المرصد
«الحرب على غوغل ماب»
تدور حرب خرائط بين روسيا وأوكرانيا على «غوغل ماب»، ربما لا تقل ضراوة عن حرب السيطرة على الأراضي في المعركة الواقعية.
القصة لم تبدأ الليلة، وإنما تعود جذورها إلى عام 2014 عند جولة حرب جزيرة القرم، وضغطت روسيا يومها على الشركات الرقمية والعادية الغربية، ليظهر القرم أمام المستخدمين الروس بوصفه جزءاً من الأراضي الروسية، وأجبرت «غوغل ماب» على الأمر نفسه.
من جهتها، قامت كييف أيضاً في 2015، بدفع برلمانها لتمرير قانون يجرّم استخدام ما سمّته بـ«الرموز السوفيتية والنازية والشيوعية» في الخرائط والخرائط الرقمية، والحقت به مادة تستوجب ضرورة إزالة هذه الرموز للخرائط القائمة، وكانت من بين ذلك أسماء لشوارع وطرق حملت أسماء هذه الرموز، وبالتالي أصبح لزاماً على «غوغل ماب» تحديث خرائطها لمواكبة هذا التغيير، واللافت أن وزير الخارجية الروسي بنفسه أعلن استفزاز بلاده من الخطوة، ووصف القانون بأنه «استخدام للمنهج الشمولي للهجوم على حرية الإعلام والرأي والضمير، وتجفيف منابع التاريخ البطولي للشعب الأوكراني، ويومها سخرت كييف من استخدام الروس لتعبير «النهج الشمولي» في هذا المقام، كون أحد الأسماء التي شملها التغيير الأوكراني هو فليكس ديزرنسكي، مؤسس البوليس السري البلشفي، وحينها رد ناطق قرمي موالٍ لموسكو بأن «التغييرات التي شملت الخرائط الرقمية نوع من الاختلال الطوبوغرافي المرضي».
وفي يوليو 2019، تجددت المعركة ذاتها حين اتهمت موسكو استمرار «غوغل ماب» باستخدام النسخة الأوكرانية من أسماء 900 موقع ونقطة في القرم، بحسب «موسكو تايمز»، ولم يهدأ للسلطات الروسية بال إلا بإعلان الشركة الرقمية اعتزامها التراجع، لكن بات لمشكلة التسمية بُعد عالمي يصعب السيطرة على كل جوانبه، اذ باستثناء حفنة من الدول مثل كوريا الشمالية، وكوبا، وسورية، وفنزويلا، كان من الصعب تسييد الرغبة الروسية «الخرائطية»، وقد وضعت هذه الصعوبة مؤسسات عالمية ذات وزن في حرج، مثل «جامعة أوكسفورد للصحافة» التي تلقت احتجاجاً رسمياً من سفارة أوكرانيا بسبب هذا الأمر، أو «الفيفا» التي كان عليها أن تختار في كأس العالم 2018 بين إغضاب الأوكران وإغضاب الروس.
لقد انتهى هذا الوضع في بعض الظروف الاضطرارية بحسب موقع «ليستفيرس»، إلى حالة ازدواجية لـ«غوغل ماب» تستخدم فيه الرواية الروسية، أو الرواية الأوكرانية للأسماء، حسب مكان بثها للخريطة، لكن اندلاع الحرب مجدداً بين روسيا وأوكرانيا أضاف عنصراً اخر لا يقبل المساومة، متعلقاً برواية الواقع المباشر والمحطات الفاصلة لسير المعارك بل لوقائعها.
لقد أضحت «غوغل ماب»، التي لها مكاتب في 60 دولة، وتقدم خدمات بـ130 لغة، لاعباً سياسياً في الصراعات، قبلنا أم رفضنا، لأن «رواية الحرب»، الآن، جزء من إدارتها، والأكيد أن الخرائط هي «الجزء الأكثر انباءً من الكتب»، في هذا الصراع، أما الأكثر وضوحاً هو أن «الخرائط الرقمية» بما تملكه من تجديد إحداثيات، هي العنصر الأهم في هذه الخرائط.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news