلاث ساعات معاً قبل أن يغلق الجنود الباكستانيون الموقع قبل غروب الشمس. وقال ديلون، الذي صور لم الشمل، «كان لابد من فصل الأخوين عن بعضهما، حيث إن صادق لم يدع أخاه يرحل».
ومنذ ذلك اليوم، ظل الأخوان يواصلان مكالماتهما المرئية كل يوم، ويصران على الحصول على تأشيرات لزيارة بعضهما بعضاً. ووعد مسؤول كبير في مكتب رئيس الوزراء الباكستاني بأنه سيساعد في هذه الجهود، بحسب صادق، الذي يحث سكا للانتقال إلى باكستان. قال صادق: «أريد أن أعوض كل السنوات التي فقدناها، لأقضي بقية حياتي مع أخي».
• اندفع صادق ليرتمي بين ذراعي سكا، حيث انتحب الاثنان في ما يشبه العويل، وقال سكا: «نحن على قيد الحياة، وسنتمكن من أن نظل معاً مرة أخرى». وقدم صادق أبناءه وأحفاده تباعاً لشقيقه.
بداية المأساة
في صيف عام 1947، وضع البريطانيون، الذين كانوا يغادرون الهند، خططاً لرسم حدود جديدة وتقسيم المستعمرة السابقة، ما دفع ما يصل إلى 20 مليون شخص لبدء هجرة يائسة إلى الجزء الذي يعرف حالياً بباكستان. سارع المسلمون نحو باكستان المشكَّلة حديثاً، بينما تدفق الهندوس والسيخ نحو الهند. يقول المؤرخون إن ما وصل إلى مليوني شخص لقوا حتفهم، حيث تواجه الهندوس والمسلمون والسيخ ضد بعضهم بعضاً في موجات من القتل والاغتصاب والاختطاف، تاركين وراءهم أسراً ممزقة من النساء الأرامل والأطفال الأيتام.
حتى أولئك الذين لم يتأثروا بالعنف وجدوا أنفسهم يعيشون حياة جديدة، غير مرتبطين بعائلاتهم وممتلكاتهم ولا بهوياتهم. في عام 1956، أوقفت الهند وباكستان جهود لم شمل العائلات عبر الحدود المتوترة، وفرضت الحكومتان قيوداً صارمة على التأشيرات، ما جعل لمّ الشمل الجسدي شبه مستحيل.
جهود للم الشمل
على مدار العقد الماضي، اهتم جيل الشباب مجدداً بتوثيق التقسيم، معتمداً في كثير من الأحيان على التكنولوجيا. في عام 2009، أنشأ عالم فيزياء من كاليفورنيا أرشيف التقسيم لعام 1947، وهو مشروع للتاريخ الشفوي عبر الإنترنت. في عام 2018، أنشأ طلاب جامعة أكسفورد مشروع داستان، الذي يستخدم كاميرات بزاوية 360 درجة لإنشاء نسخ من الواقع الافتراضي للقرى والمنازل التي تركها الناجون في بلدهم الأصلي. وعلى موقع «يوتيوب»، ظهرت مجموعات عدة من المتطوعين لغرض سامٍ: توحيد العائلات التي فقدت الاتصال مع أفرادها منذ زمن طويل.
في الماضي، كان الأقارب والأصدقاء يبحثون عن بعضهم بعضاً من خلال إعلانات الصحف، أو الكلمات الشفوية، أو عن طريق نشر إعلانات في موسم الحج، وهو المكان الوحيد الذي يجمع الهنود والباكستانيين. ناصر ديلون، (37 عاماً)، هو وكيل عقارات باكستاني أسس قناة على «يوتيوب»، أطلق عليها اسم «بونجابي ليهار» في عام 2013 مع شريك من السيخ، يقول «اليوم تجعل وسائل التواصل الاجتماعي التواصل بين الناس أسهل كثيراً». ساعدت القناة في لمّ شمل نحو 200 عائلة، حسب تقديرات ديلون.