ذكريات مجازر التنظيم الإرهابي تحفز المخبرين
رجال العشائر في سورية يساعدون أميركا على استهداف زعماء «داعش»
عندما استهدف الجيش الأميركي ماهر العقال زعيم تنظيم «داعش»، بضربة طائرة مُسيرة بشمال سورية في شهر يوليو، كانت هناك فرصة ضئيلة لعدم إصابة الهدف، والسبب هو الثأر.
فمع تحصن بقايا قوات تنظيم «داعش» في مناطق نائية، تلجأ الولايات المتحدة إلى مساعدة رجال العشائر التواقين للثأر من الفظائع التي ارتكبها التنظيم الارهابي، عندما سيطر على مساحات شاسعة من سورية والعراق.
قال أحد الأشخاص الذين تعقبوا العقال إنه مع استمرار تعطش عشيرة الشعيطات للثأر بعد ثماني سنوات من قيام التنظيم الارهابي بذبح المئات من أبنائها، قام رجال من العشيرة في سورية بزرع جهاز تتبع على الدراجة النارية التي كان يركبها العقال عندما قُتل.
وقال رجل العشيرة، الذي أكد ضابط مخابرات غربي بالمنطقة روايته، إن أقارب من العشيرة كانوا على اتصال بأسرة زعيم تنظيم «داعش» ويراقبونه سراً منذ شهور في شمال سورية.
وقال الشخص، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية، لرويترز عبر الهاتف من سورية «انتقمت بالدم لأبناء عشيرتي الذين صلبهم تنظيم (داعش) وأعدمهم وقطع رؤوسهم بلا رحمة. هدأت النار في قلوبنا».
وفي واحد من أشد الأعمال الوحشية دموية، قتل تنظيم «داعش» أكثر من 900 من أفراد قبيلة الشعيطات في ثلاث بلدات بمنطقة دير الزور شرق سورية عام 2014 عندما تمردوا على حكم التنظيم المتشدد.
وبينما يمثل تنظيم «داعش» فلول التنظيم الذي حكم أكثر من ثلث سورية والعراق في خلافة أُعلنت من جانب واحد عام 2014، مازال مئات المقاتلين في مناطق مقفرة لا تخضع لسيطرة كاملة من جانب التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ولا الجيش السوري المدعوم من روسيا وجماعات مسلحة تدعمها إيران.
وقالت ثلاثة مصادر استخباراتية غربية وستة مصادر عشائرية، إن رجال العشائر العربية في سورية، الذين يسعون للثأر أصبحوا الآن جزءا من شبكة متنامية من المخبرين، وان العشائرية تلعب دوراً مهماً في حملة الجيش الأميركي لزيادة إضعاف التنظيم.
وقال ياسر الكسّاب، أحد زعماء العشائر من بلدة غرانيج في منطقة دير الزور، إن «شبكات المخبرين هذه تعمل مع الأميركيين الذين يزرعونها في كل مكان».
وأضاف «مخبرون من العشيرة نفسها يرشدون عن أبناء عمومتهم في (داعش)».
ورداً على سؤال حول دور المخبرين العشائريين في سورية، قال مسؤول عسكري أميركي إن الاستهداف استند بالكامل تقريباً إلى معلومات استخباراتية بشرية في العملية التي استهدفت العقال.
وأضاف المسؤول الذي طلب عدم نشر اسمه، لأنه غير مخول بالتحدث علناً عن الأمر: «هذا أمر يتطلب شبكة عميقة في المنطقة».
شبكة عميقة
أطلع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضابط المخابرات الغربية، الذي أكد رواية اغتيال العقال والفترة الطويلة لتعقب رجال العشائر قبل الضربة، على الدعم العشائري لأنشطة مكافحة التمرد.
وقال الجيش الأميركي، الذي ينشر نحو 900 جندي في شمال شرق سورية، إن العقال كان أحد خمسة من كبار قادة الجماعة وكان مسؤولا عن تطوير شبكات «داعش» خارج العراق وسورية.
وقالت القيادة المركزية الأميركية في ذلك الوقت، إن الضربة ضد العقال جاءت بعد تخطيط مكثف.
وقالت مصادر مخابرات غربية وإقليمية، وثلاث شخصيات عشائرية بارزة، إنه مع مقتل أو اعتقال العديد من قادة «داعش» الأجانب، أصبح السوريون أكثر أهمية في قيادته، ما جعل المسلحين أكثر عرضة للاختراق من جانب أقاربهم السوريين الراغبين في تصفية الحسابات.
وبينما تقول أربعة مصادر مطلعة على عملية جمع المعلومات الاستخباراتية، إن الأموال تُدفع في بعض الأحيان مقابل المعلومات، فإن العديد من المخبرين مدفوعون بالثأر من الفظائع التي ارتكبتها الجماعة في ذروة قوتها.
وتم تجنيد بعض المخبرين من جانب وسطاء عشائريين كانوا بالفعل جزءاً من الشبكة. وقال الكسَاب زعيم عشيرة الشعيطات، إن آخرين كانوا يسهمون بشكل مباشر عبر خط هاتفي أنشأه التحالف لتلقي المعلومات.
وأكد الضابط العسكري الأميركي أن المبلغين تلقوا أموالاً، لكنه لم يخض في تفاصيل.
وقالت خمسة مصادر عشائرية إن الشبكات القبلية التي تمولها الولايات المتحدة اخترقت الخلايا النائمة لتنظيم «داعش» وجمعت بيانات عن مجندين جدد، من بينهم رجال عشائر في بعض الحالات. وأكد ضباط المخابرات الغربيون الثلاثة ومسؤول أمني إقليمي رواياتهم.
وينتمي العديد من المخبرين إلى عشيرة الشعيطات، وهي فرع من أكبر قبيلة في سورية، العكيدات (العقيدات)، التي قاتلت مع القوات المدعومة من الولايات المتحدة لطرد تنظيم «داعش» من أجزاء بشمال شرق سورية، وانتزعت السيطرة معها على مدينة الرقة بعد معركة طويلة في عام 2017.
وقال سامر الأحمد، وهو خبير في شؤون الجماعات المتمردة و العلاقات العشائرية «يريدون الثأر، لذا يلجأون إلى التعاون مع أقاربهم لتسريب المعلومات وإعطاء مواقع زعماء (داعش). يستخدمون العلاقات القبلية في ملاحقة عناصر التنظيم الذين تورطوا في قتل أقاربهم».
* مخابرات بشرية
قال أحد ضباط المخابرات الغربية إن معلومات المخابرات البشرية على عكس المعلومات التي يتم جمعها من أجهزة مثل الهواتف المحمولة، أصبحت الآن حاسمة لأن المتشددين يتجنبون بشكل متزايد وسائل الاتصال المعرضة للمراقبة.
وأضاف الضابط المطلع على بعض الجهود السرية «معظم العناصر الجديدة لا تستخدم الهواتف المحمولة أو الأجهزة التي كانت وراء الضربات السابقة للمتمردين الأجانب».
وقال المسؤول العسكري الأميركي إن مثل معلومات المخابرات البشرية هذه كانت «حاسمة» في حملة قتل واعتقال كبار المتشددين في سورية منذ بداية العام، ولعبت دوراً رئيساً في قضية العقال.
وأضاف المسؤول «في كثير من الأحيان، تكمل معلومات المخابرات البشرية الأشكال الأخرى من المعلومات، المعلومات التي تلتقطها من هناك أو من الإشارات الصوتية ويمكن استكمالها. في هذه الحالة، تقود المخابرات البشرية بالفعل عملية جمع المعلومات».
وقال اثنان من أقارب العقال إنه كان يختبئ في مكان مكشوف بشمال سورية، ويقضي معظم وقته في الأراضي التي يسيطر عليها مسلحون من العرب السُنة المدعومين من تركيا، ويبتعد في الغالب عن مناطق قريبة من مسقط رأسه حيث يمكن التعرف عليه.
ومثّل مقتله إحدى الضربات الموجعة العديدة التي تعرض لها تنظيم «داعش» في سورية هذا العام، ففي شهر فبراير، لقي زعيم الجماعة أبوإبراهيم الهاشمي القرشي حتفه خلال غارة للقوات الأميركية الخاصة في شمال سورية، بينما اعتقلت القوات الأميركية في يونيو قيادياً بارزاً آخر هو أحمد الكردي.
وكان العقال والكردي والمسلحون الآخرون الذين تم استهدافهم قد عادوا إلى حياتهم الطبيعية، واختلطوا بين قاطني منطقة مكتظة بالسكان على طول الحدود التركية، بعيداً عن المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.
* هجمات الكر والفر
شجعت الضربات الأميركية الناجحة، أحمد أسعد الحسوني، وهو شخصية بارزة في عشيرة الشعيطات لايزال يبحث عن رفات اثنين من أبنائه الأربعة الذين قطع تنظيم «داعش» رؤوسهم في 2014.
وقال الحسوني «ذبحوا أبنائي وأحرقوا قلوبنا، والله لن أنام حتى يموت آخر مجرم».
وقال سكان إنه على الرغم من افتقار تنظيم «داعش» بشكل متزايد، إلى القدرة على شن هجمات كبيرة فإن وجوده يتزايد في المناطق النائية بدير الزور، حيث تتداعى سيطرة قوات سورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
وقالت خمسة مصادر عشائرية إن رجالاً ملثمين أقاموا نقاط تفتيش ليلاً، ما زرع الخوف في القرى القريبة من مدينة البصيرة على نهر الفرات.
وقال الزعيم العشائري الشيخ بشير دندال إن هجمات الكر والفر على نقاط التفتيش التابعة لقوات سورية الديمقراطية، زادت في الأشهر الأخيرة، كما تسبب المسلحون في خسائر فادحة في صفوف الجماعات المسلحة الموالية لإيران حول تدمر.
وكان الخوف من عودة ظهور تنظيم «داعش» هو ما دفع عبدالله عمر البالغ من العمر 32 عاماً إلى الإبلاغ عن أقاربه.
وقال عمر، الذي ينحدر من بلدة أبوحمام على ضفاف نهر الفرات جنوب البصيرة، «أبلغت التحالف عن نحو خمسة أشخاص، بينهم اثنان من أبناء عشيرتي اكتشفنا أنهما كانا مع (داعش)، يديران نقاط تفتيش ويحرقان المنازل.
لا يمكننا النوم بسلام في الليل لأننا نعلم أنهم مازالوا هناك ينتظرون الوقت المناسب للثأر وقتل من نجوا من مذابحهم».
• رجال العشائر العربية في سورية الذين يسعون للثأر، أصبحوا الآن جزءاً من شبكة متنامية من الجواسيس العشائرية تلعب دوراً مهماً في حملة الجيش الأميركي لزيادة إضعاف التنظيم.
• في واحد من أشد الأعمال الوحشية دموية، قتل تنظيم «داعش» أكثر من 900 من أفراد قبيلة الشعيطات في ثلاث بلدات بمنطقة دير الزور شرق سورية عام 2014، عندما تمردوا على حكم التنظيم الإرهابي.
• على الرغم من افتقار تنظيم «داعش» بشكل متزايد إلى القدرة على شن هجمات كبيرة فإن وجوده يتزايد في المناطق النائية بدير الزور، حيث تتداعى سيطرة قوات سورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news