جاسيندا أرديرن.. السياسية النيـوزيلندية ذائعة الصيت بدأت تفقد شعبيتـها
تظل رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرن، صوتاً ليبرالياً رائداً، في الغرب وبلدان أخرى. وخلال رحلتها الأخيرة إلى الولايات المتحدة، ألقت خطاب الافتتاح في جامعة هارفارد، والتقت في المكتب البيضاوي بالرئيس جو بايدن. وفي كل محطة، سلطت الضوء على نجاحاتها في تمرير قيود حمل السلاح والتعامل مع الوباء.
في المقابل، بدأ نجم أرديرن يخفُت في نيوزيلندا، ويتسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود والإيجارات في زيادة صعوبة الحياة بالنسبة للعديد من النيوزيلنديين، كما ازداد عنف العصابات ليصدم سكان الضواحي، الذين لم يعتادوا على القلق بشأن سلامتهم.
والأهم من ذلك، هناك شكوك عميقة في قدرة رئيسة الوزراء على تحقيق التغيير «التحولي»، الذي وعدت به بشأن المشكلات الأساسية، حيث تصل أسعار المنازل إلى مستويات عالية جداً، وتزداد انبعاثات الكربون في البلاد، على الرغم من تعهدات حكومتها، وتظل معدلات فقر الأطفال مرتفعة بشكل لافت.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن حزب العمال عند أدنى مستوى من الدعم منذ خمس سنوات، مع اقتراب موعد الانتخابات في عام 2023. وقال مورجان جودفيري، وهو كاتب ليبرالي ومحاضر شهير في جامعة أوتاجو، في دنيدن، إن هذا يعكس وجهة نظر مفادها أن أرديرن «لم تقم بما يلزم» في ما يتعلق بالقضايا التي يهتم بها الناخبون.
وأضاف جودفيري «النيوزيلنديون الذين يرون هذا، يوماً بعد يوم، يشعرون بالإحباط بسبب الركود السياسي»، متابعاً «لكن إذا نظرت من الخارج، فأنت لا ترى نقصاً في السياسة، بل ترى شخصية رئيسة الوزراء الناجحة، وهذا هو المكان الذي يظهر فيه عدم التطابق».
وقامت أرديرن ببناء مكانة دولية كقائدة نسوية تقدمية وقائدة «حنونة»، التي برزت بشكل أكبر عندما اجتاحت موجة من الشعبوية اليمينية الولايات المتحدة ودولاً أخرى، وقد سمح لها ذلك بتجميع شعبية غير عادية لزعيم بلد صغير.
إشادة واسعة
وفي فترة ولايتها الأولى، نالت إشادة واسعة النطاق، لأنها قادت بلادها في أعقاب مذبحة مسجد «كرايستشيرش»، ومن خلال التعامل مع الوباء. وفي غضون أيام، من إطلاق النار في المسجد، أعلنت فرض حظر شامل على الأسلحة الهجومية، وبعد وصول الفيروس التاجي، اتخذت إجراءات سريعة للقضاء على الفيروس من خلال عمليات الإغلاق والرقابة على الحدود، ما يحافظ إلى حد كبير على الحياة الطبيعية.
وساعد نجاحها في التعامل مع الجائحة في رفع حزبها إلى أغلبية مطلقة، في البرلمان، خلال الانتخابات الأخيرة، في أكتوبر 2020، وهي المرة الأولى التي يفوز فيها أي حزب بأغلبية منذ انتقال البلاد إلى نظامها الانتخابي الحالي في عام 1993.
لكن ذلك قد يسبب، أيضاً، مشكلاتها الحالية. وقال بن توماس، وهو كاتب محافظ، إنه مع خروج نيوزيلندا من الوباء بأحد أدنى معدلات الوفيات في العالم «كان هناك شعور بأن الحكومة يمكن أن تفعل المستحيل حقاً من خلال التصدي للفيروس، الذي اجتاح بقية العالم».
والآن، مع رفع معظم القيود المفروضة، أنهت حكومة أرديرن حربها الموحدة ضد الوباء، وانتهى بذلك الكثير من دعم الأحزاب. وتواجه رئيسة الوزراء، الآن، تضخماً متصاعداً، وزيادة في العنف المسلح، والتقدم الضئيل في القضايا التي أربكت نيوزيلندا لعقود.
وقال توماس «لقد انتقلت رئيسة الوزراء من مستويات لا يمكن المساس بها إلى كونها سياسية عادية مرة أخرى».
وأرديرن (41 عاماً)، هي واحدة من العديد من قادة العالم الذين تراجع دعمهم الشعبي وسط الأزمات الاقتصادية، التي سببتها الحرب في أوكرانيا، ومشكلات سلاسل التوريد المرتبطة بالوباء. ومعدلات تأييد بايدن وصلت إلى 40 %، وخسر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأغلبية البرلمانية لحزبه في انتخابات اتسمت بالإحباط من كلفة المعيشة.
مشكلة الحكومة
ومعدل التضخم في نيوزيلندا البالغ 6.9%، أقل من المتوسط (9.2%) في العالم المتقدم ككل، وقد ردت أرديرن على الانتقادات بالإشارة إلى الضغوط العالمية الخارجة عن إرادتها.
وقال أندرو كامبل، وهو متحدث باسم رئيسة الوزراء «يشهد العالم بأسره أسوأ صدمة اقتصادية منذ الكساد الكبير، مع الحرب في أوكرانيا وقضايا سلسلة التوريد المتعلقة بالوباء، التي تضاف إلى أسوأ ارتفاع في التضخم منذ عقود». وأعلنت حكومتها، من بين إجراءات أخرى، دفع 350 دولاراً نيوزيلندياً (220 دولاراً) لمواطني نيوزيلندا من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض للمساعدة في تخفيف الزيادات في تكاليف المعيشة. ومع ذلك، يرى الكثيرون أن تدابير فعل الحكومة غير كافية بالمقارنة مع الإجراءات في دول أخرى. وقال توماس «هذه ليست غلطة الحكومة، لكنها مشكلة الحكومة».
ووجدت أرديرن نفسها في صراع مع تصاعد عنف السلاح، إذ تم الإبلاغ عن 23 حادث إطلاق نار مرتبطاً بالعصابات في أواخر مايو وأوائل يونيو، وتقاتلت عصابتان متحالفتان في السابق على مناطق النفوذ.
وفي بعض الأحيان، أُجبر ضباط الشرطة، الذين هم عادة غير مسلحين في نيوزيلندا، على حمل البنادق في أجزاء من أوكلاند، وهي أكبر مدينة في البلاد. وفي الأسبوع الماضي، خفضت أرديرن رتبة وزير الشرطة، قائلة إنها فقدت «التركيز». والصعوبات الحالية التي تواجهها رئيسة الوزراء هي أحدث تطور في صعود سياسي سريع غير متوقع.
تحقيق اختراقات
يقول المحللون السياسيون إنهم غير متأكدين مما إذا كان بإمكان رئيسة الوزراء النيوزيلندية، جاسيندا أرديرن، تحقيق اختراقات في أي من القضايا طويلة الأمد للمساعدة في تحسين وضعها.
وفشلت الحكومات المتعاقبة في كبح جماح سوق الإسكان المحموم. وتفاقمت المشكلة في ظل حكومة أرديرن، إذ ارتفع متوسط أسعار المنازل بنسبة 58%، بين عامي 2017 و2021. وفي العام الماضي، تجاوز متوسط سعر المنزل مليون دولار نيوزيلندي، أي ما يعادل 626 ألف دولار.
كما عانت البلاد، أيضاً، فقر الأطفال المزمن، الذي يتسبب في ارتفاع معدلات الحمى الروماتيزمية وأمراض الرئة بشكل لافت، في بلد متقدم. وفي عام 2017، أعلنت أرديرن أن الحد من فقر الأطفال هدف أساسي. وحالياً، يعيش 13.6% من أطفال نيوزيلندا في فقر، بانخفاض عن 16.5%، في عام 2018، ولكن أكثر من هدف الحكومة البالغ 10.5%.
وعلى الرغم من وعد رئيسة الوزراء بالتعامل مع تغير المناخ، فقد زادت الانبعاثات بنسبة 2.2%، منذ عام 2018.
وقال أندرو كامبل، وهو متحدث باسم رئيسة الوزراء، إن الحكومة أحرزت تقدماً في القضايا الرئيسة، على الرغم من تحديات الجائحة. وأوضح «لقد واصلنا معالجة التحديات طويلة الأجل التي واجهتها بلادنا، بما في ذلك الإشراف على أكبر برنامج إسكان حكومي، منذ عقود، وانتشال عشرات الآلاف من الأطفال من الفقر، واتخاذ إجراءات مناخية حقيقية».
لكن مورجان جودفيري، وهو كاتب ليبرالي ومحاضر في جامعة أوتاجو، قال إن أرديرن لم تحصل على مساعدة كافية من فريقها في ترجمة خطابها إلى سياسة، موضحاً أن «السيدة أرديرن شخص مهتم حقاً، لديها التزام عميق بقضايا عدم المساواة، وتغير المناخ، وفقر الأطفال»، متابعاً «لكن في كثير من الأحيان لا يُترجم ذلك إلى برنامج سياسي ملموس».
تهديدات متزايدة
تضاعفت التهديدات ضد رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، ثلاث مرات، تقريباً، على مدار ثلاث سنوات، وسط تصاعد حركات المؤامرة ورد الفعل العنيف ضد السياسات الصحية للحكومة. وأظهرت بيانات جديدة، أن الشرطة سجلت 18 تهديداً في عام 2019. وفي عام 2020، ارتفع العدد إلى 32 تهديداً، وفي عام 2021 تعاملت الشرطة مع 50 تهديداً ضد رئيسة الوزراء.
وأصبحت أرديرن نقطة انطلاق لسوء المعاملة والشك والتهديدات بين الجماعات المناهضة، لاسيما خلال أسابيع احتجاجات فبراير، عندما تحولت مسيرات بالقرب من البرلمان والشوارع المحيطة به إلى أعمال شغب عنيفة، إذ تعرض العديد من ضباط الشرطة للاعتداء، وأشعلت النيران في أجزاء من البرلمان. ودعا عدد من المتظاهرين إلى محاكمة وإعدام أرديرن العلنية، وغيرها من السياسيين البارزين والموظفين العموميين.
وفي حين لم تتمكن الشرطة من تحديد دوافع كل تهديد فردي، أظهرت الوثائق أن المشاعر المناهضة للتلقيح كانت قوة دافعة لعدد من التهديدات، وكانت معارضة التشريع الخاص بتنظيم الأسلحة النارية بعد إطلاق النار الجماعي في 15 مارس عاملاً آخر.
انتصار مفاجئ
بعد ارتقائها المفاجئ لقيادة حزب العمال، في عام 2017، عمت حزب رئيسة الوزراء موجة من «شعبية جاسيندا»، مدفوعة بوجهها الجديد، ووعودها بإصلاحات كبرى، لتشكيل حكومة مع حزبين صغيرين، في انتصار مفاجئ على يمين الوسط الوطني.
وبعد ثلاث سنوات، في الانتخابات الوطنية اللاحقة، أيد نصف الناخبين حزب العمل. وحتى فبراير من هذا العام، أظهرت استطلاعات الرأي أن الحزب لايزال يفوز بتأييد ما يصل إلى 50% من الناخبين.
وفي ذلك الشهر، بدأت الحكومة في تخفيف قيود فيروس كورونا. ومع تلاشي الوباء كقضية، بلغ متوسط دعم حزب العمال، الآن، 35% في استطلاعات الرأي، ويقف الحزب الوطني عند 40%، وبما في ذلك الأحزاب المتحالفة، فإن الجانبين متكافئان في الاقتراع.
35 %
متوسط دعم حزب العمال في الاستطلاعات الأخيرة، مع تلاشي الوباء كقضية.
220
دولاراً لذوي الدخل المتوسط والمنخفض للمساعدة في تخفيف الزيادات في تكاليف المعيشة.