بغداد.. اعتصامان بمطالب متباينة ويوميات متشابهة
رغم اختلاف المطالب بين اعتصامي التيار الصدري والإطار التنسيقي، تتشابه يوميات المعتصمين قرب المنطقة الخضراء في بغداد وداخلها: خيام ملوّنة وقدور كبيرة من الأرز والخضار واللحم والماء البارد لمقاومة الحرّ الشديد. أواخر يوليو، توزعت في محيط البرلمان العراقي أعداد كبيرة من الخيام الملوّنة التي نصبها مناصرو زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، تعبيراً عن قدرته على تعبئة الشارع وسط نزاع سياسي مع خصومه. والمطلب الأساسي للمعتصمين هو حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. وردّ الإطار التنسيقي بأن أقام بدوره اعتصاماً في محيط المنطقة الخضراء المحصنة حيث توجد المؤسسات الحكومية والمقار الدبلوماسية.
ويقول منظمون من الطرفين إن التنظيم والدعم اللوجستي للاعتصام تؤمنه المواكب العاشورائية المتجذّرة في التقليد الشيعي في العراق، وهي عبارة عن مواكب متحركة تمولها تبرعات، وتؤمن المأكل والمشرب.
من بين هذه المواكب، موكب «أحباب الصدرين»، تيمناً بمقتدى الصدر ووالده محمد الصدر. يقول فاضل رحمن، أحد المشرفين على الموكب الذي يضمّ 25 شخصاً، لـ«فرانس برس»: «ننام هنا في الخيام، أحضرنا أوسدتنا من بيوتنا وجئنا». ويضيف الرجل: «نقدّم وجبات رئيسة للمعتصمين، من الفطور إلى الغداء، والعشاء، الشاي موجود، والماء البارد، أهم ما في الأمر هو الماء البارد في هذا الحرّ».
ويؤكد الرجل الذي يعمل سائق «عربة تكتك»، وتبرع من جيبه بـ250 ألف دينار (170 دولاراً)، لتمويل الموكب بالطعام، أن وجوده متواصل في هذا الاعتصام إلى «أن نبعد الفاسدين».
في الخيام يحتمي المعتصمون من الشمس، متمددين على فرش صغيرة، بعضهم حظي بمكيّف متحرّك داخل خيمته، يغذّيه من الكهرباء التي تزوّد البرلمان.
في باحات البرلمان، توزعت أكشاك العصير والقهوة والشاي، وبرادات المياه، ويقوم البعض بذبح المواشي للطبخ من على أكشاك صغيرة أو طاولات، ويوزّع متطوعون الخبز أو الجبن، وفي بعض الأحيان، توزّع الوجبات الساخنة مباشرة من شاحنات صغيرة. وبالمجمل، يضمّ اعتصام التيار الصدري نحو «70 موكباً»، كما يقول لـ«فرانس برس» أحد المشرفين. ويضيف الرجل الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أنهم يقدمون «للمعتصمين المواد الغذائية» التي يحتاجون إليها. ويقدّر قيمة الأموال التي ينفقها كل موكب يومياً لإطعام المعتصمين بنحو «ستة ملايين دينار (4000 دولار).. ونحو 100 كيلوغرام من الأرز، ومواد أخرى مثل لحم العجل والخراف والفاكهة والمياه». ويشير مثلاً إلى أن متبرعاً من إقليم كردستان قدّم 12 خروفاً.
أمام الباب الرئيس للبرلمان، يقف محمد حسين على شاحنة بيضاء صغيرة ينادي بأعلى صوته على العابرين لتناول الأرزّ واللحم والفاصولياء التي يوزّعها. يخبر محمد «فرانس برس»: «كل ليلة أجتمع مع أصدقائي، ونقرر نوع الطعام الذي سنقوم بإحضاره في اليوم التالي».
لا يتجاوز دخل محمد في الأسبوع 40 ألف دينار (27 دولاراً)، لكن أمله في أن يكون هذا الاعتصام انطلاقاً للتغيير ما دفعه لأن يتبرع وأصدقاؤه بقليل من الأموال لدعم المعتصمين. ويقول «كل منا يدفع 20 إلى 15 ألف دينار ونشتري ما نقدر عليه، نقتطع من أموال أولادنا لنقدم الطعام للمعتصمين». ويضيف الرجل الذي لديه ستة أطفال أنه يفعل كل هذا أملاً بأن «يمحو مقتدى الصدر الفاسدين من الوجود، ونستريح».
على طريق مؤدٍ إلى المنطقة الخضراء يعتصم أنصار الإطار التنسيقي منذ نحو أسبوع مطالبين بتشكيل حكومة تؤمن الخدمات الأساسية وتحسّن الحياة اليومية للعراقيين. ويضمّ الإطار التنسيقي، خصوصاً كتلة الفتح البرلمانية الممثلة لفصائل الحشد الشعبي الموالية لإيران وكتلة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الخصم التاريخي للصدر. وعلى إحدى الخيام، وضعت لافتة كتب عليها «يجب احترام مؤسسات الدولة خصوصاً التشريعية والقضائية»، رداً على ما يبدو على مطالبة الصدر بحلّ البرلمان.
ويؤكد مصدر في الإطار التنسيقي، فضّل عدم الكشف عن هويته، أن «الخيام الموجودة هي الخيام نفسها الخاصة بالمواكب». ويضيف أن «آلاف المتضررين من تعطيل تشكيل الحكومة مستعدون لتقديم كل أنواع الدعم.. ما يحتاج إليه المعتصم لا يتعدّى الطعام والشراب».
ويقول أبوعلي الكاظمي، أحد المعتصمين، إن كل تلك الاحتياجات يتمّ تأمينها «على حسابنا الخاص.. نطبخ بأنفسنا ونقدم الخدمات للناس، العشائر تدعمنا، والمنازل المجاورة للاعتصام تدعمنا». ويقول الرجل البالغ من العمر 45 عاماً إنّ «الحياة معطلة في العراق الآن بسبب تلك الجهة المحتلّة للبرلمان»، مؤكداً أن الاعتصام سيستمرّ إلى حين «تلبية مطالبنا المشروعة، لاسيما تشكيل حكومة».
• احتياجات المعتصمين تؤمنها «المواكب».. ودعم من العشائر والمنازل المجاورة للاعتصام.
• في باحات البرلمان، توزعت أكشاك العصير والقهوة والشاي، وبرادات المياه، ويقوم البعض بذبح المواشي للطبخ من على أكشاك صغيرة أو طاولات، ويوزّع متطوعون الخبز أو الجبن، وفي بعض الأحيان، توزّع الوجبات الساخنة مباشرة من شاحنات صغيرة.