لتبرير زيادة وجودها في أوروبا الشرقية
الدول الغربية تبالغ في حجم الخطر الروسي على أوكرانيا
رفض الخبراء العسكريون في كييف توقعات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة المتعلقة بقيام روسيا بغزو أوكرانيا، حيث نفوا أن يكون الجيش الروسي قد أعد العديد المناسب والمعدات اللازمة للقيام بمثل هذا الغزو. وكتب وزير الدفاع الأوكراني السابق أندريه زاغوردنيوك، والعديد من الأخصائيين العسكريين تقريراً في مركز الدراسات الدفاعية في كييف قالوا فيه «لدينا الآن تقرير مفاده أن ثمة تهديداً عسكرياً ناجماً عن وجود 127 ألف جندي روسي على طول الحدود الأوكرانية، وفي المناطق المحتلة في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. وتزايد هذا العدد منذ أبريل 2021 وهو غير كافٍ للقيام بهجوم شامل على أوكرانيا».
غياب الذخيرة الكافية
وينص التقرير وبصورة قاطعة على أن القوات الروسية ليست في وضع يسمح لها بالقيام بالغزو خلال الأسبوعين أو الثلاثة المقبلة، ولن تكون على الأرجح قادرة على ذلك خلال عام 2022. ويشير التقرير إلى غياب الذخيرة والوقود إلى جانب المستشفيات الميدانية، والوحدات العسكرية المدربة والضرورية للجيوش الحديثة التي ستشارك في الحرب. وأكد هذا الرأي الرافض لاحتمال قيام هجوم روسي ضد أوكرانيا العديد من مسؤولي الدفاع والوزراء في أوكرانيا، والذين قللوا من هستيريا الحرب الدائرة في واشنطن ولندن.
وليس الخبراء العسكريون الأوكرانيون وحدهم من يقولون إن روسيا لم تتخذ الإجراءات العسكرية الضرورية من أجل الغزو، إذ أعرب كبار المسؤولين الفرنسيين عن شكوك مماثلة للأوكرانيين، حيث قال أحد المسؤولين الفرنسيين لصحيفة لوموند الفرنسية «نحن نرى العدد ذاته من الشاحنات والدبابات والأشخاص، وراقبنا المناورات ذاتها، ولكننا لا نستطيع التوصل إلى استنتاج مفاده أن الهجوم وشيك».
وجهة النظر الغربية
ومقابل وجهة النظر التي تقول إنه لن تحدث أشياء مهمة قريباً، يقول المسؤولون الأميركيون والبريطانيون للعالم شيئاً مختلفاً، إذ قالت نائب وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان يوم الأربعاء الماضي، إن الولايات المتحدة «ترى كل المؤشرات التي تؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيستخدم القوة العسكرية في وقت قريب ربما في الفترة ما بين الآن ومنتصف شهر فبراير»، وقال مسؤول في المخابرات البريطانية، رفض الكشف عن اسمه، بعد ذلك بثلاثة أيام عن أمور أكثر تحديداً، حيث ذكر أنه قال إن السفن الروسية البرمائية الحربية يمكن أن تستولي على ميناء اوديسا الأوكراني في البحر الأسود كجزء من هجوم متعدد الجبهات عند القيام باحتلال أوكرانيا برمتها. وقال المسؤول البريطاني «إنه ليس مجرد تكتيك تفاوضي أو أنه تهديد عندما تنشر العديد من الجنود بهذه القدرات العسكرية»
وعلى العكس من ذلك، فإن هذا بالضبط ما تريد روسيا فعله كي تعطي تهديدها غير المحكي لموضوع الغزو هذا الزخم، كي يكون رافعة قوية في أية مفاوضات. وبالرجوع إلى التقارير الواردة من كييف فإن الروس لم يفعلوا الكثير في الواقع لجعل احتمالية شنهم حرباً خاطفة ومتعددة الجوانب أكثر صدقية.
127 ألف جندي عدد قليل
ولكن يبدو أنهم ليسوا بحاجة إلى ذلك لأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تخدمان الكرملين بذلك، وهم يقارنون نشر 127 ألف جندي، وهو عدد قليل للغاية لاحتلال أوكرانيا، وهي أكبر مساحة من فرنسا، بالجيش الأحمر الذي بلغ تعداده 11 مليون جندي في نهاية الحرب العالمية الثانية، وذكر مسؤول المخابرات البريطاني الذي سبق ذكره في معرض تأكيد معلوماته بالإشارة إلى نقل القوات الروسية من أقصى الشرق الروسي، مشيراً إلى أن ذلك لم يحدث منذ عام 1941، وكان «سابقة في العصر الحديث».
وصفة من أجل كارثة
وإذا لم يكن الهجوم الروسي الكبير وشيكاً، فلماذا لا تقوم روسيا بهجوم أصغر، ربما يقتصر فقط على الاستيلاء على المدن الكبيرة مثل كييف، وخاكوف، وأوديسا؟ من حيث الواقع، سيكون ذلك وصفة من أجل كارثة لأن ذلك سيترك الكثير من الأراضي الأوكرانية، ليست تحت سيطرة موسكو وتكون قادرة على المقاومة في الخطوط الخلفية لأرتال الدبابات الروسية.
والتقدم الوحيد الذي قام به الروس والذي ينطوي على صدقية، تم في أقصى الجنوب الشرقي لأوكرانيا بين جمهوريتي دونتسك ولوهانسك الانفصاليتين اللتين أعلنتا عن استقلالهما لوحدهما، وشبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا إلى أراضيها. وسيكون من الممكن للجنود الروس الاستيلاء على مدينة ماريوبول التي يبلغ تعداد سكانها نحو 565 ألف نسمة على بحر آزوف، وتعتبر من أكبر مصانع الصلب في أوروبا، وتبعد نحو 15 ميلاً عن الجمهوريتين الانفصاليتين.
العقوبات الغربية
ولكن المحللين ذوي المصادر الجيدة في موسكو أبلغوني أن الروس لن يفعلوا ذلك، حتى لو جرى تصعيد الأزمة بصورة دراماتيكية. لأن استيلاء الروس على جزء صغير من أوكرانيا سيسرع في حدوث سيل من العقوبات الغربية، ووقف أنابيب غاز نورد ستريم 2 إلى ألمانيا، ويدفع أوكرانيا نحو الناتو، وهي أمور تمثل عكس ما يريده الكرملين تماماً.
ومن وجهة نظر روسيا، فإن التهديد باجتياح أوكرانيا يعتبر ورقة رابحة بيدها، طالما أنها لم تلعبها، ولكن إذا لعبتها ستكون بداية حرب لا يمكن الفوز بها، كما أنها ستكون بمثابة انتحار سياسي لبوتين وحكومته. وربما تشير وسائل الإعلام الغربية إلى أن بوتين معزول في الكرملين، وتآكل حكمه نتيجة وجوده لعقدين من الزمن في السلطة، ولكن ذلك ربما يعتبر مجرد دعاية فجة. وتشير الأدلة التي يمكن التحقق منها، والتي نستقيها من تدخلات عسكرية روسية في كل من الشيشان عام 1999، مروراً بأوكرانيا عام 2014، وانتهاء بسورية عام 2015، إلى أن بوتين حذر للغاية في استخدام القوة، ولو كان يريد الاستيلاء على ماريوبول، والجزء الناطق بالروسية في جنوب شرق أوكرانيا، لفعل ذلك بسهولة شديدة عام 2014.
المسألة الأكثر غموضاً
ولنفترض أن بوتين حافظ على رجاحة العقل، والتعقل، فإنه سيتجنب الغزو وسيسعى إلى استخدام التهديد لضمان بقاء أوكرانيا على الحياد، وأن تتمتع الجيوب الروسية فيها بوضع فيدرالي، وربما لن يحصل على مطالبه كما يريد، ولكن ذلك لن يدمره أمام الرأي العام الروسي طالما أنه تجنب شن الحرب.
والمسألة الأكثر غموضاً من الأهداف الروسية هو حرب الهستيريا التي تجتاح النخب السياسية والعسكرية والمخابراتية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وربما ينطوي أحد التفسيرات التآمرية للمبالغة الأميركية والبريطانية في قعقعة السيوف الروسية على شيء ما، وهي تفيد بأن خدمات الاستخبارات الغربية ليست غبية، ولا تفتقر إلى المعلومات كيلا تعرف بأن روسيا لن تغزو أوكرانيا، ولكنهم يتظاهرون عن خبث، بتصديق التهديدات كذريعة للغرب كي يوسّع وجوده العسكري في أوروبا الشرقية.
ومن الواضح أن المزايا السياسية المحلية تلعب دوراً في تعميق الأزمة، وتستمتع النخب الأمنية والسياسة الخارجية في واشنطن ولندن بشن حروب باردة، وبريطانيا تريد غالباً ضمان وضعها باعتبارها أقرب حلفاء أميركا.
جو بايدن رجل الدولة
ويكره سياسيو الحزب الديمقراطي الأميركي بوتين لأنهم يعتقدون أنه ساعد على فوز الرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، ولطالما صوروا ترامب باعتباره دمية بيد بوتين، رغم قلة الأدلة على ذلك، ويريد الرئيس الأميركي جو بايدن مسح ذكرى الكارثة الأخيرة في أفغانستان، من خلال تقديم نفسه بمواقف تتسم بتصميم رجل الدولة في أزمة أوكرانيا.
وعلى الرغم من أن بوتين لا ينوي القيام بالغزو، إلا أن عدم قيامه به، يمكن تصويره بسهولة باعتباره برهاناً على تراجعه أمام إرادتي بايدن وجونسون الحديديتين.
• استيلاء الروس على جزء صغير من أوكرانيا سيسرع في حدوث سيل من العقوبات الغربية، ووقف أنابيب غاز نورد ستريم 2 إلى ألمانيا، ويدفع أوكرانيا نحو الناتو، وهي أمور تمثل عكس ما يريده الكرملين تماماً.
• من وجهة نظر روسيا، فإن التهديد باجتياح أوكرانيا يعتبر ورقة رابحة بيدها، طالما أنها لم تلعبها، ولكن إذا لعبتها ستكون بداية حرب لا يمكن الفوز بها، كما أنها ستكون بمثابة انتحار سياسي لبوتين وحكومته.
• من الواضح أن المزايا السياسية المحلية تلعب دوراً في تعميق الأزمة، وتستمتع النخب الأمنية والسياسة الخارجية في واشنطن ولندن بشن حروب باردة، وبريطانيا تريد غالباً ضمان وضعها باعتبارها أقرب حلفاء أميركا.
باتريك كوكبيرن - صحافي بريطاني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news