بوتين يجعل أوكرانيا العراق الخاص به
وجّه المتحدث باسم البنتاغون، جون كيربي، أخيراً، انتقادات لاذعة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحذره من أن غزو أوكرانيا سيكون بداية «لحرب دموية من اختياره»، والتي يمكن أن لا يفوز بها الروس. وأنا على ثقة من أن بوتين أجاب «نعم تماماً كما فعلتم في العراق».
وعلى الرغم من أن معظم الدول الغربية يمكن أن تسخر من هذا التعليق باعتباره كلاماً غير أخلاقي، فإنه من الضروري أن يبدأ القادة الأميركيون بفهم القول المأثور الذي مفاده «ما يصح لك يصح للآخرين».
ولنتذكر أنه خلال الحرب على العراق، كان بوتين وحكومته يعارضان «حرب الاختيار» ضد العراق ورئيسها صدام حسين. ولم يهتم الرئيس جورج بوش الابن ولم يستمع إلى نظيره الروسي. وكان قرع طبول الحرب في واشنطن أقوى بكثير مما كان عليه في روسيا.
وكان المنظرون، من المحافظين الجدد المحيطين ببوش الابن، مقتنعين تماماً بأن الحرب في العراق ستعيد تأكيد ما يعتقدون بأنه قوة أميركا خلال الحرب الباردة، وتعيد صدقية أميركا في منطقة من العالم، حيث لم يبقَ للولايات المتحدة الكثير من الصدقية فيها.
تغير القوى
وكانت أميركا في ذروة قوتها العسكرية في الفترة ما بين 2002 و2003. وتم تحفيز قادتها وشعبها في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، لشن الحرب على أي عدو يعتقدون أن بإمكانهم مواجهته. وكانت إدارة بوش الابن ستخوض الحرب، بغض النظر عن آراء المجتمع الدولي أو المعايير الدولية.
وكانت قوة ونفوذ روسيا، الغاضبة في حينه، في الحضيض. وحاولت موسكو إعاقة الحرب الأميركية، ولكنها في نهاية المطاف لم تتمكن من فعل أي شيء لوقف غزو العراق.
ولكن بعد مرور 20 عاماً أصبحنا الآن في نقطة مختلفة من الزمن. وفي هذه الأيام، أصبح الأميركيون هم في نقطة الانهيار، حيث تعرضوا للإذلال بعد 20 عاماً من الحروب الفاشلة، والوضع الاقتصادي المتقلب. ولكن الروس في قمة قوتهم منذ نهاية الحرب الباردة.
فقد استفادت روسيا من ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، وباتت تعتبر قوة عظمى في انتاج الطاقة، حيث تحتاج أوروبا إلى 40% من طاقتها من روسيا، ولهذا فإنها تشعر بانه لا يمكن إيقافها أمام تصلب الأميركيين، أو أمام معارضة الأوروبيين المترددين، ويقوم نظام بوتين بتنفيذ غزوه السريع لدولة أصغر منه.
ولن يتمكن قادة الغرب من وقف التقدم الروسي، تماماً كما عجزت موسكو عن وقف الحرب التي اختارها بوش الابن في العراق، والتي تتعلق بالقوة الغاشمة، والإرادة. ويتمتع الروس بالتميز في هذه المناطق هذه الأيام، تماماً كما كان الأميركيون يتمتعون بالتميز ذاته في عام 2003.
الرغبة في سفك الدماء
وكما كان الافتتاح لحرب العراق عام 2003، لايزال الغزو الروسي لأوكرانيا يسير بصورة جيدة حتى الآن. واقتصر الغزو الأولي لروسيا على المناطق الناطقة باللغة الروسية مثل لوهانسك، ودونتسك. ولكن مع تقدم الأيام فعلى الأرجح أن بوتين سيشعر بمدى ضعف منافسيه الغربيين أمام اندفاعه داخل أوكرانيا، وسيطلب المزيد.
وإذا نشر بوتين قواته في مناطق أبعد من شرق أوكرانيا، وهو الأمر الذي من الأرجح سيفعله، فإن الروس سيواجهون الأوكرانيين المدعومين من الغرب. ومن غير المرجح أن يتمكن الأوكرانيون من مقاومة روسيا في هجوم مباشر، ولكن من غير المحتمل أن كييف تفكر في مواجهة الروس جيشاً أمام جيش. وبدلاً من ذلك ستقوم أوكرانيا بنشر قواتها، البالغ تعدادها 200 ألف جندي، في أنحاء الدولة لشن حرب عصابات ضد روسيا، وستضيف إليهم المواطنين المستعدين لقتال الروس، تماماً كما فعل تنظيم «القاعدة»، وجيش المهدي في العراق، ضد القوات التي كانت تقودها الولايات المتحدة في الفترة ما بين 2003 إلى 2006. ولذلك ينوي الأوكرانيون جرّ الروس إلى أراضيهم، بهدف استنزافهم لأطول فترة ممكنة كي يضطروا لمغادرة أراضيهم بغير رجعة. ويمكن أن تنجح هذه الاستراتيجية بصورة جيدة لصالح أوكرانيا.
وأحاط بوتين، مثل بوش الابن عام 2003، نفسه بمنظّرين مهووسين بالحرب ويعتقدون أن كل مشكلة تواجه روسيا تعتبر تهديداً خارجياً، وأن كل هذه المشكلات هي مثل المسامير يجب دقها من قبل القوة الروسية الوحشية.
وفي هذه الأثناء، وجراء هذه النشوة العالية التي يشعر بها بوتين إثر غزوه الناجح لشرق أوكرانيا، ربما سيشعر بوتين أنه مضطر لاستمرار الغزو حتى كييف. وبإمكانه الاستيلاء على كييف وبسرعة، تماماً كما استولى بوش الابن على بغداد، ولكن ماذا سيفعل بعد ذلك؟
يتعين على بوتين التعلم من التاريخ المعاصر، إذ إن غزو دولة أصغر وأضعف منك مسألة يسهل تحقيقها. ولكن السيطرة على مثل هذه الدولة إلى أمد غير محدد هي مسألة مختلفة تماماً، خصوصاً عندما يشكل سكان هذا البلد ثورة ضد وجودك، فإن شرعيتك في بلادك تصبح محل تساؤل.
وإلى متى سيستمر بوتين أكبر قوة سياسية في روسيا، إذا شن حرباً دموية (لا تتسم بالشعبية) في أوكرانيا؟ وعليه أن يطرح هذا السؤال على نفسه.
ويبدو أن بوتين يكرر الخيارات الخاطئة نفسها التي قام بها الرئيس الأميركي بوش الابن، وستكون النتائج مشابهة بصورة مرعبة. ويتعين على من يقدمون المشورة إلى بوتين أن يبلغوه، أن يقتصر غزوه ونصره السهل على شرق أوكرانيا ويغادر البلد وحده.
ومرة أخرى، فإن الحكام المستبدين لا يستمعون للمنطق، ولهذا فإنهم غالباً ما يفتعلون حروباً مرعبة. وهو الأمر الذي سيحدث على الأرجح إذا ذهب بوتين إلى كييف.
• لن يتمكن قادة الغرب من وقف التقدم الروسي، تماماً كما عجزت موسكو عن وقف الحرب التي اختارها بوش الابن في العراق، التي تتعلق بالقوة الغاشمة، والإرادة.
• استفادت روسيا من ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، وباتت تعتبر قوة عظمى في إنتاج الطاقة، حيث تحتاج أوروبا إلى 40% من طاقتها من روسيا، ولهذا فإنها تشعر بأنه لا يمكن إيقافها أمام تصلّب الأميركيين، أو أمام معارضة الأوروبيين المترددين، ويقوم نظام بوتين بتنفيذ غزوه السريع لدولة أصغر منه.
• كان المنظّرون، من المحافظين الجُدد المحيطين ببوش الابن، مقتنعين تماماً بأن الحرب في العراق ستُعيد تأكيد ما يعتقدون بأنه قوة أميركا خلال الحرب الباردة، وتُعيد صدقية أميركا في منطقة من العالم، حيث لم يبقَ للولايات المتحدة الكثير من الصدقية فيها.
براندون وايشرت ■ باحث أميركي