«صحافة الحلول»
تسبّب صعود صحافة الترندات بعد طغيان أخبار الجريمة في الشهور الأخيرة، في عودة الجمهور إلى المناداة مجدداً بـ«صحافة الحلول»، بوصفها الحل لما وصل إليه الإعلام اليوم. فقد مل الناس اللهاث من متابعة الجرائم، وعناوين «الأكثر قراءة أو مشاهدة أو تعليقاً»، ويخشى الناس على أطفالهم وبيوتهم ووجداناتهم من «تلغيمها» بكل هذا الفكر الإجرامي، الذي يتنفسونه كما الهواء، والذي بالتأكيد سيغير ثقافتهم وسلوكهم.
وتعبير ومفهوم «صحافة الحلول» ليس جديداً، فقد ظهر بشكل خجول منذ 2001، لكن منذ 2016 انتشر أكثر، وأصبحت له شبكات ومنتديات ومؤتمرات سنوية، ويعرفه خبراء ببساطة أنه «على الصحافة اقتراح الحلول بدلاً من أن تركز جهودها على تقديم المشكلة».
وتكشف الشبكة الدولية لصحافة الحلول في تقرير لها صدر أخيراً، أن «هذا النوع من الصحافة لم يعد توجهاً ناشئاً، اذ جرى إنتاج 13 ألف قصة صحافية من 6000 صحافي في 181 دولة، يتبعون هذه المدرسة، في العام الماضي فقط».
ويخشى مراقبون من إخفاق «صحافة الحلول» في اجتذاب القراء، لأن الانسان بطبعه عاشق للإثارة، لكن تقريراً لمعهد رويترز للإعلام صدر مطلع العام الجاري، يرى أن «صحافة الحلول» يمكنها أن تكون بالمستوى نفسه من الجاذبية كالصحافة التقليدية، إذا ما اتبعت معايير معينة، ويضرب التقرير مثالاً ببرنامج تلفزيوني دنماركي حمل عنوان «حلت أو ضاقت» قامت فكرته على وضع أحد السياسيين في غرفة مغلقة، وعرض إحدى المشكلات عليه ليتولى حلها خلال 20 دقيقة، مع تضييق وتوسيع الغرفة حسب مدى نجاحه في حل المشكلة.
وترى الإعلامية، نينا روزنبرغ، أن «صحافة الحلول» يمكن أن تصل إلى كل المجالات، وتقدم في ذلك نموذج قصص صحافية من هذه المدرسة، غطت قضايا عدة، بدءاً من السياسات التعليمية في أميركا إلى محاولة استغلال العقاقير المستخدمة في علاج مرض نقص المناعة، شريطة أن تلتزم هذه الصحافة بعدم المبالغة.
ويرى الخبير الإعلامي، ديفيد يورنشتاين، أن في ولادة «صحافة الحلول» ميزة نوعية، وهي تجاوز الصحافة لمرحلة عرض الخطايا والأخطاء، خصوصاً أن مجتمع القراء في بلد كالولايات المتحدة لم يعد لافتاً بالنسبة إليه إلقاء مزيد من الضوء على السلبيات.
يبقى أن واقع هذه الصحافة ضعيف في عالمنا العربي، ويعتبر خبراء أن هذا التأخر إيجابي، حيث إن انتقالها دون دراسة تحوطه نوعان من المخاطر، الأول هو التسبب في قتل صحافة «عرض المشكلات» التي رغم شيوع سباق الترندات إلا أننا لانزال في أمسّ الحاجة إليها، والثاني هو تحول كثير من منصات الصحافة العربية مجدداً إلى «البروباغندا الصريحة»، وهي سمة من فرط انتشارها يكاد الناس أن يتصوروا أنها «فطرة عربية».
ملّ الناس اللهاث من متابعة الجرائم، وعناوين «الأكثر قراءة أو مشاهدة أو تعليقاً».