«الإعلام.. وفتاة المنصورة»
أثار حادث مقتل الطالبة نيرة أشرف في جامعة المنصورة بمصر، على يد شخص رفضت الارتباط به، بحسب شهود عيان، ردة فعل واسعة، ووضعت الإعلام في اختبار جديد.
المجلس الأعلى للإعلام المصري بادر باتخاذ قرارين، الأول هو الدعوة الفورية لإدارة «فيس بوك» برفع «يوتيوبات» الحادث، حفاظاً على حرمة الموت، وصيانة لكرامة الضحية، واحتراماً لمشاعر أهلها، وحفاظاً أيضاً على المشاهدين، خصوصاً الصغار، من رؤية الجريمة البشعة بتفاصيلها، كما قرر المجلس بالتوازي أيضاً، بالاتفاق مع رئيس الهيئة الوطنية للصحافة المصرية، عبدالصادق الشوربجي، دعوة رؤساء تحرير الصحف إلى إقرار استراتيجية إعلامية موحدة للتعامل مع الموقف.
على أن هذه التحركات التي اتخذها المجلس، على أهميتها، اقتصرت حدود تأثيرها على «الحقل الخبري»، تاركاً الباب لما هو أكثر خطورة في مثل هذه الجرائم، وهو «تفسيرها، وتكييفها، واستغلالها، وأدلجتها»، كما أن هذه التحركات على ضرورتها أيضاً لم تضع في الحسبان، أن الإعلام لم يعد كما السابق، صحفاً ومواقع فقط، بل بالعكس، فهذه الأخيرة قد تكون أحياناً الأقل تأثيراً في وجود الـ«فيس بوك» و«اليوتيوب» و«الكلبهاووس»، وفي ظل تحول «اي انفلونسر» (مؤثر) في أبعد قرية عن مركز الحدث، إلى طرف أكثر تأثيراً بجمهوره المليوني، وتاريخه المتواصل التراكمي، من رؤساء تحرير تتصدر أسماؤهم أعالي الترويسات.
للسبب الأخير بالذات، كانت الواقعة الإعلامية الأهم في حادث «نيرة» رحمها الله، والتي كادت أن تطغى على حدث الجريمة نفسه، هو «يوتيوب» الأستاذ الجامعي الدكتور مبروك عطية، والذي رغم عدم ذكره «نيرة» بالاسم، إلا أن خطابه فهم من قبل عشرات الآلاف من المتابعين، أن «من تتبرج تستحق القتل»، كما أن تعبيره أن الفتاة يجب أن تخرج من بيتها «كما القفه» أثار استفزاز أغلبية في تعليقات التواصل، علاوة على منظمات سياسية وحقوقية.
وهكذا بالتداعي، كانت جامعة الأزهر التي تخرج وعمل بها عطية، طرفاً في المعالجة الإعلامية للأزمة، حيث أسرعت بإصدار بيان فوري خاطبت فيه الرأي العام، قالت فيه إنها «تتابع التصريحات التي صدرت عن أحد أساتذة الجامعة، والتي لا تتناسب مع تقدير المؤسسة الأزهرية للمرأة واحترامها لها»، وقال البيان إن «هذه التصريحات شخصية لا تعبر إلا عن رأي صاحبها»، كما أن «الجامعة تهيب بضرورة التفرقة بين رأي المؤسسة، وتلك الآراء التي تصدر بشكل شخصي من البعض».
ورغم كل هذه المصدات المؤسسية، واصل البعض في منصات مختلفة، تنصيب نفسه منصة قضائية، ربما ليذكرنا أنه ليس بالإجراءات وحدها ينضبط الإعلام، وأنه من دون وعي تفصيلي وجهد متجدد في صحافة الجريمة، سيظل كثيرون أبد الدهر أسرى لـ«شهوة الترند».