نتيجة الإجراءات والقيود الإسرائيلية بحق أصحاب المحال وفرض ضرائب باهظة ومجحفة
«سوق الجزارين» في القدس.. مقصد الفلسطينيين العتيق يلفظ أنفاسه الأخيرة
داخل أسوار البلدة القديمة في مدينة القدس الشريف، وفي منتصف أزقتها التاريخية الضيقة، يودّع الجائل روائح البهارات والأعشاب العطرية في «سوق العطارين» القديم، ويستقبل روائح اللحوم الطازجة داخل «سوق الجزارين»، أعتق أسواق المدينة المقدسة قاطبة، الذي يحتوي بين جنباته على 100 محل تجاري، اختصت جميعها قديماً ببيع اللحوم الطازجة، بشتى أنواعها.
تحول الدور
مع مرور الأيام والسنين، تحولت بعض محال السوق العتيق إلى بيع المستلزمات المنزلية والصوف، والخضراوات والفواكه، إلى جانب مطاعم شعبية صغيرة، أشهرها مطعم أبوالطاهر دكيدك، لبيع الحمص والفول والفلافل، إلى جانب الكبدة المقلية، واللبنة المقدسية، جميعها كان يقصدها الفلسطينيون من المدينة المقدسة، وكل مدن الضفة الغربية، والداخل الفلسطيني المحتل.
هذه الصورة باتت في حكم الماضي، فاليوم «سوق الجزارين» يلفظ أنفاسه الأخيرة، بعد إغلاق أغلبية محاله التجارية، ولم يتبقَّ سوى 10 محال تحاول الصمود من أجل البقاء، في وجه مشروعات التهويد، وإجراءات بلدية الاحتلال التعسفية، والتي قيدت عمل المقدسيين، وأجبرتهم على إغلاق محالهم قسراً، ليرحلوا عنها، وعن السوق التاريخي، فيما باتت هي وحيدة، تشهد وحدها ممارسات التهويد اللامتناهية.
عزوف قسري
«الإمارات اليوم» زارت «سوق الجزارين»، الذي يُعد أحد أركان ما يُسمى «السوق الثلاثي» داخل أسوار البلدة القديمة، وهو يأتي توالياً بعد سوقي الخواجات والعطارين، فكانت المحطة الأبرز، متجر الحاج أحمد الشويكي لبيع الخيوط الصوفية، أحد المحال التجارية التي حلت بديلاً لأحد دكاكين بيع اللحوم التي أغلقت قسراً، حيث لايزال صاحبه يصرّ على البقاء داخل الأزقة العتيقة، ليكمل مشوار والده عبدالسلام، الذي ورثه ذلك المحل منذ ما يقارب 42 عاماً.
متجر الشويكي الذي يعود أصل تشييده إلى العهد العثماني، وبقي على حاله منذ عام 1967، حتى يومنا هذا، يقع في منتصف «سوق الجزارين»، حيث يعاني ضعف إقبال الزبائن، وتدهور الحركة الشرائية، نتيجة ممارسات الاحتلال التعسفية، التي عزلت الزبائن من مدن الضفة والداخل المحتل، وقيدت عمل أصحاب المحال، حتى عزف الجميع قسراً عن الولوج إلى السوق العتيق، وظهر ذلك جلياً منذ عام 2000، حيث اندلاع أحداث انتفاضة الأقصى الثانية.
ويروي الشويكي تفاصيل ذلك بالقول إن «سوق الجزارين» كان الواجهة الوحيدة لبيع اللحوم والدواجن الطازجة في القدس قاطبة، ولكن عقب اندلاع أحداث مواجهات انتفاضة الأقصى المباركة، ومع بداية بناء مقاطع جدار الفصل العنصري في عام 2002، ابتدأ الغياب الجبري لرواد أسواق البلدة القديمة، من سكان الضفة والداخل المحتل، وأحياء القدس التي عزلها الجدار العنصري
يُضاف إلى ذلك، بحسب الشويكي، قيود وإجراءات الاحتلال التعسفية، التي حالت دون وصول التجار داخل مدينة القدس، وفرض غرامات باهظة وضرائب عنصرية بحق تجار سوق الجزارين المقدسيين، ومصادرة بضائعهم من الماشية والدواجن، والبيض، في معظم الأحيان.
ويتابع صاحب متجر الخيوط الصوفية أن «سوق الجزارين» كان يُعد من أبرز أسواق البلدة القديمة والقدس، من حيث الحركة الشرائية الكثيفة للزبائن على مدار الأسبوع، ولكن اليوم جميع المحال مغلقة، سوى 10 منها، أبوابها لاتزال مشرعة، في ظل ضعف إقبال الرواد، الذي أصبح يعتمد على سكان المدينة المقدسة داخل الجدار.
استيطان الأسطح
عمد الاحتلال طوال السنوات الماضية على تهويد أسواق القدس التاريخية، وتدمير بعضها، إلى جانب إغلاق العديد من المحال التجارية، والسيطرة عليها، إضافة إلى فرض ضرائب عديدة باهظة، على أصحاب تلك المتاجر، من أجل تضييق الخناق عليهم، وإرغامهم على هجرة أسواق المدينة المقدسة.
ويقول رئيس لجنة تجار القدس القديمة، خالد الصاحب، وهو صاحب متجر لبيع الملابس في طريق الواد داخل البلدة القديمة «كلما تقدم الزائر في الوصول إلى عمق الأسواق داخل البلدة العتيقة، اتضحت له صورة الحرب الحقيقية، التي يواجهها أصحاب المحال التجارية الذين أجبروا على إغلاقها، كما هي الحال في سوقي (الخواجات) و(الجزارين)».
ويشير الصاحب إلى أن أذرع التهويد الإسرائيلية امتدت لتطال سطح سوق «الجزارين»، حيث شيد الاحتلال أعلى المحال التجارية بؤرة استيطانية، تمتد فوق أجزاء من سوق «الباشورة»، و«سويقة علون»، داخل أسوار البلدة القديمة.
وترجع بداية مخطط الاحتلال للسيطرة على أسطح أسواق القديمة إلى ما قبل 25 عاماً مضت، وفي عام 2021 نشرت بلدية الاحتلال في المدينة المقدسة تقريراً يتضمن توفير الكُلفة المادية لمشروع سياحي تهويدي، فوق أسطح البلدة القديمة، ومنها الأسواق التاريخية، التي هي أملاك وقفية، وأهمها أسواق الجزارين، والعطارين، وخان الزيت، بقيمة 17 مليون دولار، والمقدمة من المليونير اليهودي الكندي روبين هراري.
اقتصاد تاريخي
«سوق الجزارين» عبارة عن أزقة صغيرة وضيقة، يتوزّع على جوانبها محال متقابلة ويعتليها منازل مقببة الأسقف، ولها منافذ عدة، حيث يمكنك الولوج إليها من دون عناء، وذلك بحسب المرشد السياحي والباحث في تاريخ مدينة القدس الشريف روبين أبوشمسية.
ويوضح أبوشمسية في حديثه مع «الإمارات اليوم»، أن «سوق الجزارين» يبدأ شمالاً في البلدة القديمة من تفرع سوق باب خان الزيت، باتجاه كنيسة القيامة، وسوق الخواجات أو ما يُسمى «البازار»، لينتهي جنوباً مع سوق التجار.
«سوق الجزارين» عبارة عن أزقة صغيرة وضيقة، يتوزّع على جوانبها محال متقابلة ويعتليها منازل مقببة الأسقف، ولها منافذ عدة، حيث يمكنك الولوج إليها من دون عناء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news