أخطأت بالاعتماد على الغاز الروسي
هل تتحمل أنغيلا ميركل المسؤولية عن الحرب في أوكرانيا
اختفت أنغيلا ميركل، وكانت المستشارة الألمانية السابقة قد وعدت، عند مغادرتها السلطة في ديسمبر الماضي، بالامتناع عن أي تعليقات ونصائح لخليفتها أولاف شولتس. ولولا فقرة موجزة في الصحف المحلية ذكرت أن محفظتها سُرقت منها في محل السوبرماركت، وبيان صحافي بليغ يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، لاعتقدنا أنها لم تعد موجودة.
وبعد أربع فترات في منصب المستشارية، نجحت بشكل جيد وحقيقي في التغلب على متاعب الحياة السياسية الألمانية والأوروبية، التي شاركت فيها بلا كلل، منذ سقوط جدار برلين في عام 1989. ولكن الحرب التي بدأها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دفعتها إلى قلب الجدل العام.
ما نصيب المسؤولية، لمن حكم ألمانيا لمدة 16 عاماً، في المأساة التي تمر بها أوكرانيا؟ وكيف كانت هذه المرأة من ألمانيا الشرقية، التي تتحدث الروسية ونشأت في ظل نظام شيوعي، لا ترى شيئاً قادماً؟ وكيف يمكن للزعيم الأوروبي الأكبر سناً أن يشعر بالرضا عن الرئيس الروسي، الذي قضت معه الكثير من الوقت وجهاً لوجه أو على الهاتف؟ ولماذا استمرت في الوثوق، بل في التودد إليه وفقاً لمنتقدين، بهذا العميل السابق في المخابرات السوفييتية الذي عمل في دريسدن خلال الحرب الباردة، والذي لم تكن تجهل سماته الشخصية؟ وفوق كل ذلك، كيف يمكن أن ترتكب الخطأ الفادح المتمثل في جعل بلدها يعتمد إلى هذا الحد على الغاز الروسي؟
لطالما كانت روسيا قريبة من تفكير ميركل؛ فقد نشأت في تمبلن، وهي بلدة صغيرة تابعة للنفوذ الروسي على بعد نحو 60 كيلومتراً من برلين. وعندما كانت مراهقة، فازت برحلة إلى موسكو لتفوقها في مسابقة اللغة الروسية في مدرستها الثانوية. وهي تحب قراءة مؤلفات تولستوي ودوستويفسكي؛ وصورة «تسارينا كاترين العظيمة» كانت معلقة على جدار مكتبها في المستشارية.
حقل الخراب
كثيرون هم من يلومونها على «سذاجتها» تجاه بوتين. وحزبها يستهدفها الآن. وها هو الرئيس الجديد لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي يواجه المعارضة، فريدريش ميرز، يشير أمام نواب البرلمان إلى «حقل الخراب الذي خلفته السياسة الخارجية والأمنية الألمانية في السنوات الأخيرة». ويقول ميرز: «إننا لم نكن لنصل إلى هذا الحال لو سُمح لأوكرانيا بالانضمام إلى حلف الناتو»، وهو أمر عارضته ميركل والرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، في قمة بوخارست عام 2008.
ومع ذلك، على عكس سلفها، الديمقراطي الاجتماعي غيرهارد شرودر، لم تمتنع أنغيلا ميركل أبداً عن إدانة انتهاكات الحريات وقمع المعارضين في روسيا. وعندما ذهبت، لزيارة خصم الرئيس الروسي، أليكسي نافالني، الذي تلقى العلاج في برلين بعد تسممه، انتقدت بوتين. ولم يتوقف هذا الأخير عن استفزازها واختبارها. وفي عام 2007، علم برهاب المستشارة من الكلاب، فأحضر لها كلب «لابرادور»، خلال استقبالها في الكرملين. وفي الصورة، شوهدت ميركل وهي تنحني على كرسيها وبوتين يبتسم، وفي عام 2014، كذب بوتين علانية على ميركل، للمرة الأولى، وأكد لها أنه لا ينوي ضم شبه جزيرة القرم.
وأصاب العلاقة بين موسكو وبرلين الفتور إلى حد كبير، بينما دعت المستشارة لاتخاذ سلسلة من العقوبات الأوروبية ضد روسيا. ولم تنخدع، لكنها كانت لاتزال تأمل في أن تؤدي المصالح التجارية المشتركة والسعي إلى الحوار إلى جعل الحلحلة ممكنة. ومع ذلك، في 2015، أعطت ميركل الضوء الأخضر لبناء خط أنابيب غاز، «نورد ستريم 2»، الذي يربط روسيا بألمانيا تحت بحر البلطيق. ومع أن القرار كان ذا طبيعة «تجارية بحتة»، أشار المنتقدون إلى التداعيات الجيوستراتيجية الخطيرة للمشروع. ويسلط «نورد ستريم 2» الضوء على هشاشة إمدادات الطاقة في ألمانيا، والتي تعتمد بنسبة 50٪ على الغاز الروسي.
الضامن الوحيد
في عام 2011، وتحت ضغط من الرأي العام المرعوب من حادثة فوكوشيما، في اليابان، قررت المستشارة بين عشية وضحاها التخلص التدريجي من الطاقة النووية. ومن المقرر، من حيث المبدأ، إغلاق آخر محطتين لاتزالان قيد التشغيل في العام المقبل.
وفي الوقت نفسه، عادت الحكومة الألمانية إلى استخدام الفحم بقوة. لذلك ظل الغاز الروسي الحل الوحيد لضمان إمدادات الطاقة الألمانية على المدى المتوسط. وغير مكترثة بتحذيرات حزب الخضر (الحزب الألماني الوحيد الذي عارض بناء نورد ستريم 2)، وباحتجاجات أوكرانيا ودول البلطيق والولايات المتحدة، استمر التحالف بقيادة ميركل في المشروع. وتطلب الأمر اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير الماضي، حتى تُجمد ألمانيا المشروع، ثم البحث عن موردي غاز جدد، قطر على سبيل المثال.
وفي حزبها، انتقدها القادة المحافظون في الإقليم الشرقي والاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري، بسبب «تعنتها» تجاه فلاديمير بوتين بعد ضم شبه جزيرة القرم. وفي صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذين شاركوا في ولايتين من ولايات ميركل الثلاث ضمن «التحالف الكبير»، والذين صادقوا على جميع القرارات المهمة بشأن الطاقة، هناك، أيضاً، فحص للضمير.
وإلى جانب الدور الرئيس الذي لعبه شرودر، الذي يعتبر صديق بوتين الشخصي ومهندس مشروع نورد ستريم الذي ورثته منه ميركل؛ هناك السياسة التي أطلقها المستشار، ويلي براندت، في عام 1969، لبدء الانفراج مع السوفييت. وبالنسبة إلى برانت، ينبغي أن يؤدي توطيد العلاقات الاقتصادية والتجارية مع موسكو إلى تمكين روسيا من التحول نحو التعايش وتهدئة النزاعات.
وحتى 24 فبراير، لم تكن هذه العقيدة موضع تساؤل حقاً في ألمانيا. وهذا يدل على حجم التحول الاستراتيجي الجاري في البلاد. ومع ذلك، فهي ثورة لم تنجح، حتى الآن، في إخراج ميركل عن صمتها.
• عام 2015، أعطت ميركل الضوء الأخضر لبناء خط أنابيب غاز، «نورد ستريم 2»، الذي يربط روسيا بألمانيا تحت بحر البلطيق. ومع أن القرار كان ذو طبيعة «تجارية بحتة»، أشار المنتقدون إلى التداعيات الجيواستراتيجية الخطيرة للمشروع.
• عام 2007، علم بوتين برهاب المستشارة من الكلاب، فأحضر لها كلب «لابرادور»، خلال استقبالها في الكرملين. وفي الصورة، شوهدت ميركل وهي تنحني على كرسيها وبوتين يبتسم، وفي عام 2014، كذب بوتين علانية على ميركل، للمرة الأولى، وأكد لها أنه لا ينوي ضم شبه جزيرة القرم.
• %50 من إمدادات الغاز الألمانية مصدرها من روسيا.
• على عكس سلفها، الديمقراطي الاجتماعي غيرهارد شرودر، لم تمتنع أنغيلا ميركل أبداً عن إدانة انتهاكات الحريات وقمع المعارضين في روسيا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news