ليان الشاعر.. صاروخ إسرائيلي يسدل ستار المشهد الأخير لـ «فراشة المسرح»
على خشبة مسرح مركز «نُوار» التربوي الثقافي جنوب قطاع غزة، صالت الطفلة ليان الشاعر بموهبتها في فنون المسرح والإنشاد والدبكة الشعبية، ومن خلالها جالت في مدينة القدس الشريف، معبرة عن حبها الكبير لها، وشوقها الشديد لزيارتها، وهذا كان واضحاً جلياً عبر الأنشطة الفنية التي تشارك فيها، تتقنها منذ نعومة أظفارها. وليان مصلح الشاعر البالغة من العمر 11 عاماً، من سكان مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، والتي اكتسبت لقب «فراشة المسرح»، اشتهرت بإتقانها كل العروض والمشاهد المسرحية في مدينتها غزة، ولم يتبق لها إلا تأدية مشهد واحد داخل أزقة القدس العتيقة، والذي كانت تنتظر تحقيقه على أرض الواقع، لترجمة حبها على عتبات باب العامود، وداخل باحات المسجد الأقصى المبارك.
أمنيات لم تكتمل
أمنيات الطفلة ليان الشاعر بزيارة المدينة المقدسة بدأت تتحقق، ولكن ليس بالطريقة المرجوة على الإطلاق، ففي اللحظة الأولى لعملية الاحتلال العسكرية التي شنها ضد قطاع غزة في الخامس من شهر أغسطس الجاري، صبت الطائرات الحربية جام صواريخها تجاه براءة الطفلة، وجسدها النحيل. ويقول مصلح الشاعر والد الطفلة، بصوت خافت أنهكه الحزن والبكاء: «إن ابنتي ليان وهي الثالثة بين بناتي، كانت في طريقها إلى شاطئ البحر، برفقة والدتها وشقيقاتها وقريباتها، وقبل وصولهن إلى المنطقة الساحلية أطلقت الطائرات الحربية صواريخ عدة غرب مدينة خانيونس».
ويوضح الشاعر لـ«الإمارات اليوم»، أن ابنته أصيبت برأسها إصابة مباشرة، برفقة أربعة من أفراد أسرتها، إثر القصف المروحي لمجموعة من المواطنين مساء الجمعة، إلى جانب إصابة مجموعة من الأطفال الذين كانوا في طريقهم للتنزه والترفيه، والذين راوحت جراحهم ما بين المتوسطة والطفيفة، وفي يوم الثلاثاء التاسع من شهر أغسطس الجاري، عقب انتهاء العملية العسكرية، نقلت ليان إلى القدس بواسطة سيارة الإسعاف، وقد أصابتها حالة موت سريري، نتيجة اختراق شظايا الصاروخ الإسرائيلي دماغها، وإصابة مناطق حساسة في جسدها بالتلف والتهتك، وذلك بحسب الأب المكلوم. وعلى الفور نقلت الطفلة الشاعر إلى مستشفى المقاصد الخيرية بالمدينة المقدسة، على أمل أن تجد حالتها الصحية الخطرة سبيلها في التحسن، علها تعود للحياة مجدداً، وتستمتع بزيارة أولى القبلتين لأول مرة، كما تمنت.
المشهد الأخير
على سرير العلاج داخل قسم العناية المكثفة في مستشفى المقاصد، استقر الجسد البريء المتهتك، الذي عجز تماماً عن النطق والحركة، وعلى باب غرفتها من الخارج جلست الأم المكلومة، لتراقب عن كثب طفلتها الجريحة «ليان»، وتتضرع لخالقها بالدعاء، علها تصحو من حالة فقدان الوعي الكامل. لم يمر الكثير من الوقت الكافي لتتحقق أمنيات «فراشة المسرح»، ففي يوم الخميس 11 أغسطس، أسدل ستار عرض المشهد الأخير لحياة «ليان»، الذي لم تتقنه من ذي قبل على خشبة المسرح، ولم يتمنَّ ذووها وجمهورها مشاهدته على الإطلاق، بعد عجز العمليات الجراحية في «المقاصد الخيرية» عن كتابة سيناريو آخر، يُنجي الطفلة من الموت، لتقابل وجه خالقها.
ويقول والد الطفلة: «ابنتي كانت تعشق مدينة القدس لدرجة كبيرة، وتتمنى زيارتها، وكانت تفصح عن ذلك من خلال أعمالها المسرحية، والأناشيد التي كانت ترددها على خشبة المسرح».
ويتابع: «ليان زارت القدس لأول مرة محمولة على الأكتاف، وهي مصابة بحالة موت سريري، وغادرتها في مشهد هو الأخير لها بالصورة ذاتها، ولكن بعدما فارقت الحياة، ولم تحظ عيناها برؤية صديقة قلبها القدس».
فراشة المسرح
رحلت «فراشة المسرح» في مشهد حزين بدأ في غزة المحاصرة، وانتهى في القدس المحتلة، فتعود مجدداً إلى القطاع محمولة على الأكتاف، ليوارى جثمانها البريء الثرى في مدينة خانيونس، حيث ولدت وترعرعت، وفيها أيضاً استهدفت ودفنت.
وبعد هذا الرحيل المفجع، ستفتقد خشبة مسرح مركز «نُوار» فراشتها، التي حلقت بين أركانه لمدة خمس سنوات متواصلة، طورت خلالها موهبتها، واكتسبت مهارات فنية جمة، جعلتها تحظى بمحبة وإعجاب كل من يشاهدها.
هذا التميز منقطع النظير للطفلة قادها لتتولى قيادة فريق الدبكة الشعبية، والذي كانت مهمته تعليم هذا الفن التراثي للأطفال من مختلف الأعمار والأجناس، داخل أروقة مركز «نوار» التربوي، التابع لجمعية الثقافة والفكر الحر جنوب قطاع غزة.
• رحلت «فراشة المسرح» في مشهد حزين بدأ في غزة المحاصرة، وانتهى في القدس، فتعود مجدداً إلى القطاع محمولة على الأكتاف، ليوارى جثمانها البريء الثرى في مدينة خانيونس.
• لم يتبق للطفلة «ليان»إلا تأدية مشهد واحد داخل أزقة القدس العتيقة، والذي كانت تنتظر تحقيقه على أرض الواقع، لترجمة حبها على عتبات باب العامود، وداخل باحات المسجد الأقصى المبارك.
• يقول والد الطفلة: «ابنتي كانت تعشق مدينة القدس لدرجة كبيرة، وتتمنى زيارتها، وكانت تفصح عن ذلك من خلال أعمالها المسرحية، والأناشيد التي كانت ترددها على خشبة المسرح».