رغم الدروس القاسية لجائحة «كورونا»

الولايات المتحدة لن تكون مستعدة للوباء المقبل

صورة

بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، التي أودت بحياة 2996 أميركياً، استشعرت الولايات المتحدة خطورة الموقف، ومن ثم حددت الهدف، كدولة تحت الهجوم. وأنشأ الكونغرس والسلطة التنفيذية لجنة الحادي عشر من سبتمبر؛ كما تم إنشاء وزارة الأمن الداخلي؛ واستحدث منصب مدير المخابرات الوطنية؛ وأطلقت الولايات المتحدة حملة مطاردة طويلة استمرت لسنوات، طالت مرتكبي الجرائم. وشملت العملية الأمنية نواحي عدة، منها تشديد الرقابة في المطارات والسفارات، كما ضاعفت الجهود لمنع هجوم إرهابي آخر. والآن عانت البلاد هجوماً خطيراً آخر، إنها جائحة قتلت نحو 400 أميركي، كل يوم، منذ عامين، وتوفي جراء الوباء أكثر من مليون أميركي. ومع ذلك، فإن الأمة لا تفعل ما يتعين فعله.

دروس الوباء كثيرة والتهديد حقيقي، ومع ذلك فإن التحضيرات للمرة القادمة - روح الولايات المتحدة الطموحة والقادرة على العمل - تكاد تكون غائبة تماماً. ويجب أن يكون التأهب للوباء - الإجراء اللازم لتحويل الدروس من استجابة الأمة لفيروس كورونا إلى واقع ملموس - أولوية ملحة للبيت الأبيض والكونغرس والشعب الأميركي. والاستعداد يعني وجود كل شيء في مكانه قبل يوم من الحاجة إليه، ولا أحد يعرف متى سيكون ذلك.

ولا يكفي تعديل المخططات التنظيمية وتعديل أوراق الإحاطة. وبدلاً من ذلك، ما هو مطلوب هو تحوّل مستدام وواسع النطاق في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الصحة العامة. وتشير الصحة العامة إلى «ما نقوم به كمجتمع بشكل جماعي لضمان الظروف التي يمكن أن يتمتع فيها الناس بصحة جيدة»، وفقاً لمعهد الطب في تقرير تاريخي، عام 1988.

لدينا المواد الخام: المعرفة العلمية والابتكار والثروة. ولكننا بحاجة إلى سياسات وبرامج وممارسات أفضل لتنظيم هذه الأصول؛ وما لم تغير الدولة مسارها، ستأتي المزيد من الأزمات، وربما بسرعة. وانتشر جدري القرود، الذي نادراً ما يتم رصده خارج إفريقيا، في الولايات المتحدة من لا شيء تقريباً، إلى أكثر من 16920 حالة في أكثر من ثلاثة أشهر بقليل، ما أدى إلى إرهاق أنظمة الصحة العامة وصعوبة السيطرة. بينما كان فيروس شلل الأطفال، الذي تم القضاء عليه إلى حد كبير في الولايات المتحدة قبل أربعة عقود، ينتشر لمدة تصل إلى عام، على الرغم من أن الإنذار العام جاء عندما أصيب مريض في نيويورك بالمرض. وكانت أول متلازمة تنفسية حادة، أو ما يسمى بـ«سارس»، قد تسببت في وفاة 774 شخصاً، وبلغ معدل وفيات الحالات 10%. أما متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، فقد بلغ معدل وفيات الحالات 36٪. ولم يُظهر أي منهما قابلية عالية للانتقال بين البشر.

مخاطر حقيقية

ومع ذلك، تبين أن «كوفيد-19»، شديد العدوى، وأصاب أكثر من 500 مليون شخص، حول العالم. ومع معدل وفيات بنسبة 1% أو أقل، لايزال يؤدي إلى الكثير من حالات الوفاة. ماذا حدث بعد ذلك؟ وماذا لو جمع فيروس تاجيٌ جديد، بين بعض خصائص الفيروسات السابقة مع القابلية للانتقال؟ وهذا ما يحذر منه غالبية الخبراء، بأن مخاطر جائحة أخرى حقيقية وشديدة. وكشفت تجربة «كوفيد-19» عن المخاطر، وكانت الاستجابة للوباء مختلفة بشدة بين الولايات والمقاطعات. ونشب خلاف حاد في أميركا بين المعسكرات المتحاربة حول ما إذا كان يتعين تبني قيود أو أن تستمر الحياة بشكل عادي، وما إذا كانت ستفرض الأقنعة أو اللقاحات. بينما اشتد الخلاف بين المقاطعات بشأن الاختبارات التشخيصية والإمدادات والعلاجات. ومن يستطيع أن ينسى تغريدات الرئيس دونالد ترامب «حرروا ميشيغان!»، في مهاجمة القادة الديمقراطيين الذين فرضوا قيود الوباء.

وكانت بعض المجتمعات ترسل تقاريرها عبر جهاز الفاكس. وتوقع ترامب أن الفيروس سيختفي ووصف العلاجات بأنها غير مجدية، وأعاق البيت الأبيض الأدوار القيادية التقليدية لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وإدارة الغذاء والدواء. وشوّه خداع ترامب المتعمد أحد أهم عناصر حملة الصحة العامة الفعالة، والمتمثلة في الاتصالات الواضحة والشفافة. وأدى هذا إلى فقدان ثقة الجمهور. ومن بين الأشياء القليلة التي حققتها إدارة ترامب «عملية وارب سبيد»، وهي جهود تطوير اللقاحات السريعة، التي تُظهر أن الجهود الحكومية المنسقة يمكن أن تحدث فرقاً، فكل فيروس أو بكتيريا لها مخطط وراثي. مع التقدم في المعلوماتية الحيوية، يمكن للعلماء استخدام التسلسل الجيني لتحديد المتغير وتحديد الطفرات ورسم مخطط الانتشار المحتمل بين الناس. ويجب أن يتم تسخير هذا التقدم العلمي على مستوى الولايات المتحدة - أو حتى العالم - لدراسة وتتبع الأمراض المتنقلة بين البشر والحيوانات والنباتات.

تحذير فوري

ونحن، في الولايات لمتحدة، نعتمد بالفعل على أنظمة الإنذار المبكر لمراقبة الأعاصير. ونعتمد على الرادارات والأقمار الاصطناعية، التي تراقب تهديدات الصواريخ البالستية. لذا فإن التحذير الفوري أمر بالغ الأهمية لجمع المعلومات الاستخبارية والأسواق المالية. ولكن حتى الآن، لا توجد أنظمة إنذار مبكر إلا في ما يخص جوانب قليلة من الأمراض.

يجب على سلطات الصحة العامة في البلاد إعادة بناء الثقة. وفي حالات الطوارئ، تكون ثقة الجمهور هشة، من الصعب للغاية استعادتها، لاحقاً. وغالباً ما كانت الشفافية والسرعة والوضوح مفقودة، في الولايات المتحدة، أثناء هذا الوباء، وزاد التضليل عبر الإنترنت من تآكل ثقة الجمهور. ويجب بذل جهود متضافرة لإعادة بناء ثقة الجمهور، في العصر الرقمي. ومع ذلك، فإن آفاق الإصلاح على نطاق واسع لا تبدو جيدة. وأدى الصراع الحزبي في الكابيتول إلى إعاقة المزيد من التمويل للاستجابة للوباء الحالي، ناهيك عن الاستعداد للوباء التالي.

أين هي قوة الإرادة التي نشأت بعد 11 سبتمبر؟ وأين إجماع الحزبين الذي كان قائماً خلال الحرب الباردة؟ من الواضح أن المشهد السياسي خيّم عليه التعب الوبائي والانتخابات الوشيكة. ولكن الحاجة إلى التأهب لن تختفي. ويتطلب التحول في الصحة العامة تغييراً جذرياً في التفكير. ويجب أن نقدر هذا المسعى لحمايتنا، بدلاً من الاستمرار في إهماله، وقد تم تحذيرنا.

400

أميركي ماتوا، كل يوم، بسبب الوباء.

المطلوب هو تحوّل مستدام وواسع النطاق في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع الصحة العامة.

دروس الوباء كثيرة والتهديد حقيقي، ومع ذلك فإن التحضيرات للمرة المقبلة تكاد تكون غائبة تماماً.

تويتر