سفير باكستاني سابق: أميركا لم تسعَ للإطاحة بعمران خان
لا يمكن التحقق من مزاعم خان بوجود مؤامرة أميركية للإطاحة به على أساس الوقائع، لأنها غير معروفة تماماً. ونتيجة لذلك، علينا الاعتماد على الأدلة الظرفية والتسريبات الإعلامية والتكهنات.
ربما يمكن لإلقاء نظرة تاريخية على العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان، أن تطلعنا على فهمنا لهذه القضية. وخدمت العلاقة بين واشنطن وإسلام آباد بعض المصالح الحاسمة لكلا البلدين، على مدى العقود الستة الماضية. وخلال هذه الفترة، كان لديهما ثلاثة ارتباطات رئيسة، وكلها كانت مدفوعة بحاجة الولايات المتحدة على المدى القصير لتعزيز مصالحها الأمنية والاستراتيجية، وحاجة باكستان طويلة الأمد، لرعاية واشنطن الاقتصادية والاستراتيجية.
ويُحسب للولايات المتحدة، في المشاركة الأولى خلال السنوات الأولى من تاريخ باكستان، تعزيز القدرات الدفاعية والتنمية الاقتصادية، ما أدى إلى استقرار الدولة حديثة النشأة. ولكن هذه كانت المرة الأخيرة التي ساعدت فيها الولايات المتحدة باكستان حقاً. وفي الارتباطات اللاحقة، استفادت الأنظمة في إسلام آباد أكثر من البلاد نفسها.
علاقة حيوية
تبنت باكستان خيارات سياسية سيئة، باعتمادها على المساعدة الخارجية، واستفادت الولايات المتحدة وغيرها من الجهات المستفيدة من هذه التبعية لتعزيز مصالحها الأمنية والاستراتيجية. ولعبت واشنطن دوراً مهماً، بشكل خاص، في اختلال موازين القوة والضعف البنيوي للنظام القائم على النخبة في باكستان، وأصبحت في النهاية ركيزة خارجية لدعم النظام، وأدى هذا إلى خلق سياسات خاطئة من كلا الجانبين.
لقد توددت الأنظمة المتعاقبة في إسلام آباد إلى أميركا، وبذلت قصارى جهدها للاحتفاظ بالعلاقة. ولم تحصل الولايات المتحدة على أي شيء لم تمنحه قيادتها من تلقاء نفسها، غالباً لتعزيز المصالح الشخصية والطبقية، ولكن في بعض الأحيان من أجل المصلحة الوطنية الأكبر. ويحسب لهم أن القادة الباكستانيين، مدنيين وعسكريين على حدٍ سواء، وقفوا أيضاً في مواجهة الضغط الأميركي، عندما يتعلق الأمر بمصالح وطنية مهمة، كما في حالة البرنامج النووي الباكستاني، أو العلاقات مع الصين. وخارج باكستان، تظل الولايات المتحدة قوة في الديناميكيات السياسية الداخلية للعديد من البلدان. وتحاول واشنطن التأثير، وأحياناً التلاعب أو الإكراه، إزاء القادة في جميع أنحاء العالم. ولكن الحقيقة هي أنه في معظم البلدان، بما في ذلك باكستان، حيث لا تمتلك الولايات المتحدة مصالح حيوية مستدامة، فهي تفعل ذلك من خلال علاقاتها مع الحكومات في السلطة.
النظام يعمل
على أي حال، لم تكن حاجة الولايات المتحدة الحالية لباكستان ماسة، لدرجة أنها تدعو إلى اتخاذ إجراء صارم بالسعي لتغيير النظام. ولم تكن واشنطن بحاجة، ببساطة، إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة. وحتى لو فعلت، فلن تنجح واشنطن، لأن باكستان يمكنها أن تصمد أمام الضغط الخارجي إذا أرادت ذلك. وتخضع باكستان للضغط، فقط، عندما يتعلق الأمر ببقاء النظام، أو عندما تكون مصلحة النظام على المحك. وعلى الرغم من كل عيوبها، فإن العملية الدستورية في باكستان ونظام الحكم الديمقراطي يعمل. وظهرت قوة النظام الباكستاني أخيراً في قرار المحكمة العليا بإعادة الجمعية الوطنية إلى العمل، والتطورات اللاحقة التي أدت إلى التغيير السلمي للحكومة. وبالتالي، فباكستان ليست جمهورية موز، ولديها مرونة.
المؤامرة التي لم تكن كذلك
زعم عمران خان وحكومته المنتهية ولايتها، أن الولايات المتحدة تآمرت مع المعارضة للإطاحة به من خلال تصويت بحجب الثقة. وكدليل، ادّعى خان أن مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون جنوب ووسط آسيا، دونالد لو، هدد بتغيير النظام في اجتماعه مع سفير باكستان لدى الولايات المتحدة في 7 مارس. ولكن لم يقدم خان أي دليل على مثل هذا التهديد، ولا يمكن أن يفعل، كما يزعم أنه تم خلال محادثة دبلوماسية سرية.
من غير المعقول أن يكون المسؤول الأميركي قد هدد بإزاحة خان. وربما استخدم، دونالد لو، لغة قاسية أو فظة في موضوع حساس، ما يجعل تعليقاته تبدو أكثر خطورة مما كانت عليه. أو ربما كان مجرد مثال على ضعف التواصل. ومع ذلك، كانت النتيجة النهائية رسالة أصبحت وسيلة سهلة للتلاعب من أجل غايات سياسية. ويضخم أنصار خان هذا الأمر، كمثال على معاقبة خان، بسبب سياسته الخارجية «المستقلة». ولكن الأمر لم يكن كذلك. ألا تمتلك الهند سياسة خارجية مستقلة وعلاقات ممتازة مع واشنطن؟
الهند، مثل باكستان، أثارت استياء أميركا لدعمها لروسيا. وإذا كانت باكستان قد تعرضت لضغوط أكبر، فذلك بسبب التوقيت السيئ لزيارة خان إلى موسكو، ووضع باكستان التابع. ومع ذلك، لم تكن الزيارة وحدها السبب؛ إذ كانت التوترات بين واشنطن وخان تتصاعد منذ أن تولت إدارة بايدن السلطة. ولم يكن ذلك بسبب سياسة خان الخارجية «المستقلة»، ولكن بسبب إحساس محتمل بخيبة الأمل في أن بلاده، التي جعلتها النخبة التي تعتمد على المساعدة الخارجية؛ تتحدى الواقع على حساب مصالح البلدين.
تواصل دبلوماسي
من المحتمل أن يكون الدبلوماسيون الأميركيون في إسلام آباد قد أخبروا المعارضة بعدم رضاهم عن خان، على أمل إضعاف دعمه السياسي. وإذا كان هذا صحيحاً، فقد كان هذا أبعد ما يذهب إليه «تدخّل» واشنطن. ولن يكون هذا شيئاً جديداً، فقد كانت واشنطن جزءاً من المشهد السياسي الباكستاني، بهذه الطريقة لعقود. ويتواصل الدبلوماسيون في جميع أنحاء العالم مع جميع السياسيين، بمن في ذلك المعارضة، ويستمعون إلى مواقفهم بشأن العلاقات بين بلدانهم.
وفي ضوء كل هذا، كان خطأً كبيراً لرئيس وزراء بلد يواجه تحديات عدة، باستخدامه لجزء من المعلومات السرية - تتعلق بتبادل دبلوماسي لفظي مع احتمال سوء التواصل - بشأن خطوة سياسية كبيرة، تتطلب تقديم أدلة واضحة أمام المؤسسات التشريعية والجمهور. ومن ثم فقد أغرق خان البلاد في خطر دستوري وعدم اليقين الاقتصادي، مع كل ما صاحب ذلك من عدم استقرار سياسي.
خلاصة القول هي أنه لو وجد خان اتصالاً دبلوماسياً خاصاً فيه تهديد ضمني، لكان قد دعا إلى مبادرة قوية حيال واشنطن؛ لكنه أخطأ بإعلانه للرأي العام، والادعاء أن هذا الاتصال كان دليلاً على مؤامرة لإبعاده، دون إظهار الدليل، وهو بالطبع لا يمكن إظهاره.
* توقير حسين - أستاذ مساعد في جامعة جورج تاون، وزميل معهد دراسات جنوب آسيا، في جامعة سنغافورة الوطنية. كما عمل سفيراً سابقاً لباكستان ومستشاراً دبلوماسياً لرئيس الوزراء.
• إذا كانت باكستان قد تعرضت لضغوط أكبر، فذلك بسبب التوقيت السيئ لزيارة خان إلى موسكو، ووضع باكستان التابع.
• تبنّت باكستان خيارات سياسية سيئة، باعتمادها على المساعدة الخارجية، واستفادت الولايات المتحدة وغيرها من الجهات المستفيدة من هذه التبعية لتعزيز مصالحها الأمنية والاستراتيجية.
• يحتمل أن يكون الدبلوماسيون الأميركيون في إسلام آباد قد أخبروا المعارضة بعدم رضاهم عن خان، على أمل إضعاف دعمه السياسي. وإذا كان هذا صحيحاً، فقد كان هذا أبعد ما يذهب إليه «تدخّل» واشنطن.
• لعبت واشنطن دوراً مهماً في اختلال موازين القوة والضعف البنيوي للنظام القائم على النخبة في باكستان، وأصبحت في النهاية ركيزة خارجية لدعم النظام. وأدى هذا إلى خلق سياسات خاطئة من كلا الجانبين.