رغم أن اليمين لايزال يشكل تهديداً محدقاً
فوز ماكرون بالانتخابات مصدر راحة كبيرة للدول الغربية
سيبقى إيمانويل ماكرون في منصبه لفترة أخرى رئيساً لفرنسا، وهو أول شخص يتمكن من القيام بذلك منذ عام 2002 وفق استطلاعات الرأي. وستنظر العواصم الغربية الحليفة لباريس إلى انتصار ماكرون بارتياح كبير، على منافسته من اليمين المتطرف مارين لوبان بهامش جيد، حيث حصل على 58.8% من أصوات الناخبين، في حين حصلت لوبان على 42.2%.
الغزو الروسي عزز الوحدة الأوروبية
وعلى الرغم من أن ماكرون كان دائماً هو الأكثر حظاً للفوز بهذه الانتخابات، إلا أن كثيرين يرون أن الغزو الروسي لأوكرانيا سلط الضوء على أهمية الحاجة إلى الوحدة الأوروبية في وجه عدوان يسعى إلى تقويضها. وتعززت هذه الوحدة بين حلفاء حلف شمال الأطلسي (ناتو) والاتحاد الأوروبي بصورة متفاوتة خلال هذه الأزمة، ولكن المسؤولين كانوا يخشون من أن انتصار لوبان يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بالعلاقة بين طرفي الأطلسي. ومن المؤكد أن لوبان هي آخر شخص يتوقع قادة الدول الغربية أن يحكم دولة بأهمية فرنسا، ويضطرون إلى الاجتماع معه.
وفرنسا عضو في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ومجموعة الدول الثرية السبع، وتمتلك مقعداً دائماً في مجلس الأمن الدولي، كما أنها دولة نووية. ومع ذلك، وعلى الرغم من ترسخها العميق في ركائز النظام الغربي، إلا أنها تاريخياً تفضل الاستقلالية في سياستها الخارجية. وهذا يعني أنها يمكن أن تعمل كوسيط بين الدول التي تقودها الولايات المتحدة ودول مثل إيران، والصين، وروسيا. وكانت علاقات لوبان السابقة مع روسيا والموقف الفاتر من حلف الناتو، والنظرة المعادية للاتحاد الأوروبي تعني أن انتصارها يمكن أن يسبب القلق في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، فإذا كانت التوقعات صحيحة، فإن حجم فوز ماكرون سيعني أن احتفالات النصر ستقتصر على عدد محدود من الحلفاء. وبعيداً عن فوز ماكرون المؤثر عام 2017، حيث تمكن من هزيمة لوبان براحة وحقق 66% من الأصوات، فإن هامش الفوز الآن أقل بكثير مما سبق.
أول اختبار حقيقي لـ«الناتو»
وعلى الرغم من أن هزيمة اليمين المتطرف للمرة الثانية، هو انتصار عظيم لماكرون، إلا أن حلفاء فرنسا سيكونون متيقظين تماماً إلى حقيقة أن 42% من الناخبين الفرنسيين، وفق البيانات، دعمت شخصاً يقف ضد الكثير من المُثل التي يمثلونها.
ولن يشعر أحد بذلك بحدة، أكبر مما سيشعر به قادة حلف الناتو، والاتحاد الأوروبي. وبالنسبة للناتو، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا كان أول اختبار حقيقي لوحدة الحلف منذ سنوات. وعلى الرغم من التساؤلات التي أثيرت من قبل البعض على القرارات التي اتخذها ماكرون خلال الأزمة، إلا أن حلف الناتو ظل على وفاق تام. واستناداً إلى العلاقة السابقة بين لوبان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين واحتقارها لحلف الناتو، قلة من القادة الغربيين اعتقدوا بأن ذلك لن يحدث الكثير من المشكلات لحلف الناتو فقط وإنما لمجلس الأمن الدولي أيضاً.
لوبان شخصية مؤثرة في فرنسا
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه على الرغم من أن بوتين ربما لم يتمكن من إدخال، لوبان، مرشحه المفضل إلى قصر الإليزيه، إلا أنها تظل شخصية تتسم بتأثير كبير في فرنسا، وهي تتمتع بتأييد عدد كبير من الناخبين. وفي الوقت الذي تعتبر خسارتها استمراراً لمعاداة فرنسا لسياسة غزو أوكرانيا، فإن روسيا لاتزال تمتلك النفوذ في دولة أوروبية رئيسة، والتي من المتوقع أن تواصل القيام بإحداث انقسامات في فرنسا وخارجها.
وعندما يتعلق الأمر بالاتحاد الأوروبي، فإن ماكرون لم يكتم رغبته في أن تصبح أوروبا أكثر قوة ووحدة، بمعنى أمنها و سياستها الخارجية. وكانت وجهة نظره في بعض الأحيان تثير غضب كثيرين من نظرائه، الذين يعتقدون بأنه يحاول فرض الرؤية الفرنسية على أوروبا، على الرغم من أن التزامه بالمشروع الأوروبي لا يمكن التشكيك فيه.
ومن ناحية أخرى، فإن لوبان أشد خطراً من مجرد شخص يريد مغادرة فرنسا للاتحاد الأوربي، لأنها ستكون قادرة على مجموعة «اليوروسبتك» التي تنتقد الاتحاد الأوروبي، والتي تريد السيطرة على أي كتلة فيه. وهناك عدد كبير من هؤلاء الأشخاص اليمينيين المتشددين ممثلين في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، ففي البرلمان الأوروبي، نجد الأحزاب اليمينية المتطرفة ممثلة في عدد من الدول. ويبدو الأمر أكثر فوضوية عندما يتعلق الأمر بالقيادة الوطنية الأوروبية.
رسالة مفتوحة تعارض التقدمية
وهناك دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، أشهرها هنغاريا وبولندا، يقودها أشخاص يحملون رؤية نحو الاتحاد الأوروبي شبيهة كثيراً بما لدى لوبان. وتأكد ذلك العام الماضي عندما انضمت لوبان إلى مجموعة من القادة اليمينيين، بمن فيهم القادة الوطنيون، في رسالة مفتوحة يعارضون فيها العديد من الأفكار التقدمية التي تم اقتراحها خلال العقود الماضية من قبل بروكسل، مقر قيادة الاتحاد الأوروبي.
وبناءً عليه، فعندما سارع العديد من القادة الأوروبيين إلى تهنئة ماكرون، فقد كانوا مدركين للغاية بأن هذه المشاعر المعادية للاتحاد الأوروبي والمعادية للغرب، لاتزال حية في فرنسا، التي يقال إنها الدولة الأقوى من بين أعضاء الاتحاد الأوروبي.
وبالنسبة للغرب التقليدي، فإن الفترة الثانية من حكم ماكرون تمثل لحظة ارتياح كبيرة، ولكنها أيضاً لحظة تحذير أيضاً. فاذا واصل اليمين المتطرف تحصيل المكتسبات، فستكون نتيجة الانتخابات الرئاسية مختلفة تماماً بعد خمس سنوات.
* لوك ماكجي محلل سياسي في «سي إن إن»
• على الرغم من أن هزيمة اليمين المتطرف للمرة الثانية، هو انتصار عظيم لماكرون، إلا أن حلفاء فرنسا سيكونون متيقظين تماماً إلى حقيقة أن 42% من الناخبين الفرنسيين، وفق البيانات، دعمت شخصاً يقف ضد الكثير من المثل التي يمثلونها.
• على الرغم من ترسخها العميق في ركائز النظام الغربي، إلا أن فرنسا تاريخياً تفضل الاستقلالية في سياستها الخارجية. وهذا يعني أنها يمكن أن تعمل كوسيط بين الدول التي تقودها الولايات المتحدة ودول مثل إيران، والصين، وروسيا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news