موجات الحر في 2022 تحطّم الرقم القياسي وتشعل حرائق الغابات
تشهد دول عدة حول العالم هذا العام درجات عالية من الحرارة لم تحدث من قبل، حطمت الرقم القياسي، لترتفع فوق 40 درجة مئوية (104 فهرنهايت)، واشتعلت نتيجة لذلك حرائق الغابات في مساحات واسعة من الريف الأوروبي، وأجزاء كبيرة من الولايات المتحدة، وأصبحت عشرات المدن الصينية في حالة تأهب.
وفي التاريخ الحديث مرّ العالم بموجات حر غير عادية. وازدادت شدة وتواتر هذه الموجات في جميع أنحاء العالم منذ منتصف القرن العشرين، لكنها في الوقت الراهن صارت تحدث بشكل أسرع وأسرع. وتشير الأبحاث إلى أن هذه الظاهرة ببساطة لا يمكنها أن تحدث بمعزل عن تأثير الإنسان على المناخ.
توقعات وأرقام مرعبة
يعتقد العلماء أن الطفل المولود اليوم من المحتمل أن يشهد من 30 إلى 50 يوماً إضافياً من الموجات الحارة كل عام بحلول الوقت الذي يبلغ فيه من العمر 80 عاماً، بزيادة من أربعة إلى 10 أيام تقريباً عما كان يعتقده العلماء سابقاً. ومن المحتمل أن تشهد الولايات الجنوبية في أستراليا، مثل فيكتوريا وجنوب أستراليا، التي تعاني بالفعل أشد موجات الحرارة في البلاد، أياماً أكثر سخونة مع ازدياد درجات حرارتها بأربع درجات مئوية.
ارتفاع 10 درجاتوقد ترتفع موجات الحر لأكثر من 10 درجات مئوية عن معدلها الحالي في جميع أنحاء أوروبا، وقد تدوم بعض موجات الحر لمدة تصل إلى شهرين بحلول نهاية هذا القرن. وفي غضون الـ20 عاماً المقبلة وحدها، ستشهد الولايات المتحدة من ثلاث إلى خمس موجات حرارية إضافية كل عقد، مقارنة بالنصف الثاني من القرن العشرين.
وتقول عالمة المناخ في إمبريال كوليدج لندن، فريدريكي أوتو، التي تشارك أيضاً في قيادة التعاون البحثي لإسناد الطقس العالمي: «كل موجة حر نشهدها اليوم أصبحت أكثر سخونة وتكراراً بسبب تغير المناخ». لكنّ ظروفاً أخرى تؤثر في موجات الحر أيضاً، ففي أوروبا، يعتبر دوران الغلاف الجوي عاملاً مهماً. وكشفت دراسة نُشرت في مجلة «نيتشر» هذا الشهر أن موجات الحر في أوروبا زادت بمعدل ثلاث إلى أربع مرات أسرع مما هو عليه في مناطق خطوط العرض الوسطى الشمالية الأخرى، مثل الولايات المتحدة. وربط المؤلفون هذا بالتغيرات في التيار النفاث، وهو تيار هوائي سريع ينطلق من الغرب إلى الشرق في نصف الكرة الشمالي.
تغيّر المناخ
أدى تغير المناخ إلى زيادة الظروف الحارة والجافة التي تساعد على انتشار الحرائق بشكل أسرع، ولفترة أطول، وبصورة أشد. وتسهم ظروف الجفاف الشديد في بدء موسم الحرائق مبكراً، ففي العام الماضي احترق أكثر من نصف مليون هكتار في الاتحاد الأوروبي، ما جعله ثاني أسوأ موسم حرائق غابات على الإطلاق بعد عام 2017. ويؤدي الطقس الحار أيضاً إلى استنزاف الرطوبة من الغطاء النباتي، وتحويله إلى وقود جاف يساعد على انتشار الحرائق.
وتعاني بلدان، مثل البرتغال واليونان، الحرائق في معظم فصول الصيف، ولديها بنية تحتية لإدارة كوارث الحرائق، على الرغم من تلقي كلاهما مساعدة طارئة من الاتحاد الأوروبي هذا الصيف. لكن درجات الحرارة المرتفعة تدفع أيضاً بحرائق الغابات إلى مناطق غير معتادة عليها، وبالتالي فهي أقل استعداداً للتعامل معها.
الأنشطة البشرية المسؤول الأول عن تغيّر المناخ
أدت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الأنشطة البشرية إلى تسخين كوكب الأرض بنحو 1.2 درجة مئوية منذ عصور ما قبل الصناعة. ولن تتوقف درجات الحرارة عن الارتفاع إلا إذا توقف البشر عن إضافة الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي. وحتى ذلك الحين، ستتفاقم موجات الحر. وسيؤدي الفشل في معالجة تغير المناخ إلى تصاعد درجات الحرارة الشديدة بشكل أكثر خطورة.
موافقة
وافقت الدول بموجب اتفاقية باريس العالمية لعام 2015 على خفض الانبعاثات بسرعة كافية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والوصول إلى 2 درجة مئوية. وتهدف الخطة إلى إيقافه عند 1.5 درجة مئوية لتجنّب أسوأ العواقب. ولن تخفض السياسات الجارية الانبعاثات بالسرعة الكافية لتحقيق أيّ من الهدفين. وتقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إن موجة الحر التي تحدث مرة كل عقد في عصر ما قبل الصناعة ستحدث 4.1 مرات في العقد عند ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية، و5.6 مرات عند درجتين مئويتين. وتقول سنيفيراتني إن السماح بوصول الاحترار إلى 1.5 درجة مئوية يعني أن معظم السنوات «ستتأثر بالظواهر الحارة في المستقبل».
إدارة الغابات ومصادر اشتعال الحرائق هي أيضاً عوامل مهمة. ففي أوروبا، تشتعل تسعة من كل 10 حرائق بسبب الأنشطة البشرية، مثل الحرائق المتعمدة، أو حفلات الشواء، أو تماس خطوط الكهرباء، وفقاً لبيانات الاتحاد الأوروبي.
ويتفق العلماء على أنه من دون إجراء تخفيضات حادة في غازات الاحتباس الحراري التي تسبب تغير المناخ، فإن موجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات والجفاف ستزداد سوءاً بشكل كبير. ويقول أستاذ هندسة الغابات في جامعة ليدا الإسبانية، فيكتور ريسكو دي ديوس: «عندما ننظر إلى الوراء إلى مواسم الحرائق قبل عقد أو عقدين من الزمن فمن المحتمل أنها تبدو معتدلة بالمقارنة مع الوقت الراهن».
دراسات وأبحاث
ويُجري العلماء دراسات لمعرفة مدى تأثير تغير المناخ على الموجات الحارة. وتم منذ عام 2004، إجراء أكثر من 400 دراسة من هذا القبيل لظواهر الطقس المتطرفة، بما في ذلك الحرارة والفيضانات والجفاف من أجل حساب مقدار الدور الذي يلعبه تغير المناخ في كل منها. ويتضمن ذلك محاكاة المناخ الحديث مئات المرات ومقارنته بمحاكاة مناخ من دون انبعاثات الغازات الدفيئة التي يسبّبها الإنسان.
أسوأ كوارث الحرائق في العالم
يعتبر موسم الحرائق الأسترالي 2019-2020، المعروف باسم «الصيف الأسود»، كارثة وطنية على الإطلاق، حيث التهمت النيران الأخضر واليابس في مناطق شاسعة من الساحل الشرقي المأهول بالسكان. وأدت موجة الحر الروسية في عام 2010، إلى اشتعال الحرائق وتدمير 300 ألف هكتار من الغابات؛ كما تسببت موجة الحر في غرب كندا عام 2016 في حرائق غابات فورت ماكموري؛ وفي كولومبيا البريطانية حطمت موجات الحرارة القياسية في عام 2021 الرقم القياسي بما يزيد على خمس درجات مئوية، والتي أعقبها على الفور اشتعال حرائق الغابات وتدمير مدينة ليتون.
المناطق القطبية تحترق
شهدت ألاسكا أكثر من 500 حريق غابات منذ بداية أبريل، ما اضطر السلطات إلى إخلاء معسكرات التعدين والقرى والكبائن النائية. وبحلول 15 يونيو، اشتعلت النيران بالفعل في أكثر من مليون و405 آلاف هكتار في الولاية، وبحلول منتصف يوليو احترق أكثر من ثلاثة ملايين فدان من الأراضي، ما عرّض الولاية لخطر الوصول للرقم القياسي لعام 2004، البالغ 2.6 مليون هكتار. ويعزو الخبراء الحرائق إلى عاملين: كمية غير عادية من الصواعق التي تسبب الاشتعال، والبيئة الطبيعية المهيأة للحرق.
ويقول خبير الحرائق بمركز أبحاث اركيتك العالمي في مدينة فيربانكس، ريك ثومان: «لقد اجتمع الجفاف والذوبان المبكر للثلوج والرياح وضربات البرق، لتجعل جميعها بداية الموسم صعبة للغاية». وأوضح ثومان أن العدد الكبير من الصواعق ناتج عن زيادة البخار في الهواء الأكثر دفئاً نسبياً في جميع أنحاء الولاية، ما أدى بدوره إلى زيادة عدد العواصف الرعدية. وعلى مدى أربعة أيام في يوليو، على سبيل المثال، تم تسجيل ما يقرب من 40 ألف ضربة برق في جميع أنحاء الولاية، بينما يبلغ متوسط ضربات ألاسكا نحو 60 ألف ضربة على مدار عام.
عن «الغارديان»
كلفة باهظة بسبب الحرائق
يمكن أن تسبب النيران، في المتوسط، أضراراً بنحو 50 مليار دولار على مستوى العالم. ويمكن أن يتكبد بلد واحد فقط عانى عام حرائق سيئاً، 200 مليار دولار أو أكثر. ومن المفترض أن يكون الوضع سيئاً في كثير من البلدان هذا العام، فقد خرجت حرائق قياسية بالفعل عن السيطرة في كل من نصفَي الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي، واجتاحت الأرجنتين وباراغواي وفنزويلا وكولومبيا، إلى جانب غرب الولايات المتحدة، موجات عاتية من الحرائق.
وتقول المسؤولة بالمركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في بولدر، كولورادو، جاكلين شومان: «نحن ندخل بالتأكيد حقبة جديدة من نشاط الحرائق». وتقول إن المناخ في غرب الولايات المتحدة تغيّر في الواقع بشكل دائم لدرجة أنه لم يعد من المنطقي وصف الوضع بالجفاف، لكنه أكثر جفافاً.
ونظراً لتغير طبيعة الحرائق جنباً إلى جنب مع تغير المناخ فإن النيران تشتعل بشكل أكثر كثافة، ويصبح من الصعب مكافحتها. ومع انتشار السكان، أصبحت الأرواح والمنازل مهددة أكثر من أي وقت مضى. ومع ارتفاع وتيرة حدوث الحرائق، ارتفعت تكاليف مكافحتها.
في السنوات الخمس الماضية، أنفقت الولايات المتحدة في المتوسط ما يقرب من 2.4 مليار دولار فقط في مكافحة الحرائق على الأراضي الفيدرالية، وفقاً لمركز مكافحة الحرائق الوطني. وهذا يزيد بنحو 25٪ على متوسط 10 سنوات، البالغ 1.9 مليار دولار. وبينما تتفاوت التكاليف من عام لآخر، من الواضح أن الاتجاه العام يسير نحو الأعلى. ولم تتجاوز مكافحة الحرائق الوطنية أبداً مليار دولار حتى عام 2000، لكنه تجاوز مليارَي دولار للمرة الأولى في عام 2015.
عن «التايمز»
وافقت الدول بموجب اتفاقية باريس العالمية لعام 2015 على خفض الانبعاثات بسرعة كافية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري والوصول إلى 2 درجة مئوية.
وتهدف الخطة إلى إيقافه عند 1.5 درجة مئوية لتجنّب أسوأ العواقب. ولن تخفض السياسات الجارية الانبعاثات بالسرعة الكافية لتحقيق أيٍّ من الهدفين. يعتبر موسم الحرائق الأسترالي 2019-2020، المعروف باسم «الصيف الأسود»، كارثة وطنية على الإطلاق، حيث التهمت النيران الأخضر واليابس في مناطق شاسعة من الساحل الشرقي المأهول بالسكان.