تذبذب الواردات من أوكرانيا وروسيا فاقم الأزمة

الجفاف في فرنسا يهدّد الأمن الغذائي لبلدان شمال إفريقيا

صورة

أدّت درجات الحرارة المرتفعة غير المعتادة إلى حالة من الجفاف واضطراب في المزارع الفرنسية، منذ أبريل الماضي. ويقول غيوم لوفورت، وهو مزارع حبوب، يمتلك 860 فداناً من الأرض عبر ثلاث مزارع في منطقة «كومبس لافيل»، جنوب باريس: «لقد ساعدت الأمطار الأخيرة. القليل يساعد، لكنه ليس كافياً»، متابعاً «الجو متقلب، وأحياناً يكون جيداً لنا؛ وفي بعض الأحيان يكون غير عادل؛ ولكن الأمر يزداد صعوبة كل عام، لأن أنماط الطقس تصبح أكثر تقلباً».

ومثل مزارعو القمح، في جميع أنحاء فرنسا وجزء كبير من أوروبا الغربية، يتردد لوفورت في توقع نتائج الحصاد المقبل في يوليو وأغسطس. وتحتوي منطقته على طبقة مياه جوفية كبيرة، لذلك يعتقد أنه سيكون على ما يرام هذا الموسم، ولكن في أجزاء أخرى من فرنسا، تركت الظروف الحارة التربة جافة جداً، بحيث لا يمكن تجديدها بسهولة. وتسببت العواصف الأخيرة في أضرار أكثر من المنافع، إذ دمرت، في بعض الأحيان، سنابل القمح وسوّت سيقان الذرة أرضاً.

وفي حين يمكن للمستهلكين الفرنسيين أن يتوقعوا رؤية أسعار أعلى لخبزهم الفرنسي المحبوب، نتيجة لتوقع تراجع إنتاج القمح هذا الموسم، فإن تداعيات الجفاف تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك. وكما أن شمال إفريقيا والشرق الأوسط، أكبر مستوردي القمح الأوكراني والروسي، فهما، أيضاً، أكبر مستهلكين للمحصول الفرنسي. ومع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا في منع صادرات القمح من البحر الأسود، يجب أن تعتمد دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، الآن، بشكل كبير على الحبوب الأوروبية لتلبية الحاجة.

العجز عن ملء الفراغ

ولكن مع استمرار ظروف الجفاف، قد لا تتمكن فرنسا وبقية أوروبا من ملء الفراغ، ما يترك الفئات الهشة عرضة لخطر نقص الإمدادات وارتفاع أسعار المواد الغذائية، في وقت تسبب فيه تغير المناخ والجائحة، بالفعل، في انعدام الأمن الغذائي.

وحتى لو ارتفعت الأسعار، يجب على الفرنسيين أن يتذكروا أنهم لن يفتقروا إلى أي شيء. ويقول جويل ليموزين، وهو مزارع ماشية وحبوب، ونائب رئيس اتحاد الزراعة الفرنسي: «لا داعي للاندفاع إلى المتاجر وتفريغ الأرفف»، متابعاً «لكن في السوق العالمية، أصبحت الأسعار باهظة، ويمكننا أن نتوقع نقصاً؛ وستحاول أوروبا إدارة الوضع، ولكن ستكون هناك مشكلات كبيرة للناس في جميع أنحاء القارة الإفريقية».

بدأت المشكلات، التي يواجهها المزارعون الفرنسيون، هذا الربيع، عندما ارتفعت درجات الحرارة في أجزاء من البلاد إلى أواسط الثلاثينات مئوية. ويُزرع القمح في أكتوبر، ويعتبر فصل الربيع فترة حرجة بالنسبة للمحصول للوصول إلى مرحلة النضج، قبل موسم الحصاد الصيفي. وتسببت الحرارة المفرطة، بما في ذلك الارتفاع المتوقع هذا الأسبوع، في مخاوف بشأن انخفاض الإنتاج أو جعل بعض المحاصيل غير جاهزة للحصاد.

تغيّر المناخ

وبسبب تغيّر المناخ، أصبحت أنماط الطقس غير قابلة للتوقع بشكل متزايد، مع عدد أقل من دورات الطقس، من باردة وحارة، وممطرة؛ مع مرور الوقت. وعلى عكس نظرائهم في الولايات المتحدة، نادراً ما يستخدم المزارعون الفرنسيون طرق الري، وبدلاً من ذلك يعتمدون على «المحاصيل الناجحة تاريخياً والتي تتكيف مع التربة المحلية»، كما يقول لوفورت. ولكن هذا يعني أنهم يعتمدون تماماً على الطقس لتحقيق موسم ناجح.

وفي وقت يضرب فيه الجفاف أجزاء من فرنسا وأوروبا الغربية، تدور الحرب في أوكرانيا، التي تعتبر خامس أكبر مصدر للقمح في العالم. ويهدد حصار روسيا لموانئ أوكرانيا المطلة على البحر الأسود، بتفاقم أزمة الغذاء العالمية. وفي غضون ذلك، حظرت الهند - ثاني أكبر مصدر للقمح في العالم - جميع صادرات القمح، بعد أن تسبب الطقس الحارق في مخاوف من أنها لن تكون قادرة على إطعام سكانها.

وتسبب التأثير المشترك في حالة من الذعر في سوق الحبوب الدولية. وفي شيكاغو (حيث المؤشر الدولي)، قفزت أسعار القمح، منتصف مايو، بنسبة قدرها 60٪ هذا العام.

الدول الأكثر تضرراً

وتقدر «ستاندرد آند بورز غلوبال» أن مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس ستكون الأكثر تضرراً اقتصادياً، بسبب ارتفاع مستويات وارداتها من الغذاء والطاقة، واعتمادها على الحبوب من أوكرانيا وروسيا. ويستورد المغرب 33٪ من فرنسا، و32٪ من أوكرانيا، و17% من روسيا. وفي الوقت نفسه، تعد مصر أكبر مستورد للقمح، في العالم، إذ تحصل على نحو 85٪ من قمحها من روسيا وأوكرانيا.

ومن المتوقع أن تقدم الحكومات إعانات غذائية لتخفيف الأزمة، كما تفعل مصر منذ عقود لمساعدة أفقر مواطنيها. وفي أغسطس 2020، خفضت حجم وزن الرغيف بمقدار 20 غراماً، في محاولة للتخلص التدريجي من الدعم، لكنها قد تواجه صعوبة في اتخاذ تدابير أكثر صرامة في هذا السياق.

مشكلات إطعام السكان

وفي ذلك يقول الأستاذ في جامعة مونبيلييه، عمر باسعود: «الخبز هو غذاء أساسي لبلدان مثل المغرب والجزائر؛ إنه الحياة»، موضحاً «في المرة الأخيرة التي عدلت فيها الحكومة سعر الخبز، كانت هناك اشتباكات». ويتابع الخبير الفرنسي «إذا لم تكن هناك مفاوضات مع أوكرانيا وروسيا من الآن وحتى الخريف، فستواجه دول شمال إفريقيا مشكلات هائلة لإطعام سكانها».

وعلى المدى القصير، ستكون البلدان التي بدأت بالفعل في البحث عن القمح في مكان آخر، هي الأكثر حماية. ووجدت دراسة أجراها مركز السياسات للجنوب الجديد، ومقره المغرب، في شهر مارس، أن الجزائر والمغرب ونيجيريا كانت الأكثر استعداداً لتفادي أزمة القمح بسبب تنوع وارداتها من القمح، وقد استفادت هذه البلدان من تجربة الجائحة.

شفافية

ولايزال الخبراء والمزارعون يطالبون بمزيد من الشفافية في السوق لتجنب الارتفاع غير الضروري في أسعار الحبوب العالمية. من جهته يركز المزارع لوفورت على الحلول، حيث يصبح التنبؤ بالمناخ أكثر صعوبة بمرور السنين. وقد اختبر تقنيات جديدة، مثل معرفة مستويات المياه الجوفية باستخدام هاتفه المحمول، وقام بتنويع محاصيله. ويقوم الآن بزراعة نحو 10 أنواع مختلفة، بما في ذلك الذرة والشمندر وعباد الشمس. ويقول: «أنا متفائل بطبيعتي، وأشعر أن دوري في الحياة هو إطعام الناس وإيجاد الحلول»، متابعاً «أحاول إلقاء نظرة طويلة لإيجاد طرق للحفاظ على مزرعتي مستدامة، وأن أصبح أكثر مرونة ومقاومة؛ ولكن إذا حصلنا على كميات كبيرة من الأمطار، فسيكون ذلك رائعاً».


60 ٪

نسبة الزيادة في سعر القمح، منتصف مايو، وفقاً لمؤشر شيكاغو الدولي.

يُزرع القمح في أكتوبر، ويعتبر فصل الربيع فترة حرجة بالنسبة للمحصول للوصول إلى مرحلة النضج، قبل موسم الحصاد الصيفي.

يطالب الخبراء والمزارعون بمزيد من الشفافية في السوق لتجنب الارتفاع غير الضروري في أسعار الحبوب العالمية.

في أجزاء مختلفة من فرنسا، تركت الظروف الحارة التربة جافة جداً، بحيث لا يمكن تجديدها بسهولة. وتسببت العواصف الأخيرة في أضرار أكثر من المنافع، إذ دمرت، في بعض الأحيان، سنابل القمح وسوّت سيقان الذرة أرضاً.

تويتر