اللاجئون السوريون في مخيم «الزعتري» يواجهون وضعاً صعباً
مع انشغال العالم بالحرب في أوكرانيا والكوارث الطبيعية المتعاقبة، يواجه أكثر من 80 ألف سوري في «مخيم الزعتري» وضعاً صعباً، إذ لم يعد مستقبل هؤلاء وعودتهم المحتملة إلى وطنهم مؤكداً الآن. ويقول محمد الحريري، وكنيته «أبوشادي»، وهو أحد سكان مخيم اللاجئين: «مرت 10 سنوات ولا يمكننا المضي قدماً في حياتنا أو العودة إلى الوراء،»، متابعاً «يبدو الأمر كما لو أن العالم قد نسينا».
ومع توجه انتباه العالم إلى الأزمات والصراعات الجديدة؛ من جائحة «كورونا» إلى حرب روسيا في أوكرانيا، والكوارث الطبيعية، تراجع التركيز والأموال لواحدة من أكبر أزمات اللاجئين التي لم يتم حلها في العالم. ويثير هذا أسئلة حول كيفية الحفاظ على الكرامة وسط آمال متضائلة، وما هو العدل في عالم محدود الموارد.
لا يضم مخيم الزعتري للاجئين سوى جزء بسيط من الـ670 ألف لاجئ سوري مسجلين في الأردن، ومعظمهم يثقل كاهل المراكز الحضرية المزدحمة في المملكة، وفي سنواته الأولى احتل الزعتري، الذي يقع على بعد 50 ميلاً شمال عمان، عناوين الصحف للابتكارات المتطورة فيما كان في البداية مخيماً صحراوياً للطوارئ: مساكن جاهزة، وأنظمة صرف صحي، ومياه ومدارس، وملعب كرة قدم، وأول محطة للطاقة الشمسية في العالم في مخيم للاجئين.
ولكن كل شيء في «الزعتري» مؤقت، وحتى عمال الإغاثة في الأمم المتحدة والشرطة الأردنية يعملون في مقطورات. ويقول محمد الحريري، الذي كان من أوائل سكان «الزعتري»، إن الاحتياجات تطورت مع مرور السنين.
وعندما فر من منزله في درعا مع أطفاله وزوجته الحامل، ووصل إلى المخيم في أغسطس 2012، كانت أولويات العائلة محددة، تتمثل في المأوى من العواصف الترابية التي كانت تمزق الخيام، والوصول الآمن إلى الحمامات المشتركة، وتأمين 40 لتراً من الماء يومياً.
والآن لديهم حمام خاص، وخزان مياه، وثلاث مقطورات تستخدم كغرف نوم، وثلاجة تعمل بالكهرباء في المخيم لمدة 12 ساعة يومياً. وابنته هالة، التي كانت من أوائل الأطفال الذين ولدوا في مخيم الزعتري، هي الآن في الصف الخامس.
ويقول الحريري «عندما وصلنا إلى الأردن أول مرة كانت احتياجاتنا هي المأوى والطعام والأمان؛ وهو ما قدمه لنا الأردن والمجتمع الدولي»، ويضيف اللاجئ السوري وهو جالس في صالون ضيوفه «بعد 10 سنوات تغيرت احتياجاتنا، لكن الموارد انقطعت».
منح جامعية
ويتابع قائلاً: «قبل ذلك كنا نبحث عن سقف فوق رؤوسنا ومياه نظيفة، ونحن الآن قلقون بشأن المنح الجامعية وتأمين المستقبل لأطفالنا». والعمل لجيل جديد يبلغ سن الرشد محدود، وابنه الأكبر «عبدالله» عاطل عن العمل، بينما ابنه الثاني «يوسف» يعمل مصوراً متطوعاً. ويقول الحريري: «نحن أمام جيل ضائع».
إغلاق باب المهن الماهرة
ويُغلق الأردن، باب المهن الماهرة في وجه الأجانب؛ ويسمح للسوريين بالعمل في الزراعة، والتصنيع، والمطاعم، والبناء، فقط. وأفضل ما يمكن أن يأمل فيه خريجو الجامعات السورية هو العمل التطوعي لدى الأمم المتحدة، ويعمل الكثيرون من مخيم الزعتري في المزارع المجاورة مقابل دولارات عدة في اليوم.
وانخفضت المنح الدراسية للطلاب السوريين في الأردن إلى 10 فقط، ما ترك مئات السوريين يتنافسون على فرص قليلة لإكمال تعليمهم.
أصبحت العائلات الريفية السورية التي لم ترسل بناتها إلى المدرسة تقليدياً، مفضلة تزويجهن، مقتنعة بدلاً عن ذلك بأن التعليم سيؤمن لهن مستقبلاً أفضل.
أعلى الدرجات
والآن طلاب المدارس الثانوية السورية - خصوصاً الفتيات - من بين الطلاب الحاصلين على أعلى الدرجات في الأردن، وإحدى هؤلاء الفتيات هي هاجر نابلسي، التي حصلت أخيراً على 90.1% في امتحاناتها الثانوية وتبحث عن مسار إلى الجامعة.
وتقول الطالبة السورية: «هنا في الزعتري الطريقة الوحيدة لتغيير حياتك وحياة أسرتك هي الدراسة»، متابعة بلغة إنجليزية واضحة: «لقد درست بقدر ما أستطيع لأنني لا أريد أن أثقل كاهل عائلتي».
وفي منطقة دراسة مؤقتة أقامها والدها في فناء بين أربع مقطورات، أمضت هاجر عاماً في التحضير لامتحانها الثانوي، وأعادت جدولة نومها لتحقيق أقصى استفادة من الساعة 11 صباحاً حتى 11 مساءً.
وتقول هاجر إنها ترغب في الذهاب إلى كلية الطب وأن تصبح طبيبة أسنان، وهي تبحث حالياً على الإنترنت عن خيارات «أميركا وكندا وإنجلترا.. أبحث في أي مكان يمكنني الدراسة فيه باللغة الإنجليزية». وفي حال لم تجد منحة ستدرس عاماً آخر، ثم تتقدم للامتحان مرة أخرى، لمحاولة الحصول على درجة أعلى: «ربما درجة 95% أو أكثر ستدخلني الجامعة».
فرص غائبة
يشعر مسؤولو الأمم المتحدة والمساعدات بالقلق بشأن الآمال المحطمة للطلاب السوريين في المخيمات. وبينما انخرط أطفال وأسر سورية في برامج المجتمع الدولي، ودرس الطلاب بجد وقاموا بدورهم، يتساءلون أين هي الفرص؟
وفي ذلك، يقول المتحدث باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، رولاند شونباور، الخوف هو أن جيلاً كاملاً سيتخلى عن مستقبله ويقول: «سأبيع الخضار، أو أحصل على المساعدة الإنسانية، وأجلس وأنتظر مثل أي شخص آخر».
ويضيف مسؤول العلاقات الخارجية بالمفوضية، محمد الطاهر: «إذا حصل طلاب مثل هاجر أو غيرهم على أعلى هذه الدرجات ولم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعة، وإذا جلس خريجو الجامعات في أماكنهم من دون آفاق، فهذا يبعث برسالة مفادها أن (الدراسة لن توصلك إلى أي مكان)، وهذه كارثة».
صلاحية منتهية
آلاف المقطورات بحاجة للصيانة بشكل عاجل. أرشيفية
تجاوزت مقطورات الزعتري الجاهزة، والتي تم الترحيب بها على أنها تقدم كبير في عام 2013، مدة صلاحيتها البالغة ست سنوات، وهذا واضح؛ فالأرضيات متصدعة، والأسقف تنهار، والعفن ينتشر في أرجائها.
إلى ذلك، حذر موظفو الأمم المتحدة من أن الغالبية العظمى من المقطورات البالغ عددها 26 ألفاً تتطلب تجديداً عاجلاً؛ بينما لا يمكن تجديد سوى 1000 مقطورة سنوياً مع إصلاحات أساسية، أهمها إضافة صفائح الألمنيوم. وقائمة الانتظار لإصلاح العيوب عمرها سنوات. ويضرب محمد الحريري بقدمه بجوار ثقب في مقطورة تستخدم كغرفة نوم لابنتيه، ويغطي الشريط اللاصق فجوة تفتح على الرمال أدنى الغرفة، وقد دفع اللاجئ السوري مئات الدولارات للإصلاحات، لكنه لا يستطيع تحمل المزيد.
«أبوشادي»، الذي لا يستطيع العودة إلى سورية بسبب المخاوف الأمنية، يشير إلى العفن في حاويته، موضحاً «نعاني من حرارة الصيف وبرد الشتاء»، متابعاً «نحمد الله على سلامتنا وأمننا. نحن في الأردن أفضل بكثير من أي بلد مضيف آخر في العالم، لكن لا يمكن جعل المأوى المؤقت دائماً، ولا يمكننا الاستمرار في الحياة المؤقتة إلى الأبد».
ومع نفاد المدخرات والمساعدات، أُغلق ثلثا المتاجر غير الرسمية في المخيم البالغ عددها 3000 متجر، وكان الشارع الرئيس صاخباً في يوم من الأيام والذي كان مركزاً للتجارة في المخيم، بل كان أكثر الأسواق ازدحاماً في الأردن.
وفراس رفاعي هو أحد أصحاب المتاجر القلائل الذين يحاولون الصمود، ويبيع أحذية مجددة من 75 سنتاً إلى 12 دولاراً للزوج، ويحقق أرباحاً صافية تقدر بخمسة دولارات في يوم جيد. ويأمل هو وغيره من التجار أن تستمر المساعدة السنوية لفصل الشتاء التي تقدمها الأمم المتحدة للأسر السورية، لدفع تكاليف التدفئة والمعاطف الشتوية هذا العام: «عندما لا تكون هناك مساعدة، لا توجد معاملات»، كما يقول رفاعي، وهو يكدس أحذية رياضية.
عجز المفوضية
الدعم لبرنامج الغذاء في المخيمات تراجع بشكل كبير. أرشيفية
مع اقتراب فصل الشتاء، تحذر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الأردن من أنها لاتزال تواجه فجوة تمويلية تبلغ 46 مليون دولار لمثل هذه المساعدة. والتخفيضات الأخرى في الخدمة آخذة في التصاعد. وبالإضافة إلى عجز المفوضية البالغ 34 مليون دولار الذي يهدد المساعدات الصحية، اضطر برنامج الغذاء العالمي هذا الشهر إلى قطع المساعدات الغذائية للأسر السورية الضعيفة التي تعيش خارج المخيمات في الأردن من 33 دولاراً للفرد شهرياً إلى 22 دولاراً، في وقت أدى فيه التضخم إلى ارتفاع تكاليف الغذاء بنسبة 40٪.
وتتزايد المخاوف أيضاً من أن العديد من العائلات السورية المتعثرة التي تعيش في المدن، والمثقلة بالديون وتتأخر شهوراً في الإيجار، قد تضطر للعودة إلى الزعتري، حيث لا توجد مساحة كافية أو مساكن.
وحذر ممثل المفوضية في الأردن، دومينيك بارتش، في أواخر أغسطسمن أنه «إذا لم يأت التمويل سريعاً، فيُخشى أن يتحول الوضع إلى أزمة إنسانية في غضون بضعة أشهر».
80000
لاجئ سوري يعيشون في مخيم الزعتري.