نيوزيلندا قدمت نموذجاً يحتذى
بلدان غنية قيدت حيازة البنادق الهجومية بعد أول حادث إطلاق نار
اهتزت الولايات المتحدة لإطلاق النار الأكثر دموية، منذ نحو 10 سنوات، عندما دخل مسلح يبلغ من العمر 18 عاماً، في 24 مايو، إلى مدرسة ابتدائية في أوفالدي بولاية تكساس، وقتل 19 طفلاً واثنين من المُدرسين، مستخدماً بندقية هجومية نصف آلية. وأعادت المأساة النقاشات المحتدمة، في جميع أنحاء البلاد، بشأن السيطرة على الأسلحة، لا سيما فيما يتعلق بتوافر أسلحة هجومية شبه آلية، والتي استخدمت في معظم عمليات إطلاق النار الجماعية، في الولايات المتحدة، خلال السنوات الأخيرة. وتعتبر أميركا دولة استثنائية فيما يتعلق بالسيطرة على السلاح.
قد تؤدي عمليات إطلاق النار الجماعية إلى الحزن والغضب في الولايات المتحدة، ولكنها نادراً ما تؤدي إلى تشديد القيود على الأسلحة، على المستوى الفيدرالي. وقالت نائبة مدير مركز حلول عنف الأسلحة في جامعة جونز هوبكنز، كاساندرا كريفاسي، «تشهد البلدان الأخرى حوادث إطلاق نار جماعي مروّعة وقتلة يستخدمون بنادق هجومية، ويقول المسؤولون فيها، (لن يحدث ذلك مرة أخرى أبداً)، وهم يقصدون ذلك». متابعة، «في الولايات المتحدة، نقول، لن يحدث ذلك أبداً مرة أخرى. ولكن بعد ذلك نستمر في فعل الشيء نفسه».
تنظيم الملكية
وتمتلك الولايات المتحدة أكبر عدد من الأسلحة النارية لكل فرد مقارنة بأي دولة أخرى في العالم. وعلى عكس البلدان الأخرى التي شهدت عمليات إطلاق نار جماعي، أخيراً، فإن ملكية الأسلحة في أميركا متأصلة في تاريخ الأمة وثقافتها الشعبية وهويتها الأساسية. ولكن معظم الأميركيين يؤيدون على الأقل تنظيم ملكية الأسلحة، وفقاً لاستطلاع أجرته شركة «مونينغ كونسلت-بوليتيكو»، العام الماضي. ويؤيد 84٪ من الناخبين عمليات التحقق من الخلفية العامة للشخص عند شراء الأسلحة.
وعلى الرغم من أن عمليات إطلاق النار الجماعية ليست حكراً على الولايات المتحدة، إلا أن البلاد لديها أعلى معدل لوفيات الأسلحة النارية بين الدول الغنية، أكثر من ثماني مرات من كندا، وأعلى بنحو 100 مرة من المملكة المتحدة. ويتبع كل هجوم في الولايات المتحدة مساراً مشابهاً، ويتمثل في دعوات إلى مزيد من السيطرة على السلاح، دائماً ما قوبلت بمعارضة من المشرعين الجمهوريين. ولكن في عدد من البلدان الأخرى، لاسيما نيوزيلندا والنرويج، كان إطلاق نار جماعي واحد كافياً لفرض تغيير واسع النطاق.
مجزرة في نيوزيلندا
بعد أسبوع من مقتل 51 مصلياً بالرصاص، في مسجدين في كرايستشيرش بنيوزيلندا، في مارس 2019، أعلنت رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن، عن إصلاحات شاملة للسيطرة على الأسلحة.
وعلى الرغم من وجود ما يقرب من سلاح ناري واحد لكل أربعة نيوزيلنديين، في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى البنادق في المقام الأول على أنها أدوات يستخدمها المزارعون والصيادون. وأوضح حادث إطلاق النار في كرايستشيرش المخاطر. وقالت أرديرن، «باختصار، سيتم حظر كل سلاح نصف آلي، مثل الذي تم استخدامه في الهجوم الإرهابي يوم الجمعة في هذا البلد».
وكان أمام مالكي الأسلحة ستة أشهر لبيع أسلحتهم إلى الحكومة بموجب القانون الجديد، الذي كلف أكثر من 65 مليون دولار. ونتيجة لذلك، تم استرجاع أكثر من 60 ألف سلاح ناري وأكثر من ثلاثة أضعاف هذا العدد من العتاد، بما في ذلك مخازن الذخيرة.
وفي يونيو 2020، قامت نيوزيلندا، التي يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة بتشديد قوانين الأسلحة بشكل أكبر، إذ أدرجت سجلاً جديداً للأسلحة النارية لتتبع شراء وبيع الأسلحة، وتراخيص أقصر لحاملي التراخيص لأول مرة، وفرض حظر على مجموعة متنوعة من الأسلحة النارية. والوقت وحده هو الذي سيخبرنا عن التأثير الحقيقي للتشريع. وزادت الجرائم المتعلقة بالأسلحة النارية، بالفعل، في عام 2020، لكن المدافعين عن مراقبة الأسلحة يقولون إن هذا يعكس تعامل الشرطة مع جريمة الأسلحة النارية بجدية أكبر.
الرد المناسب
وكانت نيوزيلندا قد نظرت في السابق في فرض قيود على الأسلحة في عام 1996، بعد إطلاق نار جماعي في أستراليا المجاورة أسفر عن مقتل 35 شخصاً، ما دفع الحكومة، في كانبيرا، إلى حظر البنادق نصف الآلية. وتم التخلي عن الفكرة بسبب ضغوط من لوبيات السلاح القوية وتردد السياسيين.
وفي ضوء إطلاق النار في أوفالدي، بولاية تكساس، أعربت أرديرن عن صدمتها وتعاطفها مع الضحايا، «عندما أشاهد من بعيد وأرى أحداثاً مثل هذا اليوم، فأنا لست سياسية» متابعة، «إنني أراهم بعين الأم». وقالت عن رد نيوزيلندا على هجوم عام 2019، «عندما رأينا شيئاً كهذا يحدث، لم يقل الجميع أبداً،(مرة أخرى)، ولذا كان لزاماً علينا نحن السياسيين الرد على ذلك».
تدابير بريطانية
• أصبح الإصلاح التشريعي لقوانين الأسلحة قضية عامة في المملكة المتحدة، بعد أن قتل مسلح، في عام 1996، 16 تلميذاً وشخصاً بالغاً في بلدة دانبلاين الأسكتلندية باستخدام مسدس. وفي ذلك الوقت، لم تكن هناك لوائح محددة بشأن المسدسات، في بريطانيا، حيث تم استخدام الأسلحة النارية بشكل أساسي فقط في الأراضي الخاصة للاستخدام الترفيهي. وبعد ضغوط من عائلات الضحايا والجمهور الأوسع، فرضت حكومة المملكة المتحدة حظراً شبه كامل على المسدسات في غضون عام، والذي تم تمديده لاحقاً ليشمل جميع المسدسات.
وكما هو الحال في نيوزيلندا، بدأت الحكومة البريطانية برنامج إعادة شراء الأسلحة، والذي كان له الفضل في إبعاد 20 ألف قطعة سلاح عن التداول. وفي السنوات التي أعقبت تعديل القانون في عام 1997، تم تسجيل وفيات أقل بشكل ملحوظ جراء الأسلحة؛ ولم تشهد المملكة المتحدة إطلاق نار جماعياً منذ عام 1996.
خلافاً للبلدان الأخرى التي شهدت عمليات إطلاق نار جماعي، أخيراً، فإن ملكية الأسلحة في أميركا متأصلة في تاريخ الأمة وثقافتها الشعبية وهويتها الأساسية.
60000
• ألف سلاح ناري تم استرجاعه في نيوزيلندا بعد هجوم كرايستشيرش في 2019.
النموذج النرويجي
• في النرويج، اعتبرت قوانين الأسلحة النارية قوية إلى حد ما؛ على الرغم من اختلاف مستويات امتلاك البنادق نصف الآلية وبنادق الصيد؛ حتى قبل الهجوم الإرهابي المزدوج، في يوليو 2011 والذي خلف 77 قتيلاً، حيث أقدم المتطرف اليميني، أندرس بريفيك، متنكرا بصفة ضابط شرطة بتفجير سيارة مفخخة في أوسلو، ما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص، ثم توجه إلى جزيرة أوتويا، وهو موقع لمُعسكر شبابي صيفي، يشرف عليه حزب العمال. وخطط بريفيك، في البداية، لاستهداف رئيسة الوزراء السابقة، العُمالية غرو بروندتلاند، التي ألقى عليها اللوم في السماح للمسلمين بالاستقرار في النرويج، لكن تم إلغاء ظهورها في الحدث. وبدلاً من ذلك، أطلق النار على 69 شخصاً، مستخدماً بندقية نصف آلية ومسدساً من طراز «كلوك»، في أعنف هجوم محلي تشهده البلاد منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي ذلك الوقت، كان على مالكي الأسلحة في النرويج الحصول على ترخيص، وأن يكونوا فوق سن 18 عاماً، وأن يقدموا سبباً «مُقنعاً» للملكية. وحصل القاتل على أسلحته بشكل قانوني عن طريق تراخيص الصيد والعضوية في نادٍ للرماية بالمسدسات. واستخدم بعض المدافعين عن حق ملكية السلاح، في الولايات المتحدة، المأساة دليلاً على أن قوانين الأسلحة الأكثر صرامة كانت غير فعالة في منع إطلاق النار الجماعي. ومع ذلك، فإن معدل القتل عن طريق السلاح الناري في الولايات المتحدة، حالياً، أعلى بنحو 12 مرة منه في النرويج. ويقول الخبراء أن مزيجاً من أدوات التحكم في السلاح والتعليم والثقافة تسهم في تحقيق سجل أفضل للأمة الاسكندنافية.
وعلى عكس نيوزيلندا، كان الضغط من أجل مزيد من السيطرة على السلاح بعد إطلاق النار الجماعي بطيئاً في تحقيق نتائج تشريعية. وعلى الرغم من أن لجنة مستقلة أوصت بتشديد قواعد ملكية الأسلحة في عام 2011، إلا أن البرلمان النرويجي لم يمرر حظراً على البنادق نصف الآلية حتى عام 2018، والذي استغرق تنفيذه عامين آخرين. وخلال تلك الفترة اقتحم مسلح مسجداً وأطلق النار، ما أدى إلى إصابة شخص.
إجراءات مشددة
• كان لأستراليا تقديرها الخاص للعنف المسلح، في عام 1996، عندما قتل مسلح 35 شخصاً ببندقية نصف آلية، في بورت آرثر بولاية تسمانيا. وفي غضون أسبوعين، دعم كل من الحكومة الفيدرالية والمشرعين، في الولاية الحظر على البنادق نصف الآلية والأسلحة النارية الأخرى. وقامت الحكومة بشراء ما لا يقل عن 650 ألف قطعة سلاح هجومية وصهرتها في المعامل؛ كما فرض المشرعون تراخيص لإثبات «الحاجة الحقيقية» لامتلاك أسلحة، ودورات تدريبية تهتم بسلامة الأسلحة النارية.
وأدى إطلاق النار الجماعي اللاحق، الذي قتل فيه مسلح طالبين باستخدام أنواع مختلفة من المسدسات، في إحدى جامعات ملبورن، عام 2002، إلى مزيد من القيود، تمثلت في عقوبة أشد حيال إساءة استخدام المسدسات، وقوانين مشددة لتداول السلاح، وقيود مفروضة على أنواع المسدسات التي يملكها مدنيون.
ومنذ عام 1997، انخفضت نسبة الأستراليين الذين يحملون رخصة حمل السلاح إلى النصف تقريباً، وانخفض معدل القتل بسلاح ناري بشكل كبير.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news