مازالت لاعباً مهماً على الساحة
حرب أوكرانيا لا تؤثر على مهمة الجيش الروسي في سورية
في أواخر شهر فبراير الماضي، عندما شنت روسيا حربها على أوكرانيا، بدأ المحللون المحليون يتكهنون حول كيفية تأثير هذه الحرب على الوجود العسكري لموسكو في سورية. ولكن هذا التكهن لم يدم طويلاً، ونظراً للمقاومة العنيدة من قبل الجيش الأوكراني، بدأت روسيا تسحب وحداتها العسكرية من المشاة والبحرية، والهندسة من مختلف أنحاء سورية. وبناء عليه اعتقد كثيرون أن استعداد موسكو، أو ربما قدرتها، على دعم الرئيس السوري بشار الأسد قد تأثر نتيجة التوتر الشديد في أوكرانيا. وبالتالي فإن الدور الروسي في سورية سيتناقص على نحو كبير.
تصميم
ولكن التطورات الأخيرة على الأرض تقول قصة مختلفة تماماً، فبالإضافة إلى تعزيز قواتها في شمال سورية رداً على التهديدات التركية بالقيام بعملية عسكرية داخل الحدود السورية، تنفذ موسكو الآن عملياتها العسكرية كما جرت العادة سابقاً، حيث تجري تدريبات مشتركة بالاشتراك مع القوات السورية على الأراضي السورية، وتقدم المساعدات الإنسانية في كل من السويداء والحسكة. وتشير هذه النشاطات الروسية إلى أنه على الرغم من تناقص الوجود الروسي في سورية، فإن موسكو مصممة على حشد قواتها هناك للحفاظ على نفوذها في هذه الدولة.
ومنذ سبتمبر 2015، تم نشر نحو 63 ألف جندي روسي في سورية. وعلى الرغم من أن عدد الجنود الروس الموجودين حالياً في سورية أقل من ذلك، فإن الأمر الأكثر أهمية هو الاعتراف بأن موسكو ليست بحاجة فعلاً لإبقاء الكثير من الجنود هناك، للحفاظ على قدرتها على تنفيذ عملياتها العسكرية. ويرجع ذلك إلى أن مستوى القتال الفعال قد تناقص كثيراً منذ مارس 2020، بعد التوصل إلى اتفاق لإطلاق النار بوساطة روسية وتركية في إدلب. وبالنظر إلى توقف الجبهات القتالية مع المعارضة السورية، تستطيع روسيا استعادة وحداتها من سورية، دون الخوف من عودة هجمات قوات المعارضة السورية.
ويتمثل المقياس الأكثر دقة للنفوذ الروسي في سورية في قدرتها على تحقيق الاستقرار في الشمال السوري الممزق، وحتى الآن لم يكن لحرب موسكو في أوكرانيا تأثير كبير على مهمة الجيش الروسي في سورية.
ضوء أخضر
وفي واقع الأمر كثفت روسيا من نشاطاتها في الجزء الشمالي من سورية لردع تركيا عن القيام بأي عملية عسكرية ضد الفصائل الكردية المرابطة هناك. وفي أواخر شهر مايو الماضي نشرت موسكو جنوداً وست مروحيات هجومية من نوع «اليغاتور كا-52» إضافة إلى طائرتي «سو-34» مقاتلتين وقاذفة في مطار القامشلي، وفق ما ذكرته وسائل إعلام سورية. ونشرت أيضاً قوافل عسكرية تحوي العشرات من ناقلات الجند في مدينتي منبج وتل رفعت. والأكثر أهمية أن روسيا كثفت من أنشطة قواتها الجوية فوق الحدود السورية التركية إضافة إلى خطوط الجبهة في محافظتي حلب والحسكة. والهدف من هذه الأنشطة هو ضمان عدم قيام هجوم تركي على المنطقة من دون ضوء أخضر من موسكو.
وساطة
وفي الوقت ذاته، تظل موسكو مشاركة في التوسط بين الحكومة السورية والفصائل الكردية في منطقة شمال شرق سورية. وعلى الرغم من غياب أي نشاط معادٍ بين دمشق والجنود الأكراد، فإن الاشتباكات لاتزال قائمة في المنطقة، وغالباً ما يتم اختبار قدرة روسيا على تخفيف هذه التوترات.
وآخر جولة من المفاوضات التي قادتها روسيا ظهرت في أبريل الماضي، عندما نجحت روسيا في إقناع الفصائل الكردية المتناحرة وقوات الحكومة السورية، في رفع الحصار عن بعضهم بعضاً. وأظهرت هذه الاتفاقية قدرة موسكو المتواصلة على العمل كوسيط.
الوقوف بين إسرائيل وإيران
وتبدو روسيا أيضاً مصممة على الوقوف بين إيران وإسرائيل لمنع أي تصعيد بين الطرفين. وعلى سبيل المثال، سمحت روسيا للطائرات الإسرائيلية باستخدام المجال الجوي السوري لاستهداف مواقع مرتبطة بإيران، وشحنات أسلحة في سورية. واستمرت روسيا أيضاً في منع إيران من نشر حلفائها بالقرب من الحدود الإسرائيلية، ولكن في الوقت ذاته، قامت روسيا بالضغط على إسرائيل لتقييد الضربات الجوية على سورية، والدفاع عن مصالح إيران. وذكرت تقارير إخبارية أن روسيا أطلقت صواريخ «إس-300» المضادة للطائرات على الطائرات الإسرائيلية فوق سورية، ونفذت دوريات مشتركة على امتداد مرتفعات الجولان في محاكاة مواجهة مع طائرات درون معادية.
وإضافة إلى وجودها العسكري، تبقى قدرة روسيا على التأثير في الأحداث في سورية مرهونة بالدعم المالي الذي تقدمه إلى الميليشيات المتحالفة معها. وعلى الرغم من أن المعلومات حول التمويل الروسي للميليشيات المحلية في سورية قليلة جداً، وفق ما تذكره مواقع إعلامية سورية، فإن موسكو تبدو أنها قدمت نحو 250 ألف دولار في شهر مايو، لدفع رواتب نحو 16 ألف مقاتل مرتبطين بجماعات مسلحة محلية.
تساؤلات الدعم
ولكن من غير المعروف إلى متى سيستمر هذا الدعم، إذ إن الصعوبات المالية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا يمكن أن تؤدي إلى إعاقة قدرة موسكو على مواصلة تمويل جهود حرب ثانية. وإذا توقف التمويل الروسي عن الوصول، يمكن أن تقبل بعض الميليشيات التمويل من إيران أو الحكومة السورية، لكن مسلحي المعارضة في الجنوب، المعادين لطهران ودمشق، ليس من المتوقع أن يفعلوا ذلك بصورة سلمية.
ويمكن أن تؤدي هذه التطورات إلى زعزعة الأمن في الجنوب السوري، الأمر الذي يمكن بدوره أن يهدد الأمن القومي في المملكة الأردنية الهاشمية عبر الحدود، وبالتالي انتقال موجة جديدة من اللاجئين ونشاط عمليات التهريب. وبناء عليه فإن استمرار وجود روسيا في سورية ينطوي على تداعيات أمنية أكثر من الشمال السوري المضطرب.
وسيبقى دور موسكو المتغير في سورية موضوع تكهنات إقليمية مكثفة، ولكن في الوقت الذي أسهمت فيه الحرب في أوكرانيا في إضعاف قدرة الجيش الروسي، وتغير أولوياته الاستراتيجية، فمن الصعب تخيل أي سيناريو ينطوي على تخلي روسيا عن دورها في الحفاظ على الوضع الراهن الهش في سورية. وعلى العكس، فإن انسحاب روسيا من سورية، بسبب حربها في أوكرانيا، والذي كان في السابق متوقعاً بشدة، يبدو أنه أصبح الآن نتيجة كئيبة.
حايد حايد كاتب سوري يعمل استشارياً في «تشاتام هاوس» حول الشرق الأوسط
تبدو روسيا مصممة على الوقوف بين إيران وإسرائيل لمنع أي تصعيد بين الطرفين. وقد سمحت روسيا للطائرات الإسرائيلية باستخدام المجال الجوي السوري لاستهداف مواقع مرتبطة بإيران، وشحنات أسلحة في سورية.
بالإضافة إلى تعزيز قواتها في شمال سورية رداً على التهديدات التركية بالقيام بعملية عسكرية داخل الحدود السورية، تنفذ موسكو الآن عملياتها العسكرية كما جرت العادة سابقاً، حيث تجري تدريبات مشتركة بالاشتراك مع القوات السورية على الأراضي السورية، وتقدم المساعدات الإنسانية في كل من السويداء والحسكة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news