دونا ماريا استُعبدت 70 عاماً مـن قِبَل 3 أجيال
عاشت دونا ماريا (85 عاماً)، كل حياتها خادمة في منزل عائلة في ريو دي جانيرو. وظلت تتنقل عبر هذه العائلة على مدى ثلاثة أجيال من الوالد إلى ابنه. وانقلب عالم هذه المرأة رأساً على عقب يوم الإثنين الأول من شهر مايو الجاري، عندما أخبرتها مفتشة العمالة المنزلية، ألكساندرا ليرا، أنها لن تعود إلى الأسرة التي عاشت معها منذ أن كانت في سن 13 عاماً. وشعرت وكأن عالمها قد انهار. ولم تفهم سبب ذلك وتوسلت المفتشة أن تدعها تعود إلى حيث اعتادت العيش. وقالت مفتشة العمالة ليرا التي أنقذت هذه المرأة بعد 72 عاماً من العمل لدى أسرة ماتوس مايا، دون الحصول على أي أجر أو عطلة: «كان الخضوع واضحاً في كلامها عندما قالت: عليّ أن أعود كي أُطعم السيدة يوني، وأن أهتم بها، وأغسلها. وإذا لم أعد فهي ربما تموت، لقد شعرت بأنها مسؤولة عن سيدتها»، وكان عالم دونا يدور فقط داخل جدران ذلك المنزل. ولم يتم اكتشاف مثل هذه الحالة من العبودية في البرازيل.
جهل بالحقوق
وطيلة هذه السنوات لم يكن لدى ماريا دونا، وهو اسم وهمي أطلقته السلطات عليها لحماية هويتها، أي زوج أو أطفال أو أصدقاء، كما أنها لم تعرف شيئاً عن حقوق العمال.
وكانت السيدة يوني تعيش في غرفة رئيسة في منزل تتشارك فيه مع ابنها أندريه. وبعد شكوى مجهولة، قامت مفتشة العمل ليرا بزيارة إلى المنزل. ولتبرير وجود، ماريا دونا، لجأت عائلة ماتوس مايا إلى التبرير الأكثر شيوعاً في مثل هذه الحالة، وهو القول: «إنها مثل أحد أفراد العائلة»، وعادة ما يساعد هذا التبرير على إخفاء جريمة استغلال العمال.
ويكون الضحايا خدماً لدى العائلات الثرية التي غالباً ما تستغلهم في ظروف غير إنسانية، كما هي الحال مع دونا ماريا، التي كانت تنام على أريكة في المدخل المؤدي إلى غرفة سيدة المنزل، حيث كانت مستعدة دوماً كلما احتاجتها. وتعتقد مفتشة العمالة ليرا أن ماريا دونا تدين لهذه العائلة، برواتب تعادل 1.5 مليون ريس، أي ما يعادل 300 ألف دولار.
ويشكل عمال المنازل أعداداً كبيرة في البرازيل، وهم دعامة أساسية بالنسبة للعائلات الثرية، وغالبيتهم من السود، ومن العائلات الفقيرة. وتجسد دونا ماريا، وهي سوداء، إرث العبودية في البرازيل هذه الأيام. ولكن هذا الوضع ليس فريداً، ففي العام الماضي قامت المفتشة ليرا بإنقاذ سبعة أشخاص آخرين مستعبدين في العمالة المنزلية في مدينة ريو دي جانيرو. ولطالما قامت الأخصائية الاجتماعية، ثايناي موتا، 33 عاماً، بمعالجة ضحايا العمالة المنزلية الذين تم استعبادهم من قبل الأسر الثرية، وهي جزء من مشروع «العمل المتكامل» الذي أنشأته وزارة العمل العامة في ريو دي جانيرو وكاريتاس عندما أدرك الجميع أن إنقاذ هؤلاء العاملين من الاستعباد المنزلي ليس كافياً.
ويركز البرنامج في البداية على تخفيف الضرر الناجم عن انفصال المستعبدين عن العوائل التي عاشوا فيها، ومن ثم تقديم المساعدة للضحايا ليتمكنوا من العيش بصورة مستقلة. وتقول موتا: «تكون العلاقة بين المستعبدين والعائلات التي عاشوا فيها قوية جداً. وهم يشعرون بأنهم مضطرون للبقاء مع هذه الأسر، لأنهم يعتقدون أنه لدى خروجهم من هذه العائلات ستسوء أمورهم إلى حد كبير».
وتم الكشف عن حالة ماريا دونا علانية يوم الجمعة 13 مايو الجاري، حيث كانت البرازيل تحتفل في هذا اليوم بمرور 134 عاماً على القضاء على العبودية في البرازيل. ووقعت الأميرة إيزابيل ما يعرف بالقانون الذهبي عام 1888 في قصر ريو دي جانيرو. وأصبحت العبودية غير قانونية في البرازيل، ولكنها لم تنتهِ تماماً. وبعد تجريم العبودية، لم تقدم البرازيل أرضاً أو عملاً أو تعليماً للرجال المحررين من العبودية، الذين تم تجريدهم من أعمالهم من قبل المهاجرين الأوروبيين البيض. ونظراً إلى حالة العجز الكامل التي عاناها هؤلاء، فضل الكثير منهم العودة إلى أسيادهم، وتوسلوا لهم من أجل الحصول على مأوى وطعام.
يكون الضحايا خدماً لدى العائلات الثرية التي غالباً ما تستغلهم في ظروف غير إنسانية، كما هي الحال مع دونا ماريا، التي كانت تنام على أريكة في المدخل المؤدي إلى غرفة سيدة المنزل، حيث كانت مستعدة دوماً كلما احتاجتها
طيلة سنوات لم يكن لدى، دونا ماريا، وهو اسم وهمي أطلقته السلطات عليها لحماية هويتها، أي زوج أو أطفال أو أصدقاء، كما أنها لم تعرف شيئاً عن حقوق العمال.