اعتصام أنصاره في البرلمان العراقي رسالة لمنافسيه بأنه لا يمكن استبعاده من تشكيل الحكومة
مقتدى الصدر يتمرد على الوضع السياسي القائم
في الـ30 من يوليو قام حشد صاخب بهدم جدار الألواح الخرسانية التي تحيط بالمنطقة الخضراء في بغداد. وللمرة الثانية الأسبوع الجاري، يتدفق آلاف المتظاهرين بالمناطق المنظمة ويمرون قرب السفارات والمكاتب الحكومية ويأخذون صور «سلفي» لأنفسهم مع الجنود الذين طلب منهم عدم الاصطدام معهم.
الهجوم على البرلمان
وبدون مواجهة مقاومة تذكر تابعوا طريقهم إلى البرلمان العراقي، وجلسوا على مقاعد البرلمان، وهم يتغنون بشعارات تؤيد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر. وفي الخارج بدأت تصل الشاحنات التي تحمل الإمدادات اللازمة من أجل البقاء هناك لأيام عدة. وقال أحد المتظاهرين وهو أحمد عبدالجليل، من مدينة الصدر الفقيرة: «مقتدى الصدر يرفض هذا البرلمان، لأن الأحزاب الموجودة فيه فاسدة كما أنها تنتهك القانون».
وتذكرنا هذه المشاهد في بغداد بما حدث في السادس من يناير عام 2021 من تمرد في مبنى الكونغرس الأميركي. حيث تدفق المتظاهرون العراقيون داخل المنطقة الخضراء في 27 يوليو، بناء على أوامر من قائدهم الصدر. وباعتصام البرلمان يسعى أنصار الصدر إلى الإطاحة بسلطة سياسية يقولون إنها تواطأت ضدهم على الرغم من فوزهم في الانتخابات التي جرت في أكتوبر الماضي.
دائماً ما يسود عملية تشكيل الحكومة في العراق نوع من التوتر يستمر لشهور عدة. ولكن الأزمة الحالية جاءت بعد انتخابات غير مسبوقة من حيث طول المدة وحجم الأزمة بالنظر إلى الصدع غير العادي في المؤسسة السياسية الشيعية. ففي يونيو الماضي، أمر الصدر كتلته بالاستقالة من البرلمان بعد فشله في تشكيل حكومة أغلبية.
الخوف من التصعيد
ومع الخوف من التصعيد الذي ساد العاصمة، أمر الصدر أتباعه بعدم العودة إلى منازلهم، وتزايد التوتر من خلال التغريدات النارية. وأطلق الصدر تغريدة في 31 يوليو يدعو فيها إلى انضمام مزيد من العراقيين إلى المتظاهرين، ودعا إلى «تغيير أساسي في النظام السياسي» وفي الثالث من أغسطس دعا في خطاب متلفز إلى حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
ما حدث كان تحركاً محسوباً من قبل الصدر الذي فشل في حشد الدعم الكافي في البرلمان لتعيين رئيس الحكومة المقبل، ولهذا قرر نقل المعركة إلى الشارع. وقالت الباحثة في مبادرة الشرق الأوسط في جامعة هارفارد كينيدي، مارسين الشمري، رداً على أسئلة من فورين بوليسي «بالغ الصدر في لعب أوراقه والآن يحاول القيام بعرض في الشارع، ويريد أن يكون أقوى سياسي شيعي».
ولأيام عدة بدت الدولة وكأنها تتأرجح على حافة الهاوية، حيث شعر العراقيون بالقلق من أن هذه الاضطرابات يمكن أن تتطور سريعاً إلى صراع مسلح بين الصدريين وإطار التنسيق، وهو مجموعة من الأحزاب الشيعية تشكلت بعد الانتخابات الأخيرة لإفشال محاولات الصدر لتشكيل حكومة أغلبية. وتم إغلاق الجسور، والطرق، وكذلك المتاجر واستعدت العاصمة لاحتمال وقوع أعمال عنف بين الجانبين المتنافسين، وكلاهما يملكان تسليحاً قوياً.
رسالة موجهة للمنافسين
ولكن الصراع يمكن أن يؤدي إلى انهيار النظام السياسي القائم منذ الغزو الأميركي وتقويض نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003. وكان تمرد الصدر عبارة عن رسالة موجهة لمنافسيه مفادها بأنه لايزال شخصية قوية لا يمكن استبعاده من مفاوضات تشكيل الحكومة، على الرغم من أنه تخلى عن العملية السياسية.
وقام إطار التنسيق، أو التنسيق، كما يطلق عليه محلياً بمظاهرة مضادة. ولكن حتى الآن لم يتم تجاوز أي خطوط حمراء، إذ لاتزال جميع الأطراف يقودها تفاهم مشترك مفاده بأن الأولوية هي الحفاظ على الوضع الراهن. وقال أحد المسؤولين من الإطار التنسيقي «لا أحد يريد العنف لأن الجميع يدركون أنه في النهاية سيتم حل المشكلة بدون قوة وعنف».
وبخلاف الصورة التي حاول الصدر نشرها، إلا أنه في واقع الأمر متشابك بصورة معقدة مع النظام الذي يريد تغييره.
التحالف مع السنة والأكراد
وفي انتخابات أكتوبر الماضي حصل الصدريون على الأغلبية في انتخابات البرلمان، حيث حققوا 73 مقعداً من أصل 329، ودعوا إلى إصلاحات كبيرة، واستفادوا أيضاً من التغيرات في قانون الانتخابات. وحاول الصدر استخدام نجاحه في الانتخابات لتشديد قبضته على الدولة. وخالف العادة السابقة المتعلقة بتقاسم السلطة مع منافسي الشيعة. وتجاهل الاتهامات الموجهة له والتي مفادها بأنه يعمل على تقسيم الشيعة، وشكل تحالفاً ثلاثياً مع السنة والأكراد. وبعد تسعة أشهر من الصراع السياسي العنيف فشل في تأمين ثلثي المقاعد في البرلمان لتشكيل حكومة أغلبية وأمر نوابه في البرلمان بالاستقالة.
وأصبح الآن الإطار التنسيقي أكبر كتلة في البرلمان، الذي اعتبر انسحاب الصدر خطأ استراتيجياً وشكل مناسبة للإطار لتعيين رئيس الحكومة الذي يرغبون فيه. ولكن خيار الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، وهو وزير سابق في حكومة سابقة كان يرأسها نوري المالكي، دفع الصدر إلى التمرد وإرسال أنصاره إلى البرلمان.
ويتألف الإطار التنسيقي من أحزاب شيعية متنافسة، بما فيها الأحزاب المتحالفة مع إيران ورئيس الحكومة السابق المالكي، الذي لايزال عدواً للصدر منذ أن أمر حكومته بمحاربة قوات الصدر عام 2008. ومنذ هذا العام يتنافس المالكي والصدر للسيطرة على الدولة، حيث يستخدم كل منهما آليات مختلفة للفوز بتصويت الشيعة.
الكاظمي على الحياد
وخلال كل ما يجري في بغداد، لم يتدخل الكاظمي لإخراج الصدريين من المنطقة الخضراء، وعندما اقتحم المتظاهرون البرلمان ناشدهم الكاظمي الحفاظ على الهدوء وحذر من العواقب الخطيرة «للفتنة» ولكنه أمر قوى الأمن بحماية الجمهور. والكاظمي، رئيس المخابرات العراقية السابق، لم يكن له أي قاعدة حزبية، وله علاقات مع الولايات المتحدة، كما أن علاقته مع أحزاب الإطار التنسيقي المتحالفة مع إيران متوترة جداً، وكذلك أجنحتهم المسلحة. ولطالما أمر باعتقال رجال ميليشيات متحالفين مع إيران بتهمة محاولة قتل من ينتقدهم من العراقيين أو استهداف القوات الأميركية المرابطة في العراق. ولكن يبدو أن الشلل الحادث الآن في العملية السياسية من المرجح أن يجعل حكومة تصريف الأعمال التي يديرها المالكي تستمر في السلطة لفترة أطول.
• تذكرنا هذه المشاهد في بغداد بما حدث في السادس من يناير عام 2021 من تمرد في مبنى الكونغرس الأميركي. حيث تدفق المتظاهرون العراقيون داخل المنطقة الخضراء في 27 يوليو، بناء على أوامر من قائدهم الصدر بعد أن فشل في استلام السلطة من خلال الوسائل الدستورية.
• الصراع الداخلي يمكن أن يؤدي إلى انهيار النظام السياسي القائم منذ الغزو الأميركي وتقويض نظام الرئيس السابق صدام حسين عام 2003.
سيمونا فولتين ■ صحافية أميركية مقيمة في بغداد
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news