وصلت إلى السلطة بسبب فضائح جونسون وفشله
تراس ليست المفضلة لدى أعضاء حزبها في البرلمان
بعد شهرين من المنافسة اختار حزب المحافظين البريطاني ليز تراس زعيمة جديدة له، لتصبح في ما بعد رئيسة الحكومة البريطانية. وبذلك تصبح تراس رابع رئيس حكومة بريطانية خلال ست سنوات، كما أنها تعتبر رئيس الحكومة الـ15 في عهد ملكة بريطانيا الراحلة، اليزابيث الثانية، وثالث امرأة تتولى هذا المنصب.
وبدأ صعودها السريع إلى السلطة عام 2010 عندما تم انتخابها في البرلمان. وبعد مرور أربع سنوات انضمت إلى حكومة رئيس الوزراء السابق، ديفيد كاميرون، في منصب وزيرة البيئة. ومن ثم أصبحت وزيرة العدل ووزيرة للخزانة في حكومة تيريزا ماي، ووزيرة التجارة في ظل حكومة جونسون.
وتؤمن تراس بقوة في تحرير الاقتصاد، وظلت تدعم بحماس الاستفتاء الذي أجري عام 2016 حول عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي. وروّجت لفوائد الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، وتبنّت موقفاً متشدداً ضد روسيا بشأن الحرب في أوكرانيا. وساعدتها دعوتها إلى التحرر الاقتصادي وتفاؤلها السياسي في التنافس على القيادة عام 2022. وعلى الرغم من بعض الزلات والمنعطفات، فإن أجندتها لخفض الضرائب وولائها لرئيس الوزراء السابق، بوريس جونسون، منحتها التفوق على منافسها وزير المالية السابق، ريشي سوناك.
وكونها أصبحت رئيس الحكومة الجديد، تواجه تراس عدداً من التحديات الكبيرة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور الخدمات العامة، وحكومة أسكتلندا ذات العقلية الاستقلالية. وأما في الخارج فيتعين عليها التعامل مع الحرب في أوكرانيا والعلاقات المضطربة مع الاتحاد الأوروبي.
لماذا استقال بوريس
وحلّت تراس مكان جونسون، الذي اضطر إلى التنحي زعيماً لحزب المحافظين، ورئيساً للحكومة في يوليو الماضي. وحدثت استقالات جماعية، حيث قدم نحو 60 وزيراً وموظفاً سياسياً، بمن فيهم وزير الصحة، ساجد جافيد، وسوناك، احتجاجاً على سوء تعامل جونسون مع فضيحة نائب رئيس الحكومة السابق، كريس بنشر.
واستقال بنشر من ذلك المنصب بعد اتهامه بالاعتداء الجنسي في أحد النوادي الخاصة قبل توليه المنصب. وقال بنشر إنه «شرب كثيراً وأحرج نفسه»، لكنه أنكر الاهتمامات وبقي عضواً مستقلاً في البرلمان. وظهرت مزاعم أخرى بسوء التصرف الجنسي، ما أثار التساؤلات حول ما يعرفه جونسون، ومتى عرفه. وأنكرت رئاسة الحكومة البريطانية أن جونسون كان يعلم بهذه المزاعم عندما تم تعيين بنشر نائباً لرئيس الحكومة. ولكن اتضح في ما بعد أن هذا الإنكار كان كاذباً. وواجه جونسون الانتقادات لأنه لم يوقف بنشر عن العمل على الفور من الحزب، ما جعل جونسون يواجه ضغوطاً شديدة من الحزب. ولكن قبضة جونسون على السلطة كانت ضعيفة حتى قبل فضيحة بنشر. وأظهرت سلسلة من الفضائح نهجه المتساهل في التعامل مع معايير الحياة العامة. ودعا عدد من أعضاء الحزب المحافظ الى استقالة جونسون، بسبب فضيحة جونسون المتعلقة بحفلة في مقر الحكومة تحدياً لقيود جائحة «كورونا»، التي دفعت الشرطة في نهاية المطاف إلى فرض غرامة على جونسون وزوجته. وأصبح سلوك جونسون مشتتاً ولا يمكن الدفاع عنه. وصوّت نحو 41% من أعضاء البرلمان المحافظين ضده في تصويت لحجب الثقة عنه في بداية يونيو الماضي. وكان افتقار جونسون الملحوظ إلى حسّ الاتجاه هو مصدر ثان لجلب السخط عليه من قبل رفاقه في حزب المحافظين. وهو يستطيع الادّعاء بأنه حقق «البريكست»، ولكن ماذا استفادت حكومته بعد ذلك؟ وكان هناك الكثير من الحديث حول «رفع المستوى»، ولكن لم يحدث أي شيء على الواقع. وتفاقمت المشكلات نتيجة أزمة تكاليف المعيشة التي كانت محدقة، والفوضى التي كانت تعم العمل في مقر 10 داونينغ ستريت.
وأخيراً، بات يُنظر إلى جونسون باعتباره عبئاً انتخابياً. ولطالما كان المحافظون خلف العمال في استطلاعات الرأي منذ نهاية 2019، كما أنهم خسروا في الفترة الأخيرة انتخابات فرعية لمصلحة العمال والحزب الديمقراطي الليبرالي. وبات أعضاء البرلمان من حزب المحافظين، خصوصاً في المقاعد الهامشية، يشعرون بالقلق. وأثبتت قضية بنشر أنها قاتلة بالنسبة لجونسون، لأنها استغلت بصورة مباشرة مصادر السخط هذه. وادّعى المؤيدون لجونسون أنه تعرّض للطعن في الظهر من قبل حزبه.
لماذا لم يكن هناك انتخابات؟
كان اختيار خليفة جونسون دائماً قضية تخصّ حزب المحافظين الحاكم. ويحكم المملكة المتحدة نظام برلماني يتم من خلاله تشكيل الحكومة من قبل الشخص الذي يحوز ثقة مجلس العموم. ومن الناحية العملية، فإن هذا يعني أن رئيس الحزب الذي حقق أغلبية المقاعد في الانتخابات العامة هو الذي يشكل الحكومة. وعندما يقدم أي رئيس حكومة استقالته من خلال البرلمان، ليست هناك حاجة دستورية لإجراء انتخابات عامة. وبدلاً من ذلك، يختار الحزب الحاكم رئيساً جديداً للحكومة.
ويعتبر اختيار رؤساء الحكومة من قبل الحزب الحاكم مسألة عادية. ومنذ عام 1945 تم انتخاب ثماني حكومات في الانتخابات العامة، في حين تم تشكيل تسع حكومات من خلال اختيار الحزب الحاكم في البرلمان. وتمتلك الأحزاب السياسية قواعدها الخاصة في كيفية اختيار القائد الجديد. وقبل عام 1965، ظهر قادة لحزب المحافظين من خلال استشارة الشخصيات المهمة في الحزب. ومن ذلك التاريخ حتى عام 1998، أصبح اختيار القادة الجدد للحزب عن طريق الانتخاب من قبل أعضاء البرلمان المحافظين. وبالتالي، فإنه يتم اختيارهم من خلال عملية انتخاب من مرحلتين، حيث يقوم أعضاء الحزب بانتخاب مرشحين اثنين، ومن ثم يقوم أعضاء الحزب كلهم ويبلغ عددهم 180 ألفاً في حزب المحافظين، بالخيار الأخير لانتخاب رئيس الحزب.
وشارك ثمانية مرشحين في المرحلة الأولى من المنافسة من أجل استبدال جونسون. وبعد خمس جولات من التصويت بين أعضاء البرلمان المحافظين، وصل سوناك إلى القمة، حيث صوّت له 137 عضواً من البرلمانيين المحافظين (38.3%)، إلى جانب تراس، التي جاءت في المرتبة الثانية وصوّت لها 113 عضواً برلمانياً محافظاً (31.6%)، وجاء الوزير السابق للسياسة التجارية بيني موردونت، ثالثاً، حيث صوّت له 105 أعضاء (29.3%)، وبعد ذلك، جاء تصويت أعضاء الحزب، حيث أمضى سوناك وتراس شهري يوليو وأغسطس في حملة انتخابية من أجل استقطاب الدعم. وتمكنت تراس من التغلب على سوناك، حيث حصلت على 57%، في حين حقق سوناك 43%.
ما الذي حدث؟
كانت مهمة تراس الملحة هي تشكيل الحكومة. وتمكنت من الفوز برئاسة الحزب، لأنها كانت من اختيار أعضاء حزب المحافظين، وليست المفضلة لدى أعضاء البرلمان المحافظين. ولهذا فإن فترة شهر العسل ستكون قصيرة، خصوصاً إذا واصل حزب المحافظين التقهقر خلف حزب العمال في استطلاعات الرأي. وقبل كل شيء، تحتاج تراس إلى تحسين حظوظ حزبها في الانتخابات العامة المقبلة. ويرغب الوزراء الذين يتم اختيارهم من داخل الحزب الحاكم في الحصول على التفويض من الناخبين. لأن ذلك يعزّز من سلطاتهم، ويمكنهم من البدء بتقديم مجموعة جديدة من الالتزامات. وتمتلك تراس السلطة لإعلان الانتخابات العامة. ولكن بالنظر إلى أن وضع حزب المحافظين غير مطمئن من الصعيد الانتخابي، ولهذا من المرجح أن يستمر البرلمان المنتخب عام 2019 إلى حين نهاية فترته الدستورية. وعندما ستكون الفرصة سانحة للناخبين كي يصدروا رأيهم برئيس الحكومة في موعد لا يتعدى يناير 2025.
نيكولاس ألين طبيب إنجليزي وعالم في الأنثروبولوجيا
تمكّنت تراس من الفوز برئاسة الحزب لأنها كانت من اختيار أعضاء حزب المحافظين، وليست المفضلة لدى أعضاء البرلمان المحافظين. ولهذا فإن فترة شهر العسل ستكون قصيرة، خصوصاً إذا واصل حزب المحافظين التقهقر خلف حزب العمال في استطلاعات الرأي.
كونها أصبحت رئيس الحكومة الجديد، تواجه تراس عددا من التحديات الكبيرة، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور الخدمات العامة، وحكومة اسكتلندا ذات العقلية الاستقلالية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news