تقدم يومياً إلى المسلمين والمسيحيين آلاف الوجبات الطازجة متنوّعة الأصناف
«تكية خاصكي سلطان».. 500 عام من إغاثة المقدسيين
بجوار المسجد الأقصى المبارك، على بعد مسافة لا تتجاوز مئات الأمتار، وداخل مبنى أثري عتيق، كان يطلق عليه قديماً مبنى سرايا «الست طنشق المظفرية»، ويسمى حالياً «مدرسة دار الأيتام الإسلامية»، يقضي تسعة مقدسيين جل وقتهم في طهي العديد من وجبات الطعام والحساء، لتقديمها ساخنة وطازجة يومياً لآلاف من سكان البلدة القديمة في المدينة المقدسة، البالغة مساحتها (900) دونم، ومحيطها أيضاً.
ففي عام 1551 أنشأت زوجة السلطان سليمان القانوني (روكسيلانة)، الروسية الأصل، «تكية خاصكي سلطان»، وتعني بالعربية (محبوبة السلطان) في مدينة القدس الشريف، لإطعام الفقراء والطلبة، ومنذ ذلك الوقت، وعلى مدار أكثر من 500 عام، مازالت هذه التكية تجسد مفاهيم العطاء، وإغاثة المحتاجين والفقراء.
عطاء متجذر
المتجول بين سوق «خان الزيت»، وطريق الواد داخل أسوار وأزقة البلدة القديمة داخل المدينة المقدسة، يمكنه الوصول إلى مبنى السرايا (مدرسة دار الأيتام الإسلامية)، والدخول إليها من بوابتها الشمالية، الواقعة في عقبة المفتي (درب الآلام)، وسط أزقة البلدة الضيقة.
بعد دخول الزائر إلى السرايا، تستقبله ساحة كبيرة مكشوفة، ليسير نزولاً عبر درجات حجرية، تفضي به في الجهة الشرقية إلى ساحة أخرى، تحتضن بين جانبيها «تكية خاصكي سلطان»، والتي يتداخل بناؤها مع أرجاء المبنى الأثري العتيق، إذ تتكون من مطبخ لتحضير قوائم الطعام، وفرنين من الحجر لإعداد الوجبات في شكلها النهائي، إلى جانب متوضأ، وغرفة ضريح.
يقع الفرنان كبيرا الحجم، مربعا الشكل، في جهتين متقابلتين، ففي الجانب الجنوبي يقع المطبخ، الذي يحوله الطهاة إلى خلية نحل تنشط على مدار العام من دون توقف، وفي الجهة الأخرى توجد قاعة كبيرة لتناول الطعام، وغرف عدة لتخزين المواد التموينية.
«الإمارات اليوم» التقت مدير عام أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك، الشيخ عزام الخطيب، والذي يشرف بشكل مباشر على عمل التكية الأثرية، إذ يبين أن «تكية خاصكي سلطان» التي أوقفتها زوجة السلطان العثماني تعد من أهم التكايا التاريخية في الأراضي الفلسطينية، إلى جانب «التكية الإبراهيمية» في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية.
ويشير إلى أن التكية التاريخية كان يشرف عليها والي القدس العثماني، كأحد المواقع التاريخية المهمة لتقديم الطعام في مدينة القدس، فيما تعتمد اليوم على تمويل دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، ووزارة الأوقاف في المملكة الأردنية الهاشمية، وعلى ما يتبرع به أهل الخير والتجار ورجال الأعمال.
ويعمل داخل «تكية خاصكي سلطان» تسعة موظفين من دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، الذين يقدمون وجبات ساخنة إلى الآلاف على مدار العام، فيما يتضاعف هذا العمل طوال أيام شهر الصيام، حيث تزداد أعداد مرتاديها، إلى جانب ارتفاع أعداد القادمين للصلاة، والمعتكفين في باحات المسجد الأقصى المبارك، وذلك بحسب الشيخ الخطيب.
وبعد الانتهاء من إعداد الطعام لعائلات القدس، يطهو موظفو التكية وجبات الطعام الطازجة لموظفي وحراس وسدنة المسجد الأقصى، كونهم لا يغادرون الحرم القدسي طيلة أيام الشهر المبارك.
حاضنة للجميع
تقدم تكية «خاصكي سلطان» يومياً وجبات متنوعة الأصناف، منها «المطفية بالزهر»، والفاصولياء، والبامية، والبطاطا، والأرز بالدجاج أو اللحم، والبازيلاء، لتوزع على كل من يستقر ويقطن بين أسوار البلدة القديمة في القدس، والتي يسكنها حالياً (28) ألفاً من الفلسطينيين، بينهم (22) ألف مسلم، وأربعة آلاف مسيحي، من بينهم (2400) نسمة من طائفة الأرمن. ويقول مدير عام أوقاف القدس وشؤون الأقصى «نحن لا نفرق بين من يأتي إلى التكية من أبناء الشعب الفلسطيني، أبناء الوطن الواحد، وأصحاب القضية الواحدة، سواء مسلم أو مسيحي، فأبواب (خاصكي سلطان) مشرعة أمام الجميع، تماماً كما شهدتها الأزمنة والعصور التاريخية السابقة». ويلفت إلى أن «تكية خاصكي سلطان» تعد في الوقت الجاري أهم مرفد اقتصادي للفقراء داخل المدينة المقدسة، خصوصاً من يعيشون بجوار المسجد الأقصى، وبين أزقة البلدة القديمة، وداخل بلدات وأحياء القدس المجاورة.
ويقول الشيخ الخطيب «نتيجة لتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وارتفاع معدلات الضرائب التي يفرضها الاحتلال على سكان القدس، يقصد كثير من المقدسيين والوافدين إلى الحرم القدسي تكية (خاصكي سلطان)، للحصول على وجبات الطعام، كما أننا نتولى مهمة أخرى، وهي نقل الطعام ساخناً إلى بيوت الفقراء والمحتاجين، وذلك للتخفيف من معاناتهم، وتعزيز صمودهم أمام مخططات التهجير الاستيطاني».
• «تكية خاصكي سلطان» التي أوقفتها زوجة السلطان العثماني، تعد من أهم التكايا التاريخية في الأراضي الفلسطينية، إلى جانب «التكية الإبراهيمية» في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية.
• يعمل داخل «تكية خاصكي سلطان» تسعة موظفين من دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، والذين يقدمون وجبات ساخنة إلى الآلاف على مدار العام، فيما يتضاعف هذا العمل طوال أيام شهر الصيام، حيث تزداد أعداد مرتاديها، إلى جانب ارتفاع أعداد القادمين للصلاة، والمعتكفين في باحات المسجد الأقصى.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news