حكومات إفريقية تنأى بنفسها عن الصراع بين الغرب وروسيا
تعتمد نحو 36 دولة إفريقية على روسيا وأوكرانيا، فيما لا يقل عن 50% من واردات القمح، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. وزادت الحرب الروسية على أوكرانيا من الضغوط الشديدة التي كانت سائدة من قبل على الإمدادات الغذائية العالمية؛ فالجفاف في فرنسا والولايات المتحدة والهند والقرن الإفريقي، أسهم في تراجع المحاصيل؛ ولاتزال الآثار المستمرة للقيود المفروضة على العمل والسفر المرتبطة بالوباء تسهم في الأزمة. ويؤدي ارتفاع تكاليف الطاقة والأسمدة، إلى تفاقم الصورة القاتمة المتمثلة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
إلقاء اللوم
وكما كان متوقعاً، ألقت موسكو باللوم في أزمة الغذاء العالمية على العقوبات الغربية. ويتهم آخرون الكرملين، أيضاً، بذرف دموع التماسيح في نزاعه مع الغرب، حول من يقع عليه اللوم. ولكن يوجد الآن إحباط متزايد بين الحكومات الإفريقية والشرق أوسطية، بعد وقوعها في مرمى النيران، والضغط عليها للانحياز إلى أحد الجانبين. وكما أوضحت «مجموعة الأزمات الدولية»، في مثل هذا الوقت الذي يشهد تقلباً كبيراً، فإن لدى الدول أزماتها الاقتصادية، والسياسية، والإنسانية، الفورية والخطيرة.
وأشار تقرير المجموعة إلى أنه «في جميع أنحاء المنطقة وداخل البلدان الغارقة في حرب أهلية، يتجنب اللاعبون السياسيون في الغالب الاصطفاف العلني مع الجانب الروسي أو الأوكراني/الغربي، ويفضلون في الوقت الحالي التحوط».
امتناع عن التصويت
وبالعودة إلى شهر مارس، انضمت 17 دولة إفريقية، إلى 18 دولة أخرى، للامتناع عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يأسف لـ«العدوان الروسي على أوكرانيا». وربما كان عدد الدول الإفريقية التي امتنعت عن التصويت أعلى، لولا الضغط الدبلوماسي الغربي وراء الكواليس والاستفادة من العلاقات الوثيقة، الأمر الذي أكد أن معظم الدول الإفريقية - 28 من أصل 54 - أيدت القرار، وفقاً لبعض المراقبين.
ومن بين الممتنعين عن التصويت، السنغال، وهي دولة إفريقية صديقة للغرب. وقد حذر رئيسها، ماكي سال، القادة الأوروبيين، الأسبوع الماضي، من أن أزمة الغذاء مقلقة وأن رواية روسيا بشأن من يقع اللوم عليه، قد تكتسب زخماً في إفريقيا.
وقبل أيام قليلة، بينما كان المستشار الألماني، أولاف شولتس، في زيارة للبلاد، حذر سال من أن الأفارقة «لا يريدون أن يكونوا مع أي طرف في ما يخص هذا الصراع، ومن الواضح أننا نريد السلام»، متابعاً «على الرغم من إدانتنا للغزو، إلا أننا نعمل من أجل وقف التصعيد، ونحن نعمل من أجل وقف إطلاق النار، ومن أجل الحوار؛ وهذا هو الموقف الإفريقي».
وقام الكرملين بإحياء علاقاته مع الدول الإفريقية، على مدى السنوات الماضية، وعزز التعاون الاقتصادي والعسكري، خصوصاً مع الدول التي كانت تتمتع في السابق بعلاقات وثيقة مع الاتحاد السوفييتي، الذي دعم الحركات الاشتراكية ونضالات التحرر الوطني في جميع أنحاء إفريقيا.
اكتساب الزخم
وفي عام 2019، استضاف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، القمة الأولى لروسيا وإفريقيا للقادة السياسيين ورجال الأعمال، وهو حدث سعى مسؤولو الكرملين للترويج له باعتباره تأكيداً على عودة روسيا إلى القارة. وتضمنت الخبرة الأمنية المعروضة حتى الآن متعاقدين عسكريين من الروس، ومتخصصين في المعلومات المضللة، يساعدون في دعم الحكومات الفاشلة، أو الفاسدة، أو الاستبدادية. وسعياً إلى إثارة الشكوك حول تكتيكات الغرب وأهدافه للقارة، يروج الآن لرواية روسيا حول الحرب في أوكرانيا، لاكتساب بعض الزخم.
وبالنسبة للعديد من القادة الأفارقة، تمثل أزمة الغذاء مثالاً لكيفية تعامل القوى الغربية مع القارة، الانتباه إليها عندما يريدون أو يحتاجون إلى شيء ما، ويتجاهلون ذلك في ما عدا ذلك، وتتوقع هذه القوى أن ترى إفريقيا العالم من خلال عيون أوروبا.
وفي حين أن انتهاك روسيا للمعايير العالمية قد صدم الكثيرين في إفريقيا، إلا أنهم قلقون بشأن احتياجاتهم الفورية، لما تعاني القارة من مجاعة وحروب وصراعات.
ويشكو دبلوماسيون من إفريقيا والشرق الأوسط من نظرائهم الأوروبيين في الأمم المتحدة، وفي أماكن أخرى من العالم، تحويل المناقشات إلى أوكرانيا، لأنهم منشغلون بالأحداث الجارية في أوروبا. وبينما تتعهد القوى الغربية بتقديم أموال لدعم أوكرانيا، أصبح تأمين المساعدات الخارجية أكثر صعوبة للقارة السمراء، حيث قد تؤدي أزمة الغذاء الشاملة إلى ارتفاع عدد الضحايا مقارنة بالأزمة في أوكرانيا.
انخفاض المحاصيل
وثمة دول مثل إثيوبيا وكينيا، هي أيضاً، عرضة للخطر. وكذلك الأمر بالنسبة لنيجيريا، حيث تتخطى أسعار المواد الغذائية الأساسية متناول الأسر العادية. وهناك نقص في مكونات العلف الأساسية للماشية، مثل الذرة، بسبب انخفاض المحاصيل. كما أن ارتفاع كُلفة المعادن والفيتامينات المستخدمة في إنتاج الدواجن يؤدي إلى ارتفاع أسعار البيض والدجاج.
وبدأ القادة الغربيون، الآن، يحاولون تسليط الضوء على أوجه التشابه بين كفاح أوكرانيا لتكون سيدة مصيرها، بعيداً عن تدخل قوة إمبريالية، من جهة، ونضالات الدول الإفريقية والآسيوية للهروب من الاستعمار، من جهة أخرى.
وفي غضون ذلك، أكد القادة الغربيون أن المواد الغذائية والأسمدة والبذور معفاة من العقوبات المفروضة على روسيا.
ولكن ما لم يأتِ الغرب بمخططات عملية سريعة للمساعدة في التخفيف من حدة المجاعة والجوع، والتي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا، فإن بعض القادة (في أوروبا) يعترفون الآن بأن محاولاتهم لإقناع الحكومات الإفريقية بالطرح الغربي بشأن الأحداث الجارية، مهددة بالفشل إلى حد كبير.
17
دولة إفريقية امتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمصلحة قرار يشجب العدوان الروسي على أوكرانيا.
50 %
من واردات القمح في 36 دولة تأتي من روسيا وأوكرانيا.
في جميع أنحاء المنطقة وداخل البلدان الغارقة في حرب أهلية، يتجنب اللاعبون السياسيون في الغالب الاصطفاف العلني مع الجانب الروسي أو الأوكراني/الغربي، ويفضلون في الوقت الحالي التحوط.